المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الجواب المفيدفي حكم التصوير - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ١٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌حكم استحالة النجس إلى طاهر

- ‌ استحالة النجس إلى حقيقة أخرى بالإحراق أو غيره هل تكسب الطهارة:

- ‌ هل تطهر الخمر بالاستحالة:

- ‌ثانيا: أنواع استحالة المياه المتنجسة بسبب اختلاف أسبابها:

- ‌ استحالة المياه المتنجسة بصب ماء طهور عليها، أو نزح بعضه، أو زوال التغير بنفسه

- ‌ طريقة الحنفية:

- ‌ طريقة المالكية:

- ‌ طريقة الشافعية:

- ‌ طريقة الحنابلة:

- ‌ الاستحالة برمي تراب ونحوه فيها:

- ‌ الاستحالة بسقي النباتات بها وشرب الحيوانات إياها:

- ‌ حكم استعمال مياه المجاري بعد استحالتها وزوال أعراض النجاسة منها:

- ‌مشروع التكافل الاجتماعي

- ‌ثانيا: مدى تمشي هذا المشروع مع أحكام الشريعة الإسلامية:

- ‌ أخذت بيوت ومحلات تجارية من ملاكها وبني مكانها مسجد للصلاة

- ‌ إقامة صلاة الجمعة في بلد نقص عدد المصلين فيها عن أربعين مصليا

- ‌ الرجل الذي لا يصلي وهو متزوج بامرأة مسلمة

- ‌ هل تجب صلاة الضحى على من لم يصل الوتر بعد صلاة العشاء

- ‌ الرجل الذي لا يفارق فراشه من الكبر في السن، وقد ترك الصلاة والصيام

- ‌ تأخير صلاة العيد عن يوم ليلة رؤية هلال شوال إلى اليوم الثاني

- ‌ تأخر إمام الجمعة عن وقت الصلاة

- ‌ الصلاة خلف إمام يسدل في صلاته ويقنت دائما في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح

- ‌ الصلاة في توسعة المسجد النبوي تحت المظلات

- ‌ تأخير الصلاة لعذر

- ‌ إلقاء الوعظ والإرشاد يوم الجمعة قبل أداء صلاة الجمعة

- ‌ عدد ركعات صلاة الجمعة بالنسبة لمن فاتته الجماعة

- ‌ الأدعية المستحبة في صلاة الوتر في شهر رمضان

- ‌ الصلاة مع الراديو

- ‌حكم إخراج الأرز في زكاة الفطر

- ‌حول الشهادتينمعناهماوما تستلزمه كل منهما

- ‌المبحث الأولفي فضل هاتين الشهادتين

- ‌المبحث الثانيالقتال على الشهادتين ووجوب الإتيان بهما

- ‌المبحث الثالثفي معنى كلمة لا إله إلا الله

- ‌ذكر نصوص العلماء في معنى الإله:

- ‌المبحث الرابعمعنى شهادة أن محمدا رسول الله

- ‌ واجب الأمة نحوه:

- ‌ الاقتصاد والتوسط في حقه صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامسشروط الشهادتين

- ‌المبحث السادسنواقض الشهادتين

- ‌من أعلام المجددينالإمام أحمد

- ‌ نشأته وتعلمه:

- ‌ غزارة علمه:

- ‌ عمله وأخلاقه:

- ‌ محنته وصلابته في الحق:

- ‌ مميزات مذهبه والأصول التي بناه عليها:

- ‌ مؤلفاته:

- ‌ وفاته:

- ‌مجال عمل المرأةفي الإسلام

- ‌ مكانة المرأة في الإسلام:

- ‌ شبهات حول المرأة في الإسلام:

- ‌ ميدان العمل للمرأة:

- ‌ هل سمح الإسلام للمرأة بالعمل

- ‌ شروط العمل للمرأة:

- ‌ ألا يكون عمل المرأة صارفا لها عن مهمتها الأصلية:

- ‌ ألا يكون عمل المرأة في كل الأحوال مزاحما للرجل:

- ‌ ألا يعرضها العمل للفتنة أو يعرض الرجال للفتنة أيضا:

- ‌ ألا يصادم العمل الفطرة الطبيعية:

- ‌ مجالات العمل للمرأة:

- ‌ ميدان عمل المرأة

- ‌أثر الإيمان في إشاعة الاطمئنان

- ‌توطئة

- ‌نفس. . . بلا إيمان

- ‌طريق الأمان

- ‌التعريف اللغوي لكلمة أمن

- ‌الأمن الذي تبحث عنه النفوس

- ‌الإيمان لغة وشرعا

- ‌القرآن الكريم وأثره في توطين النفس

- ‌الإيمان الذي تطمئن به القلوب

- ‌الإيمان وقته الحياة الدنيا

- ‌أهمية النفس في الإسلام

- ‌القصاص من أسباب الاطمئنان في المجتمع

- ‌الإيمان مقترن بالأمان

- ‌المال موطن الأثرة لدى النفس ونظرة الإسلام إليه

- ‌الفرق بين المؤمن وغيره

- ‌الإيمان - والإسلام

- ‌أثر الإيمان في أمن المجتمع

- ‌تحقيق رسالة عمر بن الخطابإلى أبي موسى الأشعري

- ‌أهمية رسالة عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري:

- ‌نص الرسالة:

- ‌آراء العلماء والباحثين في رسالة عمر إلى أبي موسى الأشعري

- ‌مناقشة حجج منكري رسالة عمر إلى أبي موسى الأشعري:

- ‌ الطعن في السند:

- ‌ الطعن فيها لاختلاف الروايات وتعددها:

- ‌الطعن فيها من الناحية التأريخية

- ‌ الطعن في المتن:

- ‌القواعد والتوجيهات التي اشتملت عليها رسالة عمر في مجال القضاء:

- ‌ ضرورة القضاء ووجوبه:

- ‌ فهم القضية المدعاة المطلوب الحكم فيها:

- ‌ سرعة البت في الدعوى والإلزام بالحكم:

- ‌ المساواة بين المتخاصمين:

- ‌ فهم مدارك الأحكام:

- ‌ إقرار الاجتهاد والقياس:

- ‌ نقض القضاء:

- ‌ عدالة المسلم:

- ‌ إمهال مدعي البينة والحق الغائب:

- ‌ البينة على من ادعى واليمين على من أنكر:

- ‌ الأخذ بالأدلة الظاهرة:

- ‌ درء الحدود بالشبهات:

- ‌ سعة الصدر والتحذير من الغضب:

- ‌ مراعاة طلب الأجر والثواب في القضاء:

- ‌ إقرار الصلح بين المتخاصمين:

- ‌ الإخلاص لله في القضاء:

- ‌شهادة الزور وخطرها

- ‌أولا: قول الزور:

- ‌ الشهادة بلا علم لأحد أو عليه عند القاضي أو غيره

- ‌ تزكية الإنسان بما ليس أهلا له:

- ‌ القول في دين الله بغير الحق:

- ‌ثانيا: حضور الأماكن التي يفعل فيها الباطل ويعرض:

- ‌ تجمعات المكاء والتصدية:

- ‌ مجالس تفعل فيها عظائم المنكرات وكبائر الذنوب

- ‌ مجالس الكذب التي يعرض فيها الباطل مسموعا أو مرئيا عبر المسلسلات والأفلام والمسرح

- ‌عبد الرزاق بن همام الصنعاني

- ‌روى عن:

- ‌روى عنه:

- ‌تشيعه:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌تغير حاله:

- ‌آراء شاذة:

- ‌شبهة والرد عليها:

- ‌الخلاصة:

- ‌رواة المصنف:

- ‌الحديث عن رواة المصنف:

- ‌عدد أحاديث المصنف:

- ‌زوائد المصنف:

- ‌نسبة الجامع إلى المصنف:

- ‌نسبة كتاب المغازي أيضا:

- ‌درجته:

- ‌سبيل الاحتجاج بأحاديث المصنف:

- ‌أمثلة للأحاديث التي رواها الأئمة من طريقه:

- ‌ حاجة الطبيعة البشرية للاحتساب:

- ‌ الاحتساب في الأديان السابقة:

- ‌ تفضيل أمة الإسلام بالاحتساب:

- ‌مناهجنا والتربية الإسلامية

- ‌مقدمة:

- ‌الحضارة الغربية وموقفها من الإنسانية:

- ‌واقع التعليم في العالم الإسلامي والعربي:

- ‌الطرق والوسائل الواجب اتباعها نحو أسلمة المعرفة:

- ‌وضع منهاج للتعليم الإسلامي:

- ‌ بعض المقترحات التي يمكن تبنيها في نظامنا التعليمي:

- ‌القرآن الكريم وجعله مادة أساسية في المنهج

- ‌الحديث والسيرة النبوية:

- ‌ الاهتمام باللغة العربية:

- ‌ الاهتمام بتدريب المعلم:

- ‌ إزالة الازدواج التعليمي:

- ‌ ترشيد ابتعاث أبناء المسلمين إلى الخارج:

- ‌ تدعيم مراكز البحث العلمي:

- ‌ملخص البحث:

- ‌مقدمة عامة

- ‌المبحث الأول: نشأة المكتبة وتطورها

- ‌المبحث الثاني: تنظيم المكتبة:

- ‌ قسم الترجمة

- ‌ قسم التدقيق والمراجعة

- ‌ قسم الوراقين

- ‌ قسم الفهرسة

- ‌ قسم التأليف:

- ‌برمجة التأليف:

- ‌المنهج العلمي في التأليف:

- ‌المبحث الثالث: أثر المكتبة الفكري في شعوب غرب أوربا:

- ‌الخاتمة

- ‌أثر المرأة في حياتكم

- ‌الجواب المفيدفي حكم التصوير

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌الجواب المفيدفي حكم التصوير

‌الجواب المفيد

في حكم التصوير

لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

الرئيس العام

لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد

السؤال: ما قولكم في حكم التصوير الذي قد عمت به البلوى وانهمك فيه الناس؟ تفضلوا بالجواب الشافي عما يحل منه وما يحرم. أثابكم الله تعالى.

الجواب: الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد فقد جاءت الأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحاح والمسانيد والسنن دالة على تحريم تصوير كل ذي روح، آدميا كان أو غيره، وهتك الستور التي فيها الصور، والأمر بطمس الصور، ولعن المصورين وبيان أنهم أشد الناس عذابا يوم القيامة، وأنا أذكر لك جملة من الأحاديث الصحيحة الواردة في هذا الباب، وأذكر بعض كلام العلماء عليها، وأبين ما هو الصواب في هذه المسألة إن شاء الله.

ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى

ص: 362

الله عليه وسلم - قال الله تعالى: «ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي، فليخلقوا ذرة أو ليخلقوا حبة أو ليخلقوا شعيرة (1)» لفظ مسلم.

وفيهما أيضا عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون (2)» .

ولهما عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم (3)» لفظ البخاري.

وروى البخاري في الصحيح عن أبي جحيفة - رضي الله تعالى - عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن ثمن الدم وثمن الكلب وكسب البغي ولعن آكل الربا وموكله والواشمة والمستوشمة والمصور (4)» .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ (5)» متفق عليه.

وخرج مسلم عن سعيد بن أبي الحسن قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: إني رجل أصور هذه الصورة فأفتني فيها، فقال له: ادن مني. فدنا منه، ثم قال: ادن مني، فدنا منه حتى وضع يده على رأسه فقال: أنبئك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل مصور في النار ويجعل له بكل صورة صورها نفسا فتعذبه في جهنم (6)» وقال: «إن كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر وما لا نفس له (7)» .

وخرج البخاري قوله: «إن كنت لا بد فاعلا (8)» إلخ في آخر الحديث الذي قبله بنحو ما ذكره مسلم.

وخرج الترمذي في جامعه، وقال حسن صحيح عن أبي الزبير عن جابر رضي

(1) صحيح البخاري التوحيد (7559)، صحيح مسلم اللباس والزينة (2111)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 232).

(2)

صحيح البخاري اللباس (5950)، صحيح مسلم اللباس والزينة (2109)، سنن النسائي الزينة (5364)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 375).

(3)

صحيح البخاري اللباس (5951)، صحيح مسلم اللباس والزينة (2108)، سنن النسائي الزينة (5361)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 55).

(4)

صحيح البخاري اللباس (5962)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 308).

(5)

صحيح البخاري اللباس (5963)، صحيح مسلم اللباس والزينة (2110)، سنن النسائي الزينة (5358)، سنن أبو داود الأدب (5024)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 241).

(6)

صحيح مسلم اللباس والزينة (2110)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 308).

(7)

صحيح مسلم بشرح النووي ج 14 ص 93 طبعة دار الفكر ببيروت.

(8)

صحيح البخاري البيوع (2225)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 308).

ص: 363

الله عنه قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصورة في البيت، ونهى أن يصنع ذلك (1)» .

وعن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: «دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل، فلما رآه هتكه وتلون وجهه، وقال: " يا عائشة أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله " قالت عائشة: فقطعناه فجعلنا منه وسادة أو وسادتين (2)» رواه مسلم (3).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر وقد سترت بقرام لي على سهوة لي فيه تماثيل، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم هتكه وقال: أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله. قالت: فجعلناه وسادة أو وسادتين (4)» خرجه البخاري ومسلم، وزاد بعد قوله «هتكه: وتلون وجهه (5)». اهـ.

وعنها قالت: «قدم النبي صلى الله عليه وسلم من سفر وعلقت درنوكا فيه تماثيل، فأمرني أن أنزعه فنزعته (6)» . رواه البخاري ورواه مسلم بلفظ: وقد سترت على بابي درنوكا فيه الخيل ذوات الأجنحة، فأمرني فنزعته.

وعن القاسم بن محمد «عن عائشة أيضا قالت: اشتريت نمرقة فيها تصاوير، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل فعرفت في وجهه الكراهية. قالت: يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله؛ ما أذنبت؟ قال: ما بال هذه النمرقة؟ فقالت: اشتريتها لتقعد عليها وتوسدها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم وقال: إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة (7)» . رواه البخاري ومسلم. زاد مسلم من رواية ابن الماجشوني قالت: «فأخذته فجعلته مرفقتين، فكان يرتفق بهما في البيت (8)» .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(1) سنن الترمذي اللباس (1749)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 335).

(2)

صحيح مسلم اللباس والزينة (2107).

(3)

صحيح مسلم بشرح النووي ج 14 ص 89

(4)

صحيح البخاري اللباس (5954).

(5)

صحيح مسلم اللباس والزينة (2107).

(6)

صحيح البخاري اللباس (5956).

(7)

صحيح البخاري اللباس (5957)، صحيح مسلم اللباس والزينة (2107)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 246)، موطأ مالك الجامع (1803).

(8)

صحيح مسلم اللباس والزينة (2107).

ص: 364

«لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة (1)» . متفق عليه. واللفظ لمسلم.

وخرج مسلم عن زيد بن خالد عن أبي طلحة مرفوعا قال: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تماثيل (2)» .

وفي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أن جبريل عليه السلام قال: لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة (3)» .

وخرج مسلم عن عائشة وميمونة مثله.

وخرج مسلم أيضا عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي رضي الله عنه: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبرا مشرفا إلا سويته. وخرج أبو داود بسند جيد عن جابر رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن الخطاب زمن الفتح، وهو بالبطحاء، أن يأتي الكعبة فيمحوا كل صورة فيها، فلم يدخلها النبي صلى الله عليه وسلم حتى محيت كل صورة فيها (4)» .

وخرج أبو داو الطيالسي في مسنده «عن أسامة قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة ورأى صورا؟ فدعا بدلو من ماء فأتيته به فجعل يمحوها ويقول: قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون» قال الحافظ: إسناده جيد.

قال: وخرج عمر بن شبه من طريق عبد الرحمن بن مهران، عن عمير مولى ابن عباس، «عن أسامة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فأمرني فأتيته بماء في دلو، فجعل يبل الثوب ويضرب به على الصور ويقول: قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون» اهـ.

وخرج البخاري في صحيحه عن عائشة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يترك في بيته شيئا فيه تصاليب إلا نقضه (5)» . رواه الكشميهني بلفظ " تصاوير " وترجم عليه البخاري رحمه الله بـ " باب نقض الصور " وساق هذا الحديث.

(1) صحيح البخاري بدء الخلق (3322)، صحيح مسلم اللباس والزينة (2106)، سنن الترمذي الأدب (2804)، سنن النسائي الزينة (5348)، سنن ابن ماجه اللباس (3649)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 30).

(2)

صحيح مسلم اللباس والزينة (2106).

(3)

صحيح مسلم اللباس والزينة (2105)، سنن النسائي الصيد والذبائح (4276)، سنن أبو داود اللباس (4157)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 330).

(4)

سنن أبو داود اللباس (4156)، مسند أحمد بن حنبل (3/ 335).

(5)

صحيح البخاري اللباس (5952)، سنن أبو داود اللباس (4151).

ص: 365

وفي الصحيحين عن بسر بن سعيد عن زيد بن خالد عن أبي طلحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة (1)» . قال بسر: ثم اشتكى زيد فعدناه فإذا على بابه ستر فيه صورة، فقلت لعبيد الله الخولاني ربيب ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: ألم يخبرنا زيد عن الصور يوم الأول؟ فقال عبيد الله: ألم تسمعه حين قال: إلا رقما في ثوب؟ وفي رواية لهما من طريق عمرو بن الحارث عن بكير الأشج عن بسر، فقلت لعبيد الله الخولاني: ألم يحدثنا في التصاوير؟ قال: إنه قال: إلا رقما في ثوب. ألم تسمعه؟ قلت: لا. قال: بلى قد ذكر ذلك.

وفي المسند وسنن النسائي عن عبيد الله بن عبد الله أنه دخل على أبي طلحة الأنصاري يعوده فوجد عنده سهل بن حنيف، فأمر أبو طلحة إنسانا ينزع نمطا تحته، فقال له سهل: لم تنزع؟ لأنه فيه تصاوير، وقد قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد علمت. قال: ألم يقل إلا رقما في ثوب؟ قال: بلى، ولكنه أطيب لنفسي اهـ. وسنده جيد وأخرجه الترمذي بهذا اللفظ، وقال: حسن صحيح.

وخرج أبو داود والترمذي والنسائي بإسناد جيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتاني جبريل فقال لي: أتيتك البارحة فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل، وكان في البيت قرام ستر فيه تماثيل، وكان في البيت كلب، فمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة، ومر بالستر فليقطع فليجعل منه وسادتان منبوذتان توطآن، ومر بالكلب فليخرج، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا بالكلب لحسن أو حسين كان تحت نضد لهم فأمر به فأخرج (2)» . هذا لفظ أبي داود، ولفظ الترمذي نحوه ولفظ النسائي:«استأذن جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ادخل) فقال: كيف أدخل وفي بيتك ستر فيه تصاوير؟ فإما أن تقطع رءوسها أو تجعل بساطا يوطأ، فإنا معشر الملائكة لا ندخل بيتا فيه تصاوير (3)» . اهـ.

وفي الباب من الأحاديث غير ما ذكرنا كثير، وفي هذه الآحاديث وما جاء في معناها دلالة ظاهرة على تحريم التصوير لكل

(1) صحيح البخاري بدء الخلق (3226)، صحيح مسلم اللباس والزينة (2106)، سنن أبو داود اللباس (4155)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 30).

(2)

سنن الترمذي الأدب (2806)، سنن أبو داود اللباس (4158)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 305).

(3)

سنن النسائي الزينة (5365).

ص: 366

ذي روح، وأن ذلك من كبائر الذنوب المتوعد عليها بالنار.

وهي عامة لأنواع التصوير سواء كان للصورة ظل أم لا، وسواء كان التصوير في حائط أو ستر أو قميص أو مرآة أو قرطاس أو غير ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين ما له ظل وغيره، ولا بين ما جعل في ستر أو غيره بل لعن المصور، وأخبر أن المصورين أشد الناس عذابا يوم القيامة، وأن كل مصور في النار وأطلق ذلك ولم يستثن شيئا.

ويؤيد العموم أنه لما رأى التصاوير في الستر الذي عند عائشة هتكه وتلون وجهه وقال: «إن أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله (1)» ، وفي لفظ أنه قال عندما رأى الستر:«إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم (2)» فهذا اللفظ ونحوه صريح في دخول المصور للصور في الستور ونحوها في عموم الوعيد.

وأما قوله في حديث طلحة وسهل بن حنيف «إلا رقما في ثوب (3)» فهذا استثناء من الصور المانعة من دخول الملائكة لا من التصوير، وذلك واضح من سياق الحديث، والمراد بذلك إذا كان الرقم في ثوب ونحوه يبسط ويمتهن، ومثله الوسادة الممتهنة، كما يدل عليه حديث عائشة المتقدم في قطعها الستر، وجعله وسادة أو وسادتين. وحديث أبي هريرة وقول جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم:«فمر برأس التمثال الذي في البيت يقطع فيصير كهيئة الشجرة، ومر بالستر فليقطع فليجعل منه وسادتان منبوذتان توطآن، ففعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم (4)» .

(1) صحيح البخاري اللباس (5954)، صحيح مسلم اللباس والزينة (2107)، سنن النسائي الزينة (5356)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 219).

(2)

صحيح البخاري النكاح (5181)، صحيح مسلم اللباس والزينة (2107)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 246)، موطأ مالك الجامع (1803).

(3)

صحيح البخاري اللباس (5958)، سنن النسائي الزينة (5349)، موطأ مالك الجامع (1802).

(4)

سنن الترمذي الأدب (2806)، سنن النسائي الزينة (5365)، سنن أبو داود اللباس (4158)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 305).

ص: 367

ولا يجوز حمل الاستثناء على الصورة في الثوب المعلق أو المنصوب على باب أو جدار أو نحو ذلك؛ لأن أحاديث عائشة صريحة في منع مثل هذا الستر ووجوب إزالته أو هتكه كما تقدم ذكرها بألفاظها.

وحديث أبي هريرة صريح في أن مثل الستر مانع من دخول الملائكة حتى يبسط أو يقطع رأس التمثال الذي فيه فيكون كهيئة الشجرة، وأحاديثه عليه الصلاة والسلام لا تتناقض بل يصدق بعضها بعضا. ومهما أمكن الجمع بينها

ص: 367

بوجه مناسب ليس فيه تعسف وجب وقدم على مسلكي الترجيح والنسخ، كما هو مقرر في علم الأصول ومصطلح الحديث، وقد أمكن الجمع بينها هنا كما ذكرناه فلله الحمد.

وقد رجح الحافظ في الفتح الجمع بين الأحاديث بما ذكرته آنفا، وقال: قال الخطابي: والصورة التي لا تدخل الملائكة البيت الذي هي فيه ما يحرم اقتناؤه، وهو ما يكون من الصور التي فيها الروح مما لم يقطع رأسه أو لم يمتهن. اهـ.

وقال الخطابي أيضا - رحمه الله تعالى: إنما عظمت عقوبة المصور؛ لأن الصور كانت تعبد من دون الله، ولأن النظر إليها يفتن وبعض النفوس إليها تميل.

وقال النووي رحمه الله في شرح مسلم (باب تحريم تصوير صورة الحيوان وتحريم اتخاذ ما فيه صورة غير ممتهنة بالفرش ونحوه، وأن الملائكة عليهم السلام لا يدخلون بيتا فيه صورة أو كلب.

قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: تصوير صورة الحيوان حرام شديد التحريم، وهو من الكبائر؛ لأنه متوعد عليه بهذا الوعيد الشديد المذكور في الأحاديث، وسواء صنعه بما يمتهن أو بغيره فصنعته حرام بكل حال؛ لأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى، وسواء ما كان في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها، وأما تصوير صورة الشجر ورجال الإبل وغير ذلك مما ليس فيه صورة حيوان فليس بحرام.

هذا حكم نفس التصوير. وأما اتخاذ المصور فيه صورة حيوان؛ فإن كان معلقا على حائط أو ثوبا ملبوسا أو عمامة أو نحو ذلك مما لا يعد ممتهنا فهو حرام، وإن كان في بساط يداس ومخدة ووسادة ونحوها مما يمتهن فليس بحرام إلى أن قال: لا فرق في هذا كله بين ما له ظل وما لا ظل له.

هذا تلخيص مذهبنا في المسألة، وبمعناه قال جماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم. وهو مذهب الثوري ومالك وأبي حنيفة وغيرهم.

ص: 368

وقال بعض السلف: إنما ينهى عما كان له ظل، ولا بأس بالصور التي - ليس لها ظل. وهذا مذهب باطل فإن الستر الذي أنكر النبي صلى الله عليه وسلم الصورة فيه لا يشك أحد أنه مذموم، وليس لصورته ظل مع باقي الأحاديث المطلقة في كل صورة. اهـ (1).

قال الحافظ بعد ذكره لملخص كلام النووي هذا: قلت ويؤيد التعميم فيما له ظل وما لا ظل له ما أخرجه أحمد في حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيكم ينطلق إلى المدينة فلا يدع بها وثنا إلا كسرة، ولا صورة إلا لطخها (2)» أي طمسها. الحديث.

وفيه «من عاد إلى صنعة شيء من هذا فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم (3)» .

(قلت) ومن تأمل: الأحاديث المتقدمة تبين له دلالتها على تعميم التحريم وعدم الفرق بين ما له ظل وغيره كما تقدم توضيح ذلك.

فإن قيل: قد تقدم في حديث زيد بن خالد عن أبي طلحة أن بسر بن سعيد الراوي عن زيد قال: ثم اشتكى زيد فعدناه، فإذا على بابه ستر فيه صورة. . فظاهر هذا يدل على أن زيدا يرى جواز تعليق الستور التي فيها الصور.

فالجواب: أن أحاديث عائشة المتقدمة وما جاء في معناها دالة على تحريم تعليق الستور التي فيها الصور، وعلى وجوب هتكها، وعلى أنها تمنع دخول الملائكة، وإذا صحت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تجز معارضتها بقول أحد من الناس ولا فعله كائنا من كان، ووجب على المؤمن: اتباعها والتمسك بما دلت عليه ورفض ما خالفه كما قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (4).

وقال تعالى {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (5).

(1) صحيح مسلم بشرح النووي ج 14، ص 81 - 82.

(2)

مسند أحمد بن حنبل (1/ 87).

(3)

مسند أحمد بن حنبل (1/ 87).

(4)

سورة الحشر الآية 7

(5)

سورة النور الآية 54

ص: 369

فقد ضمن الله سبحانه في هذه الآية الهداية لمن أطاع الرسول. وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (1).

ولعل زيدا رضي الله عنه لم يعلم الصورة التي في الستر المذكور أو علمها لكن استجازه؛ لأنه لم تبلغه الأحاديث الدالة على تحريم تعليق الستور التي فيها الصور، فأخذ بظاهر قول النبي صلى الله عليه وسلم:«إلا رقما في ثوب (2)» فيكون معذورا لعدم علمه بها، وأما من علم الأحاديث الصحيحة الدالة على تحريم نصب الستور التي فيها الصور فلا عذر له في مخالفتها، ومتى خالف العبد الأحاديث الصحيحة الصريحة اتباعا للهوى أو تقليدا لأحد من الناس استوجب غضب الرب ومقته، وخيف عليه من زيغ القلب وفتنته كما حذر سبحانه من ذلك في قوله تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} (3).

وفي قوله تعالى: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} (4).

وقوله تعالى: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ} (5) الآية.

وتقدم في حديث أبي هريرة الدلالة على أن الصورة إذا قطع رأسها جاز تركها في البيت؛ لأنها تكون كهيئة الشجرة، وذلك يدل على أن تصوير الشجر ونحوها مما لا روح فيه جائز كما تقدم صريحا من رواية الشيخين عن ابن عباس.

ويستدل بالحديث المذكور أيضا على: أن قطع غير الرأس من الصورة كقطع نصفها الأسفل ونحوه لا يكفي ولا يبيح استعمالها، ولا يزول به المانع من دخول الملائكة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهتك الصور ومحوها، وأخبر أنها تمنع من دخول الملائكة إلا ما امتهن منها، أو قطع رأسه، فمن ادعى مسوغا لبقاء

(1) سورة النور الآية 63

(2)

صحيح البخاري اللباس (5958)، سنن النسائي الزينة (5349)، موطأ مالك الجامع (1802).

(3)

سورة النور الآية 63

(4)

سورة الصف الآية 5

(5)

سورة التوبة الآية 77

ص: 370

الصورة في البيت غير هذين الأمرين فعليه الدليل من كتاب الله أو سنة رسوله عليه الصلاة والسلام.

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الصورة إذا قطع رأسها كان باقيها كهيئة الشجرة، وذلك يدل على أن المسوغ لبقائها خروجها عن شكل ذوات الأرواح ومشابهتها للجمادات. والصورة إذا قطع أسفلها وبقي رأسها لم تكن بهذه المثابة لبقاء الوجه، وفيه من بديع الخلقة والتصوير ما ليس في بقية البدن، فلا يجوز قياس غيره عليه عند من عقل عن الله ورسوله مراده.

وبذلك يتبين لطالب الحق أن تصوير الرأس وما يليه من الحيوان داخل في التحريم والمنع؛ لأن الأحاديث الصحيحة المتقدمة تعمه، وليس لأحد أن يستثني من عمومها إلا ما استثناه الشارع.

ولا فرق في هذا بين الصور المجسدة وغيرها من المنقوشة في ستر أو قرطاس أو نحوها، ولا بين صور الآدميين وغيرها من كل ذي روح، ولا بين صور الملوك والعلماء وغيرهم، بل التحريم في صور الملوك والعلماء ونحوهم من المعظمين أشد؛ لأن الفتنة به أعظم، ونصب صورهم في المجالس ونحوها وتعظيمها من أعظم وسائل الشرك وعبادة أرباب الصور من دون الله، كما وقع ذلك لقوم نوح، وتقدم في كلام الخطابي الإشارة إلى هذا.

وقد كانت الصور في عهد الجاهلية كثيرة معظمة معبودة من دون الله، حتى بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم فكسر الأصنام، ومحا الصور وأزال الله به الشرك ووسائله، فكل من صور صورة أو نصبها أو عظمها، فقد شابه الكفار فيما صنعوا، وفتح للناس باب الشرك ووسائله، ومن أمر بالتصوير أو رضي به، فحكمه حكم فاعله في المنع، واستحقاق الوعيد؛ لأنه قد تقرر في الكتاب والسنة وكلام أهل العلم تحريم الأمر بالمعصية والرضا بها كما يحرم فعلها وقد قال الله تعالى:{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (1).

(1) سورة الأنعام الآية 68

ص: 371

وقوله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} (1) فدلت الآية على أن من حضر المنكر ولم يعرض عن أهله فهو مثلهم.

فإذا كان الساكت عن المنكر مع الإنكار أو المفارقة مثل من فعله، فالآمر بالمنكر أو الراضي به يكون أعظم جرما من الساكت، وأسوأ حالا، وأحق بأن يكون مثل من فعله، والأدلة في هذا المعنى كثيرة يجدها من طلبها في مظانها.

وبما ذكرناه في هذا الجواب من الأحاديث وكلام أهل العلم يتبين لمريد الحق أن توسع الناس في تصوير ذوات الأرواح في الكتب والمجلات والجرائد والرسائل خطأ بين ومعصية ظاهرة، يجب على من نصح نفسه الحذر منها، وتحذير إخوانه من ذلك بعد التوبة النصوح مما قد سلف.

ويتبين له أيضا مما سلف من الأدلة أنه لا يجوز بقاء هذه التصاوير المشار إليها على حالها بل يجب قطع رأسها أو طمسها ما لم تكن في بساط ونحوه مما يداس ويمتهن، فإنه لا بأس بتركها على حالها كما تقدم الدليل على ذلك في أحاديث عائشة وأبي هريرة، وأما اللعب المصورة على صورة شيء من ذوات الأرواح فقد اختلف العلماء في جواز اتخاذها للبنات وعدمه.

وقد ثبت في الصحيحين «عن عائشة قالت: كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتقمعن منه، فيسر بهن إلي فيلعبن معي (2)» .

قال الحافظ في الفتح: استدل بهذا الحديث على جواز اتخاذ صور البنات واللعب من أجل لعب البنات بهن، وخص ذلك من عموم النهي عن اتخاذ الصور، وبه جزم عياض ونقله عن الجمهور، وأنهم أجازوا بيع اللعب للبنات لتدريبهن من صغرهن على أمر بيوتهن وأولادهن، قال: وذهب بعضهم إلى أنه

(1) سورة النساء الآية 140

(2)

فتح الباري ج 10 ص 526 ط: المطبعة السلفية ومكتبتها.

ص: 372

منسوخ، وإليه مال ابن بطال وحكي عن ابن أبي زيد عن مالك: أنه كره أن يشتري الرجل لابنته الصور، ومن ثم رجح الداودي أنه منسوخ.

وقد ترجم ابن حبان " الإباحة لصغار النساء اللعب باللعب " وترجم له النسائي " إباحة الرجل لزوجته اللعب بالبنات " فلم يقيد بالصغر، وفيه نظر.

قال البيهقي بعد تخريج الأحاديث: ثبت النهي عن اتخاذ الصور، فيحمل على أن الرخصة لعائشة في ذلك كانت قبل التحريم، وبه جزم ابن الجوزي - إلى أن قال - وأخرج أبو داود والنسائي من وجه آخر «عن عائشة قالت: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر - فذكر الحديث في هتكه الستر الذي نصبته على بابها - قالت: فكشف ناحية الستر على بنات لعائشة لعب، فقال: ما هذا يا عائشة؟ قالت: بناتي. قالت: ورأى فيها فرسا مربوطا له جناحان، فقال: ما هذا؟ قلت: فرس. قال: فرس له جناحان؟ قلت: ألم تسمع أنه كان لسليمان خيل لهل أجنحة؟ فضحك (1)» - إلى أن قال - قال الخطابي: في هذا الحديث أن اللعب بالبنات ليس كالتلهي بسائر الصور التي جاء فيها الوعيد، وإنما أرخص لعائشة فيها لأنها إذ ذاك كانت غير بالغة.

قلت: وفي الجزم به نظر لكنه محتمل؛ لأن عائشة كانت في غزوة خيبر بنت أربع عشرة سنة، إما أكملتهما أو جاوزتها أو قاربتها، وأما في غزوة تبوك فكانت قد بلغت قطعا، فيترجح رواية من قال " في خيبر " ويجمع بما قال الخطابي؛ لأن ذلك أولى من التعارض اهـ. المقصود من كلام الحافظ (2).

إذا عرفت ما ذكره الحافظ - رحمه الله تعالى - فالأحوط ترك اتخاذ اللعب المصورة؛ لأن في حلها شكا لاحتمال أن يكون إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة على اتخاذ اللعب المصورة قبل الأمر بطمس الصور، فيكون ذلك منسوخا بالأحاديث التي فيها الأمر بمحو الصور وطمسها، إلا ما قطع رأسه أو كان ممتهنا، كما ذهب إليه البيهقي وابن الجوزي، ومال إليه ابن بطال، ويحتمل أنها مخصوصة من النهي كما

(1) سنن أبو داود الأدب (4932).

(2)

فتح الباري ج 10 ص 527.

ص: 373

قاله الجمهور لمصلحة التمرين؛ ولأن في لعب البنات بها نوع امتهان، ومع الاحتمال المذكور والشك في حلها الأحوط تركها، وتمرين البنات بلعب غير مصورة حسما لمادة بقاء الصور المجسدة، وعملا بقوله صلى الله عليه وسلم:«دع ما يريبك إلى ما لا يريبك (1)» ، وقوله في حديث النعمان بن بشير المخرج في الصحيحين مرفوعا «الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه (2)» والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.

(1) سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2518)، سنن النسائي الأشربة (5711)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 200)، سنن الدارمي البيوع (2532).

(2)

صحيح البخاري الإيمان (52)، صحيح مسلم المساقاة (1599)، سنن الترمذي البيوع (1205)، سنن النسائي البيوع (4453)، سنن أبو داود البيوع (3329)، سنن ابن ماجه الفتن (3984)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 270)، سنن الدارمي البيوع (2531).

ص: 374