الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كما كانت كثير من المدن الأندلسية مراكز علمية كبرى ساهمت في نقل الفكر الإسلامي إلى أوربا، مثل قرطبة، إشبيلية، بطليوس، بلنسية، سرقسطة طليطلة، وقد شهدت الأخيرة أكبر حركة لتأثر الأوربيين بالفكر الإسلامي، فقد غصت مكتباتها وجوامعها بالكتب العربية في شتى العلوم المختلفة، ولا سيما العلمية، وأنشئت فيها مدرسة للترجمة من العربية إلى اللاتينية أغلبها من اليهود والنصارى الذين يجيدون اللغتين، وقاموا بنقل العديد من المؤلفات العربية ولا سيما بعد سقوط هذه المدينة في أيدي ألفونسو السادس الذي شجع حركة الترجمة هذه، ولم يأت القرن الثالث عشر إلا وكانت معظم المؤلفات العربية تدرس في أوربا (1).
ويكفينا في هذا المقام شهادة " أنجل جنثالث بالنسيا " palencia مؤلف تاريخ الفكر الأندلسي والذي نقله عن الأسبانية " الدكتور حسين مؤنس " يقول: " إن الفضل في قيام الدراسات الطبية في أوربا يرجع إلى ما كتبه العرب. العرب الذين كانوا يبعثون بالسفراء لاستجلاب الكتب القيمة ما بين إغريقية ولاتينية، ويقيمون المراصد لدراسة الفلك، ويقومون بالرحلات ليستزيدوا من العلم بالتاريخ الطبيعي، وينشئون المدارس لتدرس فيها العلوم بشتى صنوفها "(2).
(1) محمد ماهر حمادة. المكتبات في الإسلام ط ثانية 1978 ص 214.
(2)
علي محمد راضي. الأندلس والناصر. دار الكتاب العربي للطباعة والنشر ص 115، 116.
الخاتمة
:
وبعد، فهذه مكتبة الأمويين في قرطبة، وقد نظمت تنظيما علميا على نحو ما رأينا، فكانت لؤلؤة زمانها، وسراج العلم في عصرها، ولا غرو في ذلك، فإن دورها في توطيد الصلات العلمية بين المشرق الإسلامي ومغربه لا ينكر، وتأثيرها الفكري في شعوب أوربا لا يجحد، ورحم الله الناصر الأموي وطيب ثراه بما أسداه للمسلمين وللإنسانية جمعاء، فقد أثمرت جهوده الطيبة في خدمة العلم والعلماء، وتألقت على يديه تلك المكتبة العظمى التي سطرت صفحة مشرقة في تاريخ الفكر الإسلامي والحضارة الإسلامية.
صفحة فارغة
صفحة فارغة
صفحة فارغة
الجهاد في الأفغان جهاد
إسلامي يجب على
المسلمين دعمه ومساندته.
لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد،
فبمناسبة فراغ الحجاج من أداء مناسكهم وتقديم هديهم وضحاياهم لله سبحانه، يسرني أن أذكر المسلمين في كل مكان بإخوان لهم يقدمون أنفسهم وأموالهم جهادا في سبيل الله، وإعلاء لكلمته، وحماية لأوطان المسلمين، وإنقاذا لها من مكائد العدو الظالم الغاشم، وهم إخواننا في الله والمجاهدون في سبيله من أبناء الأفغان، ولبيان الحقيقة يسرني أن أخبر إخواني المسلمين أن هذا الجهاد قد أوشك على إنهاء عامه الثامن، والشعب الأفغاني المجاهد يحمل سلاحه، ويرفع رايته أمام أشرس قوى الأرض وأعتاها وهو ثابت لا يتراجع، صلب لا يتزعزع ولسان حاله ومقاله يردد قول الله:{قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلَا تُنْظِرُونِ} (1){إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} (2). وقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (3){فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} (4).
(1) سورة الأعراف الآية 195
(2)
سورة الأعراف الآية 196
(3)
سورة آل عمران الآية 173
(4)
سورة آل عمران الآية 174
وهم إذ يقفون كالجبال الرواسي فإنهم بحمد الله لا يزالون في نشاط متزايد، وهمم عالية وصبر ومصابرة في مقارعة الأعداء لإخراجهم من بلادهم بالقوة بدون قيد ولا شرط إن شاء الله، ثقة بالله سبحانه واعتمادا عليه وإيمانا بما وعد به من النصر لمن نصر دينه وجاهد في سبيله، كما قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (1).
وما كان أغلب الناس يتوقعون أن يقف شعب أعزل فقير صغير أمام دولته التي باعت نفسها للكافرين، وأمام الاتحاد السوفييتي والعالم الشرقي والدول التي تدور في فلكه، ما كان الناس يظنون أن هذا الشعب الذي جعل الله جهاده مفخرة للأمة الإسلامية - سيقف طويلا طودا شامخا أمام هذه القوى الكافرة الغاشمة، وهذا هو ظن روسيا التي كانت تحسبها نزهة مريحة وسفرا قاصدا، وظنها هذا هو الذي أرداها فخسرت وخابت وانزلقت أقدامها على سفوح جبال الجهاد في أرض الأفغان، وكانت تحسب أنها ستجد أمر الأفغان كأمر عدد من الدول التي انهارت أمامها في يوم أو يومين.
ولقد اطلعت على إحصائية للمجاهدين عن نتائج المعارك في العام الأخير، فكانت النتيجة بحمد الله تشرح الصدر، وتسر القلب، وتدل على توفيق إلهي وتأييد رباني لهؤلاء المجاهدين الشعث الغبر، الذين أذل الله بهم أعتى قوى الكفر في عصرنا.
يقول التقرير:
لقد سقط للروس ثلاثمائة طائرة وطائرتان، وحطم المجاهدون ألفا ومائتين وثلاثا وستين دبابة، وثلاثة آلاف سيارة وسيارتين، وتسعة وسبعين سلاحا ثقيلا، وغنموا سبعا وثلاثين دبابة، ومائة وإحدى وستين سيارة، وثلاثمائة وثمانية وعشرين سلاحا ثقيلا، وأربعة آلاف ومائة واثنين وتسعين سلاحا خفيفا، وقتل المجاهدون سبعمائة وثمانية وسبعين ضابطا، وجرحوا تسعمائة ضابط، وقتلوا من جند الكفر
(1) سورة محمد الآية 7
عشرين ألفا وتسعة وستين جنديا، وجرحوا خمسة عشر ألفا وخمسمائة وستة وثلاثين جنديا، وأسروا ألفين وستمائة وتسعة، وانضم إليهم من الجنود أربعة آلاف وسبعمائة وأحد عشر.
هذه الأرقام عن مصادر المجاهدين التي عودت العالم رواية الأخبار كما هي بدون مجازفة.
وهذه النتيجة فوق أنها تبهج نفوس المؤمنين، فإنها تبين مدى ضخامة المعركة، وشراسة القتال، وأنها حرب طاحنة لم تشهد بعض الأقطار التي اشتركت في الحرب العالمية الثانية مثلها.
ولقد أحرز المجاهدون انتصارات عظيمة في الأشهر الأخيرة، رغم تصعيد الروس للمعركة إلى ذروتها، وبعد أن ألقوا ما في جعبتهم من أفتك الأسلحة التي اهتزت لها جبال الأفغان، وصمد أمامها ودحرها - بإذن الله - الرجال الصادقون.
ولقد شد الجهاد الأفغاني إليه أعصاب المؤمنين، ولفت أنظار العالم أجمع، ولا زالت القلوب والعيون مبهورة بما يجري على أرض أفغانستان ويتابع الناس مسلمهم وكافرهم هذا الجهاد، وهم يترقبون نتيجته باهتمام بالغ.
ولقد وقف المسلمون بمشاعرهم الطيبة مع الجهاد الأفغاني، ولكن هذا الشعور لم يتبع بخطى عملية كافية في واقع الأمر. فلم يلقوا بثقلهم في المعركة، وإن ما قدمه بعضهم من مال وما بذله بعضهم من جهد لا يتناسب مع حجم هذا الجهاد ولا مع حجم الأمة الإسلامية وإمكاناتها المتاحة، وليس هناك تناسب بين الحاجات الملحة المفروضة على المسلمين التي يفرضها حجم وثقل المعركة وأثرها في واقع الحياة، وبين ما قدمه المحسنون من أبناء هذه الأمة.
وإن أخوة الإسلام لها حقوق وواجبات، ونصرة المسلمين بعضهم بعضا من الفرائض التي افترضها رب العزة من فوق سبع سماوات فقال سبحانه:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (1)، وقال سبحانه
(1) سورة المائدة الآية 2
{وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} (1) الآية. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه (2)» متفق على صحته.
فمساعدة إخواننا المجاهدين والمهاجرين الأفغان ومناصرتهم فرض عين على المسلمين اليوم بالمال والنفس أو بأحدهما حسب الاستطاعة، وخاصة أصحاب الكفايات والإمكانات من دعاة وأطباء ومهندسين ومعلمين، وقد أبلغنا المطلعون أن حاجتهم إلى الدعاة الحكماء أكبر من حاجتهم إلى الأطباء، وأن حاجتهم إلى الرجال لا تقل عن حاجتهم إلى المال، وإن كان عوزهم للمال شديدا وحاجتهم إليه ملحة.
ولقد حصلت كرامات أثناء هذا الجهاد حدث بها الثقات يصل مجموعها إلى حد التواتر، وعقيدة أهل السنة والجماعة أن الكرامات مستمرة في المسلمين إما لإقامة حجة وإما لحاجة، ولا ينكر وقوعها إلا جاهل أو مبتدع، وإن صرف الزكاة للمجاهدين عامة من أوجب الواجبات وأعظم القربات.
كما أن نصرة هذا الجهاد من أعظم الواجبات على المسلمين ترجيحا لمصلحة الدين ونصرة للمسلمين، ومراعاة لمقاصد الشريعة؛ لأن الجهاد في أفغانستان يمر بمرحلة حساسة، إما أن ينتصر المسلمون وإما أن تنتصر الشيوعية - والعياذ بالله - التي إن انتصرت فستعمل على مسح القرآن والسنة من أفغانستان، وستعمل على اجتثاث الدين من أصوله، وهذه هي الماحقة - والعياذ بالله - ولا يمكن للمسلم أن يتردد لحظة في اختيار نصرة المسلمين الأفغان على الشيوعية الكافرة المدمرة، فكيف يتردد مسلم بعد هذا في مساندته ومعاونته للمجاهدين الأفغان؟.
كما يجب على المجاهدين بذل مزيد من الجهد لتوحيد صفوفهم وجمع كلمتهم وإصلاح ذات بينهم.
(1) سورة الأنفال الآية 72
(2)
البخاري في كتاب المظالم، ومسلم في كتاب البر.
وختاما أسأل الله العلي العظيم أن يجمع كلمة المجاهدين على الحق وأن يوحد صفوفهم، وأن يوفق المسلمين حكاما ومحكومين إلى مساندتهم ونصرتهم، وأن ينصر دينه، ويعلي كلمته، ويصلح أحوال المسلمين في كل مكان، ويمنحهم الفقه في الدين، وينصرهم على عدوهم؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
رئيس المجلس التأسيسي
لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة
والرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد