الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا النهج الإسلامي القويم الذي يحترم الإنسان ويحقق له اعتباره ومكانته فلا يعتدي عليه، بل يبقى بريئا وعدلا ما لم يثبت خلاف ذلك قد شرعه الإسلام قبل الثورة الفرنسية التي نادت بحقوق الإنسان، وقبل إعلان هيئة الأمم المتحدة بأكثر من ثلاثة عشر قرنا قرره رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفذه. روت أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار (1)» .
(1) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، وابن ماجه ومالك - صحيح البخاري كتاب الشهادات باب من أقام البينة بعد اليمين، فتح الباري جـ5 ص 288، وكتاب الحيل باب حكم الحاكم لا يحل ما حرمه الله ورسوله - فتح الباري جـ 12 ص 239، وكتاب الأحكام، باب موعظة الإمام للخصوم فتح الباري جـ 13 ص 157. وصحيح مسلم كتاب الأقضية، باب بيان أن حكم الحاكم لا يغير الباطن صحيح مسلم بشرح النووي جـ 12 ص 4 - 7، وسنن أبي داود كتاب الأقضية باب كيف القضاء جـ 2 ص 270. وسنن الترمذي، كتاب الأحكام، باب ما جاء في التشديد على من يقضى له بشيء ليس له أن يأخذه جـ 3 ص 624 وسنن النسائي: كتاب آداب القضاة، باب الحكم بالظاهر جـ 8 ص 233، وسنن ابن ماجه، كتاب الأحكام، باب قضية الحاكم لا تحل حراما ولا تحرم حلالا جـ 2 ص 777، وموطأ الإمام مالك كتاب الأقضية - شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك جـ 3 ص 383 - 384.
12 -
درء الحدود بالشبهات:
قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - في رسالته لأبي موسى الأشعري - رضي الله تعالى عنه -: " إن الله تبارك وتعالى تولى منكم السرائر ودرأ عنكم الشبهات ".
يحرص الإسلام على ستر المسلمين وعدم كشف عوراتهم، إذ لا أحد معصوم من الخطيئة، وحصول التوبة بين المسلم وبين ربه خير من إقامة العقوبة عليه.
روى أبو داود بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تعافوا الحدود فيما بينكم، فما بلغني من حد فقد وجب (2)» .
ويطبق الرسول صلى الله عليه وسلم هذا عمليا فيلقن المتهم بالزنا والسرقة الحجة، فيعرض عن ماعز ويقول له: لعلك قبلت أو غمزت، أو نظرت؟ قال: لا يا رسول الله، قال: أنكتها؟ - لا يكني، ويقول للسارق: ما إخالك سرقت، قال: بلى، ثم قال: ما إخالك سرقت.
ويطلب من الحكام درء الحدود بالشبهة، روى الترمذي بسنده قال: عن عائشة قالت: قال رسول الله: صلى الله عليه وسلم «ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة (3)» .
وفي رواية ابن ماجه: «ادفعوا الحدود ما وجدتم له مدفعا (4)» .
كما أنه درأ الحد عن المرأة المستكرهة على الزنى، عن وائل بن حجر قال:«استكرهت امرأة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدرأ عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم الحد وأقامه على الذي أصابها (5)» .
فالإسلام بهذا يكرم الإنسان، ويبقي له اعتباره فلا يعتدي عليه لمجرد الشبه والظنون، التي كثيرا ما تكون كاذبة {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} (6).
(1) سنن أبي داود - كتاب الحدود، باب العفو عن الحدود ما لم تبلغ السلطان جـ 2 ص 446.
(2)
تعافوا: أمر بالعفو، وهذا الأمر موجه لعامة الناس غير القضاة والسلطان (1)
(3)
سنن الترمذي - كتاب الحدود، باب ما جاء في درء الحدود جـ 4 ص33.
(4)
سنن ابن ماجه - كتاب الحدود، باب الستر على المؤمن، ودفع الحدود بالشبهات جـ2 ص 850. وقال:[في الزوائد: في إسناده إبراهيم بن الفضل المخزومي، ضعفه أحمد وابن معين والبخاري وغيرهم] ا. هـ.
(5)
سنن الترمذي - كتاب الحدود، باب ما جاء في المرأة إذا استكرهت على الزنا جـ 4 ص 155.
(6)
سورة الحجرات الآية 12