الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عياض وغيرهم، بل هو قول الجمهور، ونص عليه مالك، ولم يخالفه أحد من الأئمة، ولكن ليس المراد النهي عن زيارة القبور بدون شد رحل، فقد ورد الترغيب فيها، وأنها تذكر الآخرة، وأن الزائر يدعو للأموات ويترحم عليهم، وهذا يحصل في أقرب مقبرة عنده، فإن كل بلد لا تخلو من المقابر، فأما إعمال المطي والسفر إلى بلد بعيد لأجل بقعة أو قبر، فإنما يكون ذلك لاعتقاد عظمة ذلك المقبور، وأهليته أن يعظم ويدعى ويرجى، فيصرف له خالص العبادة، فلا جرم ورد النهي عن شد الرحال لغير المساجد الثلاثة، وقد روى الإمام أحمد وغيره عن ابن عمر وأبي سعيد الخدري أنهما منعا شد الرحل إلى الطور، لأجل الصلاة فيه، واستدلا بحديث النهي عن شد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد مع أن الله ذكر الطور وسماه بالوادي المقدس، والبقعة المباركة، وكلم عبده موسى هناك، وعلى هذا فمن سافر إلى المدينة قاصدا المسجد النبوي الذي تكون الصلاة فيه بألف صلاة فسفره طاعة وقربة، وله بعد الصلاة في المسجد أن يسلم على القبر الشريف، وعلى قبور الصحابة والشهداء، ويدعو لهم، فأما من أنشأ السفر لأجل القبر نفسه، سواء للسلام عليه أو للدعاء عنده فسفره بدعة منكرة، حيث خالف حديث لا تتخذوا قبري عيدا وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم فأما الأحاديث المروية في فضل الزيارة للقبر الشريف فكلها ضعيفة أو موضوعة، كما حقق ذلك العلماء، فليتنبه لذلك والله الموفق.
المبحث الخامس
شروط الشهادتين
ذكر العلماء لكلمة الإخلاص سبعة شروط نظمها بعضهم بقوله:
علم يقين وإخلاص وصدقك مع
…
محبة وانقياد والقبول لها
وهذه الشروط مأخوذة بالاستقراء والتتبع للأدلة من الكتاب والسنة، وقد
أضاف بعضهم إليها شرطا ثامنا ونظمه بقوله:
وزيد ثامنها الكفران منك بما
…
سوى الإله من الأنداد قد ألها
وأخذ هذا الشرط من قوله صلى الله عليه وسلم: «من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه (1)» رواه مسلم (2) وذكره الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد ثم قال بعده: وهذا من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله، فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصما للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله، فإن شك أو تردد لم يحرم ماله ودمه. . الخ، ومعنى هذا الشرط أن يعتقد بطلان عبادة من سوى الله، وأن كل من صرف شيئا من خالص حق الله لغيره فهو ضال مشرك، وأن كل المعبودات سوى الله من قبور وقباب وبقاع وغيرها نشأت من جهل المشركين وخرافاتهم، فمن أقرهم على ذلك أو تردد في صوابهم، أو شك في بطلان ما هم عليه فليس بموحد، ولو قال لا إله إلا الله، ولم يعبد غير الله. ومع ذلك فإن الشروط السبعة هي المشهورة في كتب أئمة الدعوة رحمهم الله، فنذكر عليها بعض الأدلة للتوضيح.
(فأولها): العلم ودليله قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} (3) وروى مسلم عن عثمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة (4)» والمراد العلم الحقيقي بمدلول الشهادتين وما تستلزمه كل منها من العمل، وضد العلم الجهل، وهو الذي أوقع المشركين من هذه الأمة في مخالفة معناها، حيث جهلوا معنى الإله، ومدلول النفي والإثبات، وفاتهم أن القصد من هذه الكلمة معناها، وهو الذي
(1) صحيح مسلم الإيمان (23)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 394).
(2)
هو في صحيحه 1/ 212.
(3)
سورة محمد الآية 19
(4)
هو في صحيح مسلم بشرح النووي 1/ 218.
خالفه المشركون العالمون بما تدل عليه، حيث قالوا:{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} (1) وقالوا: {أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ} (2)(وثانيها): اليقين وضده الشك والتوقف، أو مجرد الظن والريب، والمعنى أن من أتى بالشهادتين فلا بد أن يوقن بقلبه ويعتقد صحة ما يقوله، من أحقية إلهية الله تعالى، وصحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وبطلان إلهية غير الله بأي نوع من التأله وبطلان قول كل من ادعى النبوة بعد محمد صلى الله عليه وسلم فإن شك في صحة معناها أو توقف في بطلان عبادة غير الله لم تنفعه هاتان الشهادتان، ودليل هذا الشرط ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم «قال في الشهادتين لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة (3)» وفي الصحيح عنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:«من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة (4)» وقد مدح لله تعالى المؤمنين بقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} (5) وذم المنافقين بقوله: {وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} (6) وقد روي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: الصبر نصف الإيمان واليقين الإيمان كله (7) ولا شك أن من كان موقنا بمعنى الشهادتين فإن جوارحه تنبعث لعبادة الرب وحده، ولطاعة الرسول عليه الصلاة والسلام.
(وثالثها): القبول المنافي للرد، فإن هناك من يعلم معنى الشهادتين، ويوقن بمدلولهما، ولكنه يرددهما كبرا وحسدا، وهذه حالة علماء اليهود والنصارى فقد
(1) سورة ص الآية 5
(2)
سورة ص الآية 6
(3)
هو في صحيح مسلم شرح النووي 221/ 1.
(4)
رواه مسلم 231 وغيره.
(5)
سورة الحجرات الآية 15
(6)
سورة التوبة الآية 45
(7)
ذكره البخاري تعليقا كما في الفتح 1/ 45 وقال الحافظ وصله الطبراني لسند صحيح وأبو نعيم في الحلية.
شهدوا بإلهية الله وحده، وعرفوا محمدا صلى الله عليه وسلم كما يعرفون أبناءهم، ومع ذلك لم يقبلوه:{حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} (1) وهكذا كان المشركون يعرفون معنى لا إله إلا الله وصدق محمد صلى الله عليه وسلم ولكنهم يستكبرون عن قبوله، كما قال تعالى:{إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (2) وقال تعالى: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} (3).
(ورابعها): الانقياد، ولعل الفرق بينه وبين القبول، أن الانقياد هو الاتباع بالأفعال، والقبول إظهار صحة معنى ذلك بالقول، ويلزم منهما جميعا الاتباع، ولكن الانقياد هو الاستسلام والإذعان، وعدم التعقب لشيء من أحكام الله، وقال الله تعالى:{وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ} (4) وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ} (5) وقال تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} (6) فهذا هو الانقياد لله تعالى بعبادته وحده، فأما الانقياد للنبي صلى الله عليه وسلم بقبول سنته، واتباع ما جاء به والرضى بحكمه، فقد ذكره الله تعالى بقوله:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (7) فاشترط في صحة إيمانهم أن يسلموا تسليما لحكمه، أي ينقادوا ويذعنوا لما جاء به من ربه.
(1) سورة البقرة الآية 109
(2)
سورة الصافات الآية 35
(3)
سورة الأنعام الآية 33
(4)
سورة الزمر الآية 54
(5)
سورة النساء الآية 125
(6)
سورة لقمان الآية 22
(7)
سورة النساء الآية 65
(وخامسها): الصدق وضده الكذب، وقد ورد اشتراط ذلك في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم:«من قال لا إله إلا الله صادقا من قلبه دخل الجنة (1)» فأما من قالها بلسانه وأنكر مدلولها بقلبه فإنها لا تنجيه، كما حكى الله عن المنافقين أنهم قالوا:{نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} (2) قال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} (3) وهكذا كذبهم بقوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} (4).
(وسادسها): الإخلاص وضده الشرك، قال الله تعالى:{فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (5){أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} (6) وقال تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ} (7) وقال: {قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي} (8) وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه (9)» وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عتبان: «فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله (10)» فالإخلاص أن تكون العبادة لله وحده، دون أن يصرف منها شيء لغيره، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، وكذا الإخلاص في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم بالاقتصار على سنته، وتحكيمه، وترك البدع والمخالفات، وكذا ترك التحاكم إلى ما وضع البشر من قوانين وعادات ابتكروها وهي مصادمة للشريعة، فإن من رضيها أو حكم بها لم يكن من المخلصين.
(1) رواه أحمد في المسند 4/ 16 عن رفاعة الجهني ورواه أحمد أيضا 4/ 402 عن أبي موسى رضي الله عنه.
(2)
سورة المنافقون الآية 1
(3)
سورة المنافقون الآية 1
(4)
سورة البقرة الآية 8
(5)
سورة الزمر الآية 2
(6)
سورة الزمر الآية 3
(7)
سورة الزمر الآية 11
(8)
سورة الزمر الآية 14
(9)
هو في صحيح البخاري 99 وغيره.
(10)
سبق أنه عند البخاري 425 ومسلم 1/ 242.