الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حملاتهم على من أسموهم برجال الدين في كل المؤسسات الإسلامية، كالقضاء الشرعي والمعاهد العلمية، حتى إذا ما شوهوا صورتهم عند الناس، خلا لهم الجو ليروجوا الباطل من دعوتهم.
{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (1).
إن حال الذين يصرفون الناس عن الحق بهذه الحجة ليس بأفضل من حال زعيم الجاهلية الذي ذمه الله تعالى بقوله:
{أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى} (2){عَبْدًا إِذَا صَلَّى} (3){أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى} (4){أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى} (5){أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} (6){أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} (7).
أو كشأن الجاهلي الآخر الذي نهى الله عن طاعته فقال:
{وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} (8){هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} (9){مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} (10){عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} (11){أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} (12){إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} (13).
فعلى أبناء المسلمين أن ينتبهوا لما يدبر لهم من أخطار، وعلى كافة الأمة الأخذ على أيدي السفهاء. . . وعلى علماء الأمة بيان حالهم الذي يسهل كشفه حتى لو احتمى بعض هؤلاء " بالتقية " وإظهار التكيف مع الأوضاع الجديدة، وعلى أولياء الأمور ورجال الدعوة معرفة المندسين والمدسوسين مهما احتموا بحصون النفاق والمسايرة، وإن معرفتهم يسيرة إذ يقول الله تعالى فيهم:
{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ} (14){وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} (15).
(1) سورة يوسف الآية 21
(2)
سورة العلق الآية 9
(3)
سورة العلق الآية 10
(4)
سورة العلق الآية 11
(5)
سورة العلق الآية 12
(6)
سورة العلق الآية 13
(7)
سورة العلق الآية 14
(8)
سورة القلم الآية 10
(9)
سورة القلم الآية 11
(10)
سورة القلم الآية 12
(11)
سورة القلم الآية 13
(12)
سورة القلم الآية 14
(13)
سورة القلم الآية 15
(14)
سورة محمد الآية 29
(15)
سورة محمد الآية 30
(ج)
الاحتساب في الأديان السابقة:
الدعوة إلى الله تعالى هي طريق كل الدعاة الصادقين، والنهج الرباني لهذه
الدعوة هو الذي سارت عليه الأنبياء ومن تبعهم من الأمم " منذ أن تفضل الله بهدايته على الإنسان عبر الأزمان، قال تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (1).
وقال سبحانه:
من هنا نعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كانا في الأديان السابقة، ولذا فإننا نرد دعوى من ادعى أن ذلك الأمر خاص بأمة محمد دون الأمم الأخرى، ذلك أن الإنسان في كل الأزمان وعلى كل الأحوال - كما بينا - يحتاج إلى الهداية، والموعظة، والتذكير، ثم الزجر، والمنع، والردع. . . وحيثما كانت رسالة كانت دعوة، وحيثما كانت دعوة فهناك احتساب.
وصحيح أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصبح ميزة من مميزات أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنها هي التي حافظت عليه حين أضاعته الأمم الأخرى من يهود ونصارى. وهذه الميزة أضحت مناط أفضلية أمة الإسلام على الأمم الأخرى كما سنذكره - إن شاء الله - لكن الاحتساب بمعنى الدعوة أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قديم قدم انحرافات البشرية؛ لأن أمرها على هذا لا يستقيم بدونه، وأول الإشارات فيه تعود إلى عهد نوح عليه السلام. فقد جاء في القرآن الكريم:
{قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا} (3){فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا} (4){وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} (5){ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا} (6){ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} (7).
(1) سورة الحديد الآية 25
(2)
سورة هود الآية 116
(3)
سورة نوح الآية 5
(4)
سورة نوح الآية 6
(5)
سورة نوح الآية 7
(6)
سورة نوح الآية 8
(7)
سورة نوح الآية 9
ومن بعد نوح جاء لقمان عليهما السلام وكانت وصيته لابنه وهو يعظه دليلا على اهتمام واضح بدعوى الاحتساب كما جاء في الآية:
وهذه الوصية تجمع ثلاث خصال من خصائص الأمة التي تأمن الخسران في الدنيا، وتضمن الجنات في الآخرة: وهذه الخصال هي:
- العمل الصالح المتمثل في الصلاة.
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- الصبر. . الذي هو عدة الدعاة.
ثم جاءت رسالة موسى وهارون عليهما السلام، والتي اهتدى بهداها من شاء الله له الإيمان والنجاة، وضل عنها آخرون من السفهاء البغاة. وترددت في القرآن الكريم أصداء مواقف هؤلاء المؤمنين وأولئك الكافرين، فعن الفئة الأولى المؤمنة يقول تعالى:{وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} (2).
أما عن الفئة الثانية الباغية فيقول سبحانه:
{فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} (3).
ويدور الحوار بين الفئتين حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. . حتى ليظن بعض أفراد الفئة المؤمنة أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (بالوعظ والتذكير) قد لا يفيد مع المعاندين، ولكن سلامة الفهم عند بعضهم تشير إلى قضية أخرى هامة، وهي أن الاحتساب في حد ذاته أمر واجب، وبه يحصل الإعذار. . . وقد تحصل به التزكية والتسامي على الباطل. وهذا كله نجده في قوله تعالى عن جيل من بني إسرائيل:
(1) سورة لقمان الآية 17
(2)
سورة الأعراف الآية 159
(3)
سورة الأعراف الآية 166
{وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (1){فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} (2).
ثم شاع الانحراف في اليهود بعد ذلك حيث طال عليهم الأمد وقست قلوبهم ونسوا حظا مما ذكروا به، وضلوا كما ضلت قبلهم أمم، وكان السبب الأساسي لانحرافهم هو ترك الاحتساب كما قال الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم:«إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول، يا هذا اتق الله، دع ما تصنع، فإنه لا يحل لك! ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض (3)» .
وفي كتب أنبياء بني إسرائيل في " العهد القديم " دعوة صريحة لإقامة الاحتساب، والحض على الأمر والنهي، وتعلم العلم، ففي سفر الأمثال المنسوب لسليمان عليه السلام جاء:
" لتعط الجهال ذكاء، والشاب معرفة وتدبرا. . يا بني لا تسلك في الطريق معهم، امنع رجلك عن مسالكهم؛ لأن أرجلهم تجري إلى الشر، وتسرع إلى سفك الدم ".
ثم يخاطب الجميع قائلا:
" ارجعوا عند توبيخي. . . لأني دعوتكم فأبيتم؟ ومددت يدي وليس من يبالي، بل رفضتم مشورتي "(4).
وفي سفر أرمياء:
" ويل للرعاة الذين يهلكون، ويبددون غنم رعيتي. . . . هاأنذا أعاقبكم على شر
(1) سورة الأعراف الآية 164
(2)
سورة الأعراف الآية 165
(3)
هذا النص من رواية أبي داود رواه الترمذي وقال حسن غريب.
(4)
أمثال 1: 1 - 25.