المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الاحتساب في الأديان السابقة: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ١٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌حكم استحالة النجس إلى طاهر

- ‌ استحالة النجس إلى حقيقة أخرى بالإحراق أو غيره هل تكسب الطهارة:

- ‌ هل تطهر الخمر بالاستحالة:

- ‌ثانيا: أنواع استحالة المياه المتنجسة بسبب اختلاف أسبابها:

- ‌ استحالة المياه المتنجسة بصب ماء طهور عليها، أو نزح بعضه، أو زوال التغير بنفسه

- ‌ طريقة الحنفية:

- ‌ طريقة المالكية:

- ‌ طريقة الشافعية:

- ‌ طريقة الحنابلة:

- ‌ الاستحالة برمي تراب ونحوه فيها:

- ‌ الاستحالة بسقي النباتات بها وشرب الحيوانات إياها:

- ‌ حكم استعمال مياه المجاري بعد استحالتها وزوال أعراض النجاسة منها:

- ‌مشروع التكافل الاجتماعي

- ‌ثانيا: مدى تمشي هذا المشروع مع أحكام الشريعة الإسلامية:

- ‌ أخذت بيوت ومحلات تجارية من ملاكها وبني مكانها مسجد للصلاة

- ‌ إقامة صلاة الجمعة في بلد نقص عدد المصلين فيها عن أربعين مصليا

- ‌ الرجل الذي لا يصلي وهو متزوج بامرأة مسلمة

- ‌ هل تجب صلاة الضحى على من لم يصل الوتر بعد صلاة العشاء

- ‌ الرجل الذي لا يفارق فراشه من الكبر في السن، وقد ترك الصلاة والصيام

- ‌ تأخير صلاة العيد عن يوم ليلة رؤية هلال شوال إلى اليوم الثاني

- ‌ تأخر إمام الجمعة عن وقت الصلاة

- ‌ الصلاة خلف إمام يسدل في صلاته ويقنت دائما في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح

- ‌ الصلاة في توسعة المسجد النبوي تحت المظلات

- ‌ تأخير الصلاة لعذر

- ‌ إلقاء الوعظ والإرشاد يوم الجمعة قبل أداء صلاة الجمعة

- ‌ عدد ركعات صلاة الجمعة بالنسبة لمن فاتته الجماعة

- ‌ الأدعية المستحبة في صلاة الوتر في شهر رمضان

- ‌ الصلاة مع الراديو

- ‌حكم إخراج الأرز في زكاة الفطر

- ‌حول الشهادتينمعناهماوما تستلزمه كل منهما

- ‌المبحث الأولفي فضل هاتين الشهادتين

- ‌المبحث الثانيالقتال على الشهادتين ووجوب الإتيان بهما

- ‌المبحث الثالثفي معنى كلمة لا إله إلا الله

- ‌ذكر نصوص العلماء في معنى الإله:

- ‌المبحث الرابعمعنى شهادة أن محمدا رسول الله

- ‌ واجب الأمة نحوه:

- ‌ الاقتصاد والتوسط في حقه صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامسشروط الشهادتين

- ‌المبحث السادسنواقض الشهادتين

- ‌من أعلام المجددينالإمام أحمد

- ‌ نشأته وتعلمه:

- ‌ غزارة علمه:

- ‌ عمله وأخلاقه:

- ‌ محنته وصلابته في الحق:

- ‌ مميزات مذهبه والأصول التي بناه عليها:

- ‌ مؤلفاته:

- ‌ وفاته:

- ‌مجال عمل المرأةفي الإسلام

- ‌ مكانة المرأة في الإسلام:

- ‌ شبهات حول المرأة في الإسلام:

- ‌ ميدان العمل للمرأة:

- ‌ هل سمح الإسلام للمرأة بالعمل

- ‌ شروط العمل للمرأة:

- ‌ ألا يكون عمل المرأة صارفا لها عن مهمتها الأصلية:

- ‌ ألا يكون عمل المرأة في كل الأحوال مزاحما للرجل:

- ‌ ألا يعرضها العمل للفتنة أو يعرض الرجال للفتنة أيضا:

- ‌ ألا يصادم العمل الفطرة الطبيعية:

- ‌ مجالات العمل للمرأة:

- ‌ ميدان عمل المرأة

- ‌أثر الإيمان في إشاعة الاطمئنان

- ‌توطئة

- ‌نفس. . . بلا إيمان

- ‌طريق الأمان

- ‌التعريف اللغوي لكلمة أمن

- ‌الأمن الذي تبحث عنه النفوس

- ‌الإيمان لغة وشرعا

- ‌القرآن الكريم وأثره في توطين النفس

- ‌الإيمان الذي تطمئن به القلوب

- ‌الإيمان وقته الحياة الدنيا

- ‌أهمية النفس في الإسلام

- ‌القصاص من أسباب الاطمئنان في المجتمع

- ‌الإيمان مقترن بالأمان

- ‌المال موطن الأثرة لدى النفس ونظرة الإسلام إليه

- ‌الفرق بين المؤمن وغيره

- ‌الإيمان - والإسلام

- ‌أثر الإيمان في أمن المجتمع

- ‌تحقيق رسالة عمر بن الخطابإلى أبي موسى الأشعري

- ‌أهمية رسالة عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري:

- ‌نص الرسالة:

- ‌آراء العلماء والباحثين في رسالة عمر إلى أبي موسى الأشعري

- ‌مناقشة حجج منكري رسالة عمر إلى أبي موسى الأشعري:

- ‌ الطعن في السند:

- ‌ الطعن فيها لاختلاف الروايات وتعددها:

- ‌الطعن فيها من الناحية التأريخية

- ‌ الطعن في المتن:

- ‌القواعد والتوجيهات التي اشتملت عليها رسالة عمر في مجال القضاء:

- ‌ ضرورة القضاء ووجوبه:

- ‌ فهم القضية المدعاة المطلوب الحكم فيها:

- ‌ سرعة البت في الدعوى والإلزام بالحكم:

- ‌ المساواة بين المتخاصمين:

- ‌ فهم مدارك الأحكام:

- ‌ إقرار الاجتهاد والقياس:

- ‌ نقض القضاء:

- ‌ عدالة المسلم:

- ‌ إمهال مدعي البينة والحق الغائب:

- ‌ البينة على من ادعى واليمين على من أنكر:

- ‌ الأخذ بالأدلة الظاهرة:

- ‌ درء الحدود بالشبهات:

- ‌ سعة الصدر والتحذير من الغضب:

- ‌ مراعاة طلب الأجر والثواب في القضاء:

- ‌ إقرار الصلح بين المتخاصمين:

- ‌ الإخلاص لله في القضاء:

- ‌شهادة الزور وخطرها

- ‌أولا: قول الزور:

- ‌ الشهادة بلا علم لأحد أو عليه عند القاضي أو غيره

- ‌ تزكية الإنسان بما ليس أهلا له:

- ‌ القول في دين الله بغير الحق:

- ‌ثانيا: حضور الأماكن التي يفعل فيها الباطل ويعرض:

- ‌ تجمعات المكاء والتصدية:

- ‌ مجالس تفعل فيها عظائم المنكرات وكبائر الذنوب

- ‌ مجالس الكذب التي يعرض فيها الباطل مسموعا أو مرئيا عبر المسلسلات والأفلام والمسرح

- ‌عبد الرزاق بن همام الصنعاني

- ‌روى عن:

- ‌روى عنه:

- ‌تشيعه:

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌تغير حاله:

- ‌آراء شاذة:

- ‌شبهة والرد عليها:

- ‌الخلاصة:

- ‌رواة المصنف:

- ‌الحديث عن رواة المصنف:

- ‌عدد أحاديث المصنف:

- ‌زوائد المصنف:

- ‌نسبة الجامع إلى المصنف:

- ‌نسبة كتاب المغازي أيضا:

- ‌درجته:

- ‌سبيل الاحتجاج بأحاديث المصنف:

- ‌أمثلة للأحاديث التي رواها الأئمة من طريقه:

- ‌ حاجة الطبيعة البشرية للاحتساب:

- ‌ الاحتساب في الأديان السابقة:

- ‌ تفضيل أمة الإسلام بالاحتساب:

- ‌مناهجنا والتربية الإسلامية

- ‌مقدمة:

- ‌الحضارة الغربية وموقفها من الإنسانية:

- ‌واقع التعليم في العالم الإسلامي والعربي:

- ‌الطرق والوسائل الواجب اتباعها نحو أسلمة المعرفة:

- ‌وضع منهاج للتعليم الإسلامي:

- ‌ بعض المقترحات التي يمكن تبنيها في نظامنا التعليمي:

- ‌القرآن الكريم وجعله مادة أساسية في المنهج

- ‌الحديث والسيرة النبوية:

- ‌ الاهتمام باللغة العربية:

- ‌ الاهتمام بتدريب المعلم:

- ‌ إزالة الازدواج التعليمي:

- ‌ ترشيد ابتعاث أبناء المسلمين إلى الخارج:

- ‌ تدعيم مراكز البحث العلمي:

- ‌ملخص البحث:

- ‌مقدمة عامة

- ‌المبحث الأول: نشأة المكتبة وتطورها

- ‌المبحث الثاني: تنظيم المكتبة:

- ‌ قسم الترجمة

- ‌ قسم التدقيق والمراجعة

- ‌ قسم الوراقين

- ‌ قسم الفهرسة

- ‌ قسم التأليف:

- ‌برمجة التأليف:

- ‌المنهج العلمي في التأليف:

- ‌المبحث الثالث: أثر المكتبة الفكري في شعوب غرب أوربا:

- ‌الخاتمة

- ‌أثر المرأة في حياتكم

- ‌الجواب المفيدفي حكم التصوير

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌ الاحتساب في الأديان السابقة:

حملاتهم على من أسموهم برجال الدين في كل المؤسسات الإسلامية، كالقضاء الشرعي والمعاهد العلمية، حتى إذا ما شوهوا صورتهم عند الناس، خلا لهم الجو ليروجوا الباطل من دعوتهم.

{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (1).

إن حال الذين يصرفون الناس عن الحق بهذه الحجة ليس بأفضل من حال زعيم الجاهلية الذي ذمه الله تعالى بقوله:

{أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى} (2){عَبْدًا إِذَا صَلَّى} (3){أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى} (4){أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى} (5){أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} (6){أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} (7).

أو كشأن الجاهلي الآخر الذي نهى الله عن طاعته فقال:

{وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} (8){هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} (9){مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ} (10){عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ} (11){أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ} (12){إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} (13).

فعلى أبناء المسلمين أن ينتبهوا لما يدبر لهم من أخطار، وعلى كافة الأمة الأخذ على أيدي السفهاء. . . وعلى علماء الأمة بيان حالهم الذي يسهل كشفه حتى لو احتمى بعض هؤلاء " بالتقية " وإظهار التكيف مع الأوضاع الجديدة، وعلى أولياء الأمور ورجال الدعوة معرفة المندسين والمدسوسين مهما احتموا بحصون النفاق والمسايرة، وإن معرفتهم يسيرة إذ يقول الله تعالى فيهم:

{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ} (14){وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} (15).

(1) سورة يوسف الآية 21

(2)

سورة العلق الآية 9

(3)

سورة العلق الآية 10

(4)

سورة العلق الآية 11

(5)

سورة العلق الآية 12

(6)

سورة العلق الآية 13

(7)

سورة العلق الآية 14

(8)

سورة القلم الآية 10

(9)

سورة القلم الآية 11

(10)

سورة القلم الآية 12

(11)

سورة القلم الآية 13

(12)

سورة القلم الآية 14

(13)

سورة القلم الآية 15

(14)

سورة محمد الآية 29

(15)

سورة محمد الآية 30

ص: 308

(ج)

‌ الاحتساب في الأديان السابقة:

الدعوة إلى الله تعالى هي طريق كل الدعاة الصادقين، والنهج الرباني لهذه

ص: 308

الدعوة هو الذي سارت عليه الأنبياء ومن تبعهم من الأمم " منذ أن تفضل الله بهدايته على الإنسان عبر الأزمان، قال تعالى:{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} (1).

وقال سبحانه:

{فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} (2).

من هنا نعلم أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كانا في الأديان السابقة، ولذا فإننا نرد دعوى من ادعى أن ذلك الأمر خاص بأمة محمد دون الأمم الأخرى، ذلك أن الإنسان في كل الأزمان وعلى كل الأحوال - كما بينا - يحتاج إلى الهداية، والموعظة، والتذكير، ثم الزجر، والمنع، والردع. . . وحيثما كانت رسالة كانت دعوة، وحيثما كانت دعوة فهناك احتساب.

وصحيح أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصبح ميزة من مميزات أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنها هي التي حافظت عليه حين أضاعته الأمم الأخرى من يهود ونصارى. وهذه الميزة أضحت مناط أفضلية أمة الإسلام على الأمم الأخرى كما سنذكره - إن شاء الله - لكن الاحتساب بمعنى الدعوة أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قديم قدم انحرافات البشرية؛ لأن أمرها على هذا لا يستقيم بدونه، وأول الإشارات فيه تعود إلى عهد نوح عليه السلام. فقد جاء في القرآن الكريم:

{قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا} (3){فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا} (4){وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا} (5){ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا} (6){ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا} (7).

(1) سورة الحديد الآية 25

(2)

سورة هود الآية 116

(3)

سورة نوح الآية 5

(4)

سورة نوح الآية 6

(5)

سورة نوح الآية 7

(6)

سورة نوح الآية 8

(7)

سورة نوح الآية 9

ص: 309

ومن بعد نوح جاء لقمان عليهما السلام وكانت وصيته لابنه وهو يعظه دليلا على اهتمام واضح بدعوى الاحتساب كما جاء في الآية:

{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (1).

وهذه الوصية تجمع ثلاث خصال من خصائص الأمة التي تأمن الخسران في الدنيا، وتضمن الجنات في الآخرة: وهذه الخصال هي:

- العمل الصالح المتمثل في الصلاة.

- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

- الصبر. . الذي هو عدة الدعاة.

ثم جاءت رسالة موسى وهارون عليهما السلام، والتي اهتدى بهداها من شاء الله له الإيمان والنجاة، وضل عنها آخرون من السفهاء البغاة. وترددت في القرآن الكريم أصداء مواقف هؤلاء المؤمنين وأولئك الكافرين، فعن الفئة الأولى المؤمنة يقول تعالى:{وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} (2).

أما عن الفئة الثانية الباغية فيقول سبحانه:

{فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} (3).

ويدور الحوار بين الفئتين حول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. . حتى ليظن بعض أفراد الفئة المؤمنة أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (بالوعظ والتذكير) قد لا يفيد مع المعاندين، ولكن سلامة الفهم عند بعضهم تشير إلى قضية أخرى هامة، وهي أن الاحتساب في حد ذاته أمر واجب، وبه يحصل الإعذار. . . وقد تحصل به التزكية والتسامي على الباطل. وهذا كله نجده في قوله تعالى عن جيل من بني إسرائيل:

(1) سورة لقمان الآية 17

(2)

سورة الأعراف الآية 159

(3)

سورة الأعراف الآية 166

ص: 310

{وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (1){فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} (2).

ثم شاع الانحراف في اليهود بعد ذلك حيث طال عليهم الأمد وقست قلوبهم ونسوا حظا مما ذكروا به، وضلوا كما ضلت قبلهم أمم، وكان السبب الأساسي لانحرافهم هو ترك الاحتساب كما قال الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم:«إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول، يا هذا اتق الله، دع ما تصنع، فإنه لا يحل لك! ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض (3)» .

وفي كتب أنبياء بني إسرائيل في " العهد القديم " دعوة صريحة لإقامة الاحتساب، والحض على الأمر والنهي، وتعلم العلم، ففي سفر الأمثال المنسوب لسليمان عليه السلام جاء:

" لتعط الجهال ذكاء، والشاب معرفة وتدبرا. . يا بني لا تسلك في الطريق معهم، امنع رجلك عن مسالكهم؛ لأن أرجلهم تجري إلى الشر، وتسرع إلى سفك الدم ".

ثم يخاطب الجميع قائلا:

" ارجعوا عند توبيخي. . . لأني دعوتكم فأبيتم؟ ومددت يدي وليس من يبالي، بل رفضتم مشورتي "(4).

وفي سفر أرمياء:

" ويل للرعاة الذين يهلكون، ويبددون غنم رعيتي. . . . هاأنذا أعاقبكم على شر

(1) سورة الأعراف الآية 164

(2)

سورة الأعراف الآية 165

(3)

هذا النص من رواية أبي داود رواه الترمذي وقال حسن غريب.

(4)

أمثال 1: 1 - 25.

ص: 311