الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حول الشهادتين
معناهما
وما تستلزمه كل منهما
للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
الحمد لله المتفرد بالكمال المتوحد بصفات الجلال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعالى عن الأنداد والأمثال، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي فضله ربه لما تميز به من شريف الخصال صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أهل الاتباع والامتثال.
أما بعد فحيث إن التلفظ بالشهادتين والعمل بمقتضاهما هو الركن الأساسي للدين الإسلامي، وحيث إن جماهير أمة الدعوة يجهلون ما يراد بهما، ويعتقدون أن المراد مجرد النطق بهما دون معرفة وعمل، وأن هناك من يفسرهما بما يخالف معناهما، لذا فقد أحببت أن أكتب بحثا حول ذلك؛ رجاء أن يستفيد منه من له قصد حسن ممن أراد الله به خيرا، وذلك يتضمن مباحث.
المبحث الأول
في فضل هاتين الشهادتين
يجد القارئ في كتب الحديث والسنة كثيرا وكثيرا من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم تتضمن فضل هاتين الشهادتين، والبشارة لمن أتى بهما بالجنة
والرضوان، والسعادة والنجاة من عذاب الله وسخطه (1). فمن ذلك حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل (2)» متفق عليه. وفي رواية «أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية يشاء (3)» وفي صحيح مسلم وغيره عن عثمان رضي الله عنه مرفوعا «من مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة (4)» . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. . . «أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة (5)» وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حرم الله عليه النار (6)» وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل: «ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا حرمه الله على النار (7)» . وعن عتبان بن مالك رضي الله عنه في حديثه الطويل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبغي بذلك وجه الله (8)» . وكل هذه النصوص في الصحيحين أو أحدهما، ودلالتهما ظاهرة على فضل الإتيان بهاتين الكلمتين حيث رتب على ذلك دخول الجنة وفتح أبوابها الثمانية، والتحريم على النار، وورد أيضا ترتب العتق من النار على ذلك فقال صلى الله عليه وسلم «من قال حين يصبح أو يمسى: اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك، وأنبياءك وملائكتك وجميع خلقك بأنك أنت الله
(1) انظر في ذلك كتاب الإيمان أول صحيح مسلم، وكتاب التوحيد أخر صحيح البخاري وغيرهما
(2)
صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3435)، صحيح مسلم الإيمان (28)، سنن الترمذي الإيمان (2638)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 318).
(3)
هو في صحيح البخاري برقم 3435 وصحيح مسلم 1/ 226 بشرح النووي.
(4)
انظر صحيح مسلم بشرح النووي 1/ 217.
(5)
رواه مسلم في صحيحه 1/ 221 بشرح النووي.
(6)
هو في صحيح مسلم 1/ 227 وغيره.
(7)
هو في صحيح مسلم 1/ 240
(8)
هو في صحيح مسلم 1/ 242.
لا إله إلا أنت، وأن محمدا عبدك ورسولك. أعتق الله ربعه من النار، فمن قاله مرتين أعتق الله نصفه من النار، ومن قالها ثلاثا أعتق الله ثلاثة أرباعه من النار، ومن قالها أربعا أعتقه الله من النار (1)» رواه الترمذي وأبو داود عن أنس رضي الله عنه وورد أيضا في فضل هذه الكلمة أنها ترجح بالسيئات بل بجميع المخلوقات إلا ما شاء الله، فروى ابن حبان والحاكم وصححه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«يا رب كل عبادك يقولون هذا» . وفي رواية قال: «لا إله إلا أنت إنما أريد شيئا تخصني به. قال: يا موسى لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله (2)» . وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن نوحا عليه السلام قال لابنه عند موته: آمرك بلا إله إلا الله فإن السماوات السبع والأرضين السبع لو وضعت في كفة ولا إله إلا الله في كفة رجحت بهن لا إله إلا الله، ولو أن السماوات السبع والأرضين السبع كن حلقة مبهمة لفصمتهن لا إله إلا الله (3)» وروى الترمذي وغيره عن عبد الله بن عمرو حديث صاحب البطاقة الذي يدعى يوم القيامة فينشر له تسعة وتسعون سجلا- يعني من السيئات- ثم يخرج له بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات وثقلت البطاقة (4) فأنت ترى هذه النصوص الصحيحة قد أفادت النجاة والفوز لأهل هذه الكلمة، ولكن لا بد من تحقيقها، والعمل بمقتضاها، فإن هذه الأدلة المطلقة تحمل على الأخرى التي قيد فيها الإتيان بالشهادتين بالإخلاص والصدق. . . الخ لتكون بذلك مؤثرة في العمل والسلوك.
(1) انظر سنن الترمذي مع تحفة الأحوذي 9/ 472. وسنن أبي داود برقم 5069 واللفظ له.
(2)
هو في موارد الظمآن برقم 2324 ومستدرك الحاكم 1/ 128.
(3)
هو في مسند أحمد تحقيق أحمد شاكر برقم 6583 وكذا رواه الحاكم 1/ 48 وصححه ووافقه الذهبي.
(4)
هو في سنن الترمذي مع التحفة 7/ 395 وكذا رواه أحمد في المسند 2/ 312 وابن ماجه برقم 4300.