الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزمخشري معبرا عن هذا المعنى: فإن قلت ما معنى قوله {بِأَفْوَاهِكُمْ} (1) والقول لا يكون إلا بالفم؟ قلت: معناه أن الشيء المعلوم يكون علمه في القلب فيترجم عنه اللسان، وهذا الإفك ليس إلا قولا يجري على ألسنتكم ويدور في أفواهكم من غير ترجمة عن علم به في القلب، كقوله تعالى:{يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ} (2). (3)
وهذا القول فيه وجاهة، لكن ينبغي أن يخصص بمن خاض في حديث الإفك من المؤمنين، أما المنافقون فلا شك أن ما تلفظت به ألسنتهم معبر ومترجم عما في قلوبهم، فيكون الصحيح في حقهم هو القول الأول وهو إرادة تأكيد تلفظهم وتكلمهم بهذا الحديث.
(1) سورة النور الآية 15
(2)
سورة آل عمران الآية 167
(3)
الكشاف 3/ 54.
الوقفة الثالثة عشرة:
مع صلة الرحم:
جاء في سبب النزول قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال! فأنزل الله: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (1)، قال أبو بكر الصديق: بلى، والله إني
(1) سورة النور الآية 22
لأحب أن يغفر الله لي! فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبدا! (1)
إن لصلة الرحم في شرع الله منزلة عظيمة ومزية شريفة، وقد تكاثرت الأدلة من الكتاب والسنة على وجوب رعايتها والتحذير من قطعها والتفريط فيها، ففي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ من القطيعة. قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى. قال: فذاك لك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اقرؤوا إن شئتم (3)»
والإحسان إلى الأرحام والأقارب مشروع بجميع وجوهه وصوره، شامل لزيارتهم وتفقد أحوالهم والإنفاق عليهم عند الحاجة، وقضاء مصالحهم، وتعليم جاهلهم، واحترام كبيرهم، والذب عن أعراضهم، وتحمل زلاتهم - ولا يسقط هذا الحق ولو بدرت منهم إساءة، ولهذا جاء في الحديث «أن رجلا قال: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي! فقال: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك (4)».
(1) راجع ص 298.
(2)
أخرجه البخاري 5/ 2232 ح 5641، ومسلم 4/ 1980 ح 2554.
(3)
سورة محمد الآية 22 (2){فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}
(4)
أخرجه مسلم 4/ 1982 ح 2558، والإمام أحمد 2/ 300 ح 7979.