الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لبلو، وبلي من أبلاء المال أي قيم عليه، وفلان بلي أسفار إذا كان قد بلاه السفر والهم ونحوهما، ولا أباليه لا أكترث له.
ثانيا: معنى البلاء في الاصطلاح:
ذكر الطبري أن البلاء هو الامتحان والاختبار بشدائد الأمور. (1) وذكر القرطبي أن البلاء هو الامتحان والاختبار من الله للعبد، وقد يكون حسنا، وقد يكون سيئا. (2)
(1) انظر جامع البيان الطبري: 2/ 41، 1/ 275.
(2)
انظر الجامع لأحكام القرآن القرطبي: 1/ 387.
وقد ذكر الإمام ابن القيم: أن الله سبحانه ابتلى العباد بالنعم كما ابترهم بأنواع النقم وعد ذلك كله ابتلاء، قال تعالى:{وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (1)، وقال:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (2)، وقال:{فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِي} (3){وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي} (4)، وقال:{إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (5)، وقال:{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (6) وقال: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (7)، فأخبر سبحانه وتعالى أنه خلق العالم العلوي والسفلي، وقدر أجل الخلق، وخلق ما على الأرض للابتلاء والاختبار، وهذا الابتلاء إنما هو
(1) سورة الأعراف الآية 168
(2)
سورة الأنبياء الآية 35
(3)
سورة الفجر الآية 15
(4)
سورة الفجر الآية 16
(5)
سورة الكهف الآية 7
(6)
سورة الملك الآية 2
(7)
سورة هود الآية 7
ابتلاء صبر العباد وشكرهم في الخير والشر، والسراء والضراء، فالابتلاء من النعم من الغنى والعافية والجاه والقدرة، وهي أعظم الابتلاءين، والصبر على طاعة الله أشق الصبرين، كما قال الصحابة رضي الله عنهم: ابتلينا بالضراء فصبرنا وابتلينا بالسراء فلم نصبر، فالرب تعالى يبتلي بنعمه وينعم بابتلائه، غير أن الصبر والشكر حالتان لازمتان للعبد في أمر الرب ونهيه وقضائه وقدره لا يستغنى عنهما طرفة عين، والسؤال عن أيهما أفضل كالسؤال عن الحس والحركة أيهما أفضل، وعن الطعام والشراب أيهما أفضل، وعن خوف العبد ورجائه أيهما أفضل، فالمأمور لا يؤدى إلا بصبر وشكر، والمحظور لا يترك إلا بصر وشكر، وأما المقدور الذي يقدر على العبد من البلاء فمتى صبر عليه اندرج شكره في صبره كما يندرج صبر الشاكر في شكره، ومما يوضح هذا أن الله سبحانه امتحن العبد بنفسه وهواه وأوجب عليه جهادهما في الله في كل وقت حتى تأتي - أي نفسه - بالشكر المأمور به ويصبر عن الهوى المنهي فلا ينفك العبد عنهما غنيا كان أو فقيرا معافى أو مبتلى وهذه هي مسألة الغني الشاكر والفقير الصابر. (1)
(1) انظر: عدة الصابرين ابن القيم: 1/ 125.
يقول الشاعر:
قد يبتلي الله بالبلوى وإن عظمت
…
ويبتلي الله القوم بعض القوم بالنعم
(1)
فالابتلاء يكون بالخير والشر، يقول الله تعالى:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (2) لكن الغالب من الآيات والأحاديث أنها تقصر معنى البلاء على الشر، فمن هذه الآيات قوله تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (3) يقول الطبري: وقوله: بشيء من الخوف يعني من الخوف من العدو، وبالجوع وهو القحط، يقول: لنختبركم بشيء من خوف ينالكم من عدوكم وبسنة تصيبكم ينالكم فيها مجاعة وشدة وتعذر المطالب عليكم فتنقص لذلك أموالكم وحروب تكون بينكم وبين أعدائكم من الكفار فينقص لها عددكم وموت ذراريكم وأولادكم وجدوب تحدث فتنقص لها ثماركم كل ذلك امتحان مني لكم واختبار مني لكم فيتبين صادقكم في إيمانه من كاذبيكم فيه ويعرف أهل البصائر في دينهم منكم من أهل النفاق فيه والشك والارتياب كل ذلك خطاب منه لأتباع رسول الله وأصحابه. (4) ومن الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم:
(1) البيت لأبي تمام انظر ديوانه: 1/ 314.
(2)
سورة الأنبياء الآية 35
(3)
سورة البقرة الآية 155
(4)
جامع البيان الطبري: 1/ 41.