الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العشر التي ابتدأها سبحانه بقوله: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} (1) وقال سبحانه آمرا عباده المؤمنين: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (2) أي بدينه وتوحيده الذي بعث به رسوله، فظهر أن الالتزام بالتوحيد الصحيح المستقيم والاجتماع عليه وإقامة الوجه لله والتسليم له سبحانه هو العلاج الناجع لكل المشكلات التي يعانيها المسلمون اليوم، فبإتمامهم التوحيد لله وتحقيقهم له على الوجه المستقيم ينالون تمام ولاية الله وينقلبون بأمن واهتداء يسلمون بهما من كل مشكلة، فحاجتهم إلى التوحيد عظيمة فليدرسوه ويشتغلوا في تعلمه وتعليمه.
(1) سورة الأنعام الآية 151
(2)
سورة آل عمران الآية 103
المطلب الثالث: حاجة العصر إلى التزام المسلمين بالتوحيد الحق علما وعملا
.
يشهد العصر تقدما عظيما في التقنيات المادية والمخترعات الصناعية حتى غدا العالم بسبب ذلك كالقرية الواحدة الصغيرة التي يعرف أهلها بعضهم بعضا لسهولة التواصل بينهم ويعرف بعضهم أحوال بعض وسائر أخباره وشأنه، لا يخفى في هذه القرية شيء، فدول العالم أصبحت كالبيوت في هذه القرية، وشعوبها كالأسر
والقبائل في هذه البيوت (1) وكان من شأن هذا أن يوجد بين دول العالم من الأمن والتعاون والتحاب ما يكون بين أهل القرية الواحدة الصغيرة، ولكن الواقع بخلاف ذلك، فالضغائن وتوجس الدول بعضها من بعض دفع إلى تنافس لاهث بينها إلى حيازة الأسلحة القاتلة الفتاكة والتسابق إلى اختراع السلاح الأقوى تدميرا والأعلى فعالية والأسرع فتكا، وأصبح الأمن هاجسا صعب المنال، ليس ثمة طمأنينة ولا سكون بل حذر وترقب، اليد على الزناد، والنظر شاخص يمنة وشمالا، والكل يستعد لحرب عامة تدمر في أيام بل ساعات، هذا حال الدول والجماعات، أما الأفراد فالحال ذات الحال، فإن المخترعات التي تيسرت للفرد لم تبث في نفسه أمنا ولم تلبس قلبه سعادة بل أغرته بالإسراف في الرذائل والجرأة على الجرائم والافتتان بالشهوات حتى ألف قطع الوشائج الإنسانية ونقض المواثيق الروحية، فغرق في القلق والفراغ الروحي حتى وجد الأمن في أن ينتحر، وكم نقلت الأخبار عن نسب عالية مطردة في ارتفاعها لعدد المنتحرين في نواحي العالم. ولا علاج لهذا الواقع المرير إلا بالتوحيد الذي أخبر الله سبحانه أنه علق الأمن والاهتداء عليه وبه – كما تقدم بيانه في المطلب السابق – ولو أن العالم عرف هذه الحقيقة واتضحت له بينة جلية بلا شبهة لاتخذ
(1) انظر الوحي المحمدي 19.
التوحيد ضالته المنشودة يسعى إليه بكل قواه، فالعالم في حاجة ماسة إلى دلالته إلى التوحيد وقيادته به، وليس ثمة من يؤدي هذه المهمة إلا المسلمين إذ هم أهل التوحيد وهو في عهدتهم، تحمل ذمتهم مهمة تبليغه وقيادة الخلق به، ولكن حال المسلمين على الأمر الذي ذكرنا في المطلب السابق فهم أنفسهم في حاجة إلى فهم صحيح مستقيم للتوحيد وتطبيق صحيح مستقيم له، بل إن سوء حال المسلمين هو أهم الحجب المائعة من تنبه العالم إلى أن حلول أزماته في التوحيد لله رب العالمين، وإن سوء حالهم واستحواذ الجهل بحقيقة التوحيد عليهم صار حجة لمخالفيهم في عدم صلاحية دينهم فظهر بهذا شدة حاجة العصر إلى التزام المسلمين بالتوحيد الصحيح المستقيم علما وعملا ليمكن منهم نقل خير هذا إلى العالم وحل سائر معضلاته، وما دام الأمر كذلك فحاجة المسلمين إلى دراسة التوحيد وشدة العناية به تعلما وتعليما متأكدة.
فأين يذهب المطالبون بتمييع دراسة التوحيد وأصول الملة وتهميش شأنها وجعلها في حشو المقررات الدراسية؟!! وفي خاتمة هذا أنبه إلى أنه قد يعبر البعض عن حاجة العصر إلى التوحيد بحاجته إلى الإسلام، فأقول: نعم، ولكن إلى الإسلام الصرف الذي لا يلتبس بظلم الشرك والبدع المردودة، لا مجرد الإسلام الذي ضد الكفر فإننا قد بينا أن حال غالب أهله في حاجة
إلى فهم الإسلام الصرف وتعلمه، في حاجة إلى التوحيد الذي هو أصل الإسلام ومعناه ومراده، والذي هو الحجة على من عمل بشرائع الإسلام وقارف نواقضه، كما أنه الحجة على من فهمه ولم يعمل بشرائع الإسلام، فلا إسلام بلا توحيد، والحمد لله وحده لا شريك له.
وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده.