المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث السابع: صلة الرحم والبعد عن الظلم: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٨٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌ إذا لم يأكل ما تركه الخارص زكاه، ويأكل أهل الزروع منها)

- ‌ أخذ الزكاة عينا من الثمار)

- ‌ لا دليل صحيحا صريحا على أخذ القيمة)

- ‌ المسائل التي يجوز إخراج القيمة فيها عند ابن تيمية والبخاري)

- ‌(تخرج من الطيب والمتوسط والرديء)

- ‌ زكاة العسل)

- ‌ لا تتكرر زكاة المعشرات ما لم تكن للتجارة)

- ‌ زكاة النقدين)

- ‌ زكاة مبلغ مودع في البنك)

- ‌ أوراق البنكنوت)

- ‌ أحسن المسالك في الأوراق أن تعتبر نقودا

- ‌ الزري في المشالح)

- ‌ بحث في البلاتين

- ‌ الخناجر الذهبية، وأسنان الذهب)

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌من ترك إخراج الزكاة لزمه إخراجها عما مضى من السنين

- ‌الجهل بفرضية الزكاة لا يسقطها

- ‌حكم زكاة أموال اليتامى

- ‌إخراج الزكاة من مال الطفلة

- ‌ إخراج الزوج زكاة زوجته من ماله

- ‌ نقل الزكاة من بلد إلى بلد

- ‌ شراء مواد غذائية وعينية من الزكاة وصرفها في مصارفها

- ‌ قبول الزكاة وصرفها لمعوقي الفقراء ممن ليس لهم من ينفق عليهم

- ‌ أخذ العروض في الزكاة

- ‌إخراج زكاة العروض منها يجزئ وبالنقود أحسن وأحوط

- ‌ إخراج الزكاة عروضا عن العروض وعن النقود

- ‌دفع الزكاة للجمعيات الخيرية

- ‌يجب على الوكيل في توزيع الزكاة تنفيذ ما قاله موكله

- ‌ إعطاء الوكيل أجرة على توزيع الزكاة

- ‌ الدعاء عند تفريق الصدقة

- ‌ اعتبار ما يدفع لمصلحة الزكاة

- ‌ذكر الأصناف الثمانية في الآية لبيان المصرف لا للترتيب

- ‌الفرق بين المسكين والفقير

- ‌ أخذ الزكاة لمن له دخل

- ‌الفقير يعطى كفايته لسنة كاملة

- ‌ دفع الزكاة للفقير الذي له من ينفق عليه كفايته

- ‌ الزكاة للزوجة الفقيرة تحت الغني الذي لا ينفق عليها

- ‌من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌ كيف يكون المسلم محققا لشهادة أن لا إله إلا الله

- ‌ الإمام يختم رمضان في صلاة التراويح بالختمة

- ‌ هل يقرأ دعاء الاستفتاح في كل ركعة من ركعات التراويح

- ‌لدرس الذي يلقيه الأئمة والدعاء بعد تسليمة أو تسليمتين من صلاة التراويح

- ‌ هل الجهر في تكبيرة الإحرام واجب أم يجزئ الإسرار بالقلب فيها

- ‌ رفع صوت المأمومين بتكبيرات الإحرام خلف الإمام

- ‌ رفع الرأس قليلا في الصلاة عند تكبيرة الإحرام وعند الدعاء والاستغفار

- ‌ رفع اليدين بعد القيام من الركعة الثالثة

- ‌ صفة تكبيرة القيام من التشهد الأول ورفع اليدين

- ‌البحوث

- ‌المبحث الأول: أهمية التوحيد في ذاته

- ‌المطلب الأولكونه حق الله تعالى:

- ‌المطلب الثاني: كونه علة خلق الخلق

- ‌المطلب الثالث:كون التوحيد قضية الوجود

- ‌المبحث الثاني: ضرورة الخلق إلى التوحيد

- ‌المطلب الأول: فطرية التأله:

- ‌المطلب الثاني: ضرورة الخلق إلى التأله لله وحده

- ‌المبحث الثالث: شدة حاجة المسلمين اليوم لدراسة التوحيد

- ‌المطلب الثاني: المشكلات العامة الحالة بالمسلمين

- ‌المطلب الثالث: حاجة العصر إلى التزام المسلمين بالتوحيد الحق علما وعملا

- ‌أسباب لرفع البلاء قبل وقوعه وأسباب لرفعة بعد وقوعه

- ‌منهجي في البحث:

- ‌التمهيد: معنى البلاء في اللغة والاصطلاح:

- ‌أولا: معنى البلاء في اللغة:

- ‌ثانيا: معنى البلاء في الاصطلاح:

- ‌الفصل الأول: أسباب دفع البلاء قبل وقوعه:

- ‌المبحث الأول: عبادة الشكر

- ‌تعريف الشكر اصطلاحا:

- ‌دفع الشكر للبلاء قبل وقوعه:

- ‌المبحث الثاني: التقوى

- ‌معنى التقوى في اللغة:

- ‌معنى التقوى في الاصطلاح:

- ‌دفع التقوى للبلاء قبل وقوعه:

- ‌المبحث الثالث: التزود بالطاعات وترك المحرمات:

- ‌المبحث الرابع: عدم التعرض لأولياء الله تعالى:

- ‌المبحث الخامس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌المبحث السادس: الحمد باللسان عند رؤية المبتلى:

- ‌المبحث السابع: صلة الرحم والبعد عن الظلم:

- ‌المبحث الثامن: إسداء وصنع المعروف للناس:

- ‌المبحث التاسع: التحرزات الليلية:

- ‌المبحث العاشر: عبادة الاستعاذة بالله:

- ‌المبحث الحادي عشر: أن يستودع العبد ربه الأشياء:

- ‌المبحث الثاني عشر: الأخذ بالتوجيهات الشرعية عند رؤية الرؤى السارة والمحزنة:

- ‌المبحث الثالث عشر: حفظ الأطفال مما يضرهم:

- ‌الفصل الثاني: أسباب رفع البلاء بعد وقوعه:

- ‌المبحث الأول: الحبة السوداء

- ‌المبحث الثاني حديث: «الشفاء في ثلاث

- ‌أولا: العسل:

- ‌ثانيا الحجامة:

- ‌ثالثا: الكي:

- ‌المبحث الثالث: الصبر:

- ‌المبحث الرابع ماء زمزم:

- ‌الخاتمة

- ‌الوقفة الثانية:مع المناسبات:

- ‌الوقفة الثالثة:مع معنى الإفك:

- ‌الوقفة الرابعة:مع دوافع الإفك

- ‌الوقفة الخامسة:مع الأحكام الشرعية:

- ‌الوقفة السادسة:مع الآداب والتوجيهات:

- ‌الوقفة السابعة:مع الآثار المترتبة على الإفك:

- ‌الوقفة الثامنة:مع موقف عائشة رضي الله عنها:

- ‌الوقفة التاسعة:مع الذي تولى كبره:

- ‌الوقفة العاشرة:مع خطر شيوع الفاحشة:

- ‌الوقفة الحادية عشرة:مع معاني (لولا):

- ‌الوقفة الثانية عشرة:مع فائدة بلاغية:

- ‌الوقفة الثالثة عشرة:مع صلة الرحم:

- ‌الوقفة الرابعة عشرة:مع الاستشارة:

- ‌التوجيهات النبوية في الجهاد ونشر الإسلام

- ‌التمهيد:

- ‌المبحث الأولحقيقة الجهاد وآدابه

- ‌المطلب الأول: حقيقتة وآدابه

- ‌المطلب الثاني: الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وأثرها:

- ‌المطلب الثالث: متى وفي حق من يشرع الجهاد

- ‌المطلب الرابع: حرص الإسلام وإيثاره للسلم والعافية:

- ‌المطلب الخامس: وجود الإمام وطاعته:

- ‌المطلب السادس: التحذير من التنازع ووجوب التطاوع:

- ‌المطلب السابع: بر الوالدين من الجهاد:

- ‌المبحث الثانيالتوجيهات النبوية قبل القتال

- ‌المطلب الأول: حث الإسلام على إعداد العدة:

- ‌المطلب الثاني: الاستعداد قبيل القتال:

- ‌المطلب الثالث: المشاورة:

- ‌المطلب الرابع: آداب الإسلام عند تحتم الجهاد:

- ‌المطلب الخامس: الالتزام بالنظام:

- ‌المطلب السادس: أهمية اللواء:

- ‌المطلب السابع: المفاجأة والمباغتة:

- ‌المطلب الثامن: الخدع في الحرب:

- ‌المطلب التاسع: الكذب في الحرب:

- ‌المبحث الثالثالتوجيهات والآداب أثناء وبعد القتال

- ‌المطلب الأول: التعرض لأموال العدو:

- ‌المطلب الثاني: الثبات أثناء القتال:

- ‌المطلب الثالث: الحفاظ على العتاد:

- ‌المطلب الرابع: الاعتناء بالأسرى، وإطلاقهم بدون فداء:

- ‌المطلب الخامس: إيثار النبي صلى الله عليه وسلم لأمته

- ‌المطلب السادس: إيثار المؤلفة وغيرهم بالأموال:

- ‌المطلب السابع: أحكام الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب:

- ‌المطلب الثامن: الوفاء لأهل الذمة:

- ‌المطلب التاسع: تحريم الإسلام للغدر في حق جميع الناس:

- ‌الخاتمة:

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌المبحث السابع: صلة الرحم والبعد عن الظلم:

الجزع والفتنة، وحينئذ تكون محنة أي محنة «والمؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف (1)» «وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا (2)» أي في الدين والدنيا والقلب والقالب «إلا عوفي من ذلك البلاء (3)» أي لم ير أحد صاحب بلاء، فقال: الحمد لله الذي عافاني إلخ، إلا عوفي من ذلك البلاء .. «كائنا ما كان (4)» أي حال كون ذلك البلاء أي بلاء كان «ما عاش (5)» أي مدة بقائه في الدنيا (6) ولكن بعض الناس إذا رأى المبتلى سواء كان في دينه أو بدنه استهزأ به وقام يعدد معاصيه ومعايبه ومثالبه وما ابتلي به في دينه ودنياه. فيقع ذلك بأنفسهم أو ذريتهم، وكانوا بعافية من ذلك لو حمدوا الله عز وجل وكفوا عن الاستهزاء والتنقيص للغير.

(1) جزء من حديث أخرجه مسلم: 4/ 2052.

(2)

سنن الترمذي الدعوات (3432).

(3)

سنن الترمذي الدعوات (3431).

(4)

سنن الترمذي الدعوات (3431).

(5)

سنن الترمذي الدعوات (3431).

(6)

تحفة الأحوذي المباركفوري: 9/ 275.

ص: 207

‌المبحث السابع: صلة الرحم والبعد عن الظلم:

ومما يدفع البلاء البعد عن قطيعة الرحم وظلم الخلق: فالواجب على الإنسان أن يدفع البلاء عن نفسه بالأسباب المشروعة والتي منها البعد عن البغي وقطيعة الرحم لأن الله حرم ذلك، قال تعالى:{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (1)

(1) سورة الأعراف الآية 33

ص: 207

والبغي هو: الظلم والعدوان على الخلق، سواء كان باللسان أو اليد أو الرجل أو غيرها من الجوارح، قال ابن كثير:(أما البغي فهو العدوان على الناس)(1) فعلى الإنسان أن يوطن نفسه بالقيام بالعدل حتى تستقيم أموره. يقول شيخ الإسلام: (ولهذا قيل: إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة، ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس ذنب أسرع عقوبة من البغي وقطيعة الرحم (2)» فالباغي يصرع في الدنيا وإن كان مغفورا له مرحوما في الآخرة؛ وذلك أن العدل نظام كل شيء فإذا أقيم أمر الدنيا بالعدل قامت، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق) (3)(فإن الباغي مصرعه وخيم، والعدل واجب لكل أحد على كل أحد في كل حال، وإنما أرسل الرسل وأنزل الكتب ليقوم الناس بالعدل)(4) لذلك

(1) تفسير القرآن العظيم ابن كثير: 1/ 583، وانظر: تفسير الجلالين المحلي والسيوطي: 1/ 167.

(2)

أخرجه الترمذي بلفظ: (ما من ذنب أجدر أن يعجل الله في الدنيا عقوبته مع ما يدخر لصاحبه في الآخرة - من البغي وقطيعة الرحم) وقال: (حديث حسن صحيح)، وأبو داود: 4/ 276، وابن ماجه: 2/ 1408، وابن حبان: 2/ 2000 وقال شعيب الأرناؤوط: (إسناده صحيح) والحاكم: 2/ 388، وقال:(صحيح الإسناد ولم يخرجاه)، وتابعه الذهبي.

(3)

الاستقامة ابن تيمية: 2/ 247، وانظر تلبيس الجهمية ابن تيمية: 1/ 137.

(4)

الصفدية ابن تيمية: 2/ 327.

ص: 208

فعاقبة الظلم تحيط بالظالم، إما بنفسه أو ولده أو ماله أو عرضه. يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:(إن البغي يصرع أهله، وإن على الباغي تدور الدوائر) ويشهد لهذا قوله تعالى: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} (1) قال ابن عباس: إنا نجد في كتاب الله: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} (2) ويجري على الألسنة أيضا: من حفر بئرا لأخيه أوقعه الله فيه، قال الشاعر:

قضى الله أن البغي يصرع أهله

وأن على الباغي تدور الدوائر

ومن يحتفر بئرا ليوقع غيره

سيوقع في البئر الذي هو حافر

(3)

يقول الزهري: (ما بقي أحد من قتلة الحسين إلا عوقب في الدنيا، فهذا ممكن، وأسرع الذنوب عقوبة البغي، والبغي على الحسين من أعظم البغي)(4) وقال صلى الله عليه وسلم: «ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم (5)» وفي

(1) سورة يونس الآية 23

(2)

سورة فاطر الآية 43

(3)

كشف الخفاء العجلوني: 2/ 321.

(4)

منهاج السنة النبوية ابن تيمية: 4/ 560.

(5)

أخرجه الترمذي بلفظ: (ما من ذنب أجدر أن يعجل الله في الدنيا عقوبته مع ما يدخر لصاحبه في الآخرة - من البغي وقطيعة الرحم) وقال: (حديث حسن صحيح)، وأبو داود: 4/ 276، وابن ماجه: 2/ 1408، وابن حبان: 2/ 2000 وقال شعيب الأرناؤوط: (إسناده صحيح) والحاكم: 2/ 388، وقال:(صحيح الإسناد ولم يخرجاه)، وتابعه الذهبي.

ص: 209

رواية (امرئ) وسبب تخصيص البغي وقطيعة الرحم بتعجيل العقوبة لصاحبهما ما نراه في قول شيخ الإسلام: (إن ما كان من الذنوب يتعدى ضرره فاعله عجلت لصاحبه العقوبة في الدنيا تشريعا وتقديرا، ولهذا قال: (ما من ذنب أحرى أن تعجل لصاحبه العقوبة من البغي وقطيعة الرحم) لأن تأخير عقوبته فساد لأهل الأرض بخلاف ما لا يتعدى ضرره فاعله، فإنه قد تؤخر عقوبته) (1) وقوله صلى الله عليه وسلم:(ما من ذنب) ما نافية ومن زائدة للاستغراق (أجدر) أي أحرى أن يعجل الله (صلة) أجدر على تقدير الباء أي بتعجيله سبحانه (لصاحبه) أي لمتركب الذنب (العقوبة) مفعول يعجل (مع ما يدخر) بتشديد الدال المهملة وكسر الخاء المعجمة أي مع ما يؤجل من العقوبة له أي لصاحب الذنب (من البغي) أي من بغي الباغي وهو الظلم أو الخروج على السلطان .. ومن تفضيلية (وقطيعة الرحم) أي ومن قطع صلة ذوي الأرحام (2) فالمسلم العاقل يبتعد عن قطيعة الرحم ويترك الظلم لأن عقوبته عاجلة، فكيف إذا انضم إلى ذلك دعاء المظلوم عليه فيحل به العذاب، قال صلى الله عليه وسلم:«ثلاث دعوات مستجابات: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده (3)»

(1) الصارم المسلول ابن تيمية: 2/ 456.

(2)

تحفة الأحوذي المباركفوري: 7/ 181.

(3)

أخرجه أبو داود في الصلاة، باب الدعاء بظهر الغيب 2/ 89، والترمذي في البر والصلة، باب ما جاء في دعوة الوالدين 4/ 277، وابن ماجه في الدعاء، باب دعوة الوالد ودعوة المظلوم 2/ 1270، وأحمد في المسند 2/ 517، وسنده صحيح من حديث أبي هريرة.

ص: 210

وروى أبو يعلى أن عمر رضي الله عنه بعث رجالا يسألون عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه – بالكوفة، فكانوا لا يأتون مسجدا من مساجد أهل الكوفة إلا قالوا خيرا أو أثنوا خيرا، حتى أتوا مسجدا من مساجد بني عبس (1) فسألوا، فقال رجل منهم: أما إذ نشدتمونا بالله فإنه كان لا يعدل في القضية ولا يقسم بالسوية ولا يسير بالسرية، فقال سعد: اللهم إن كان كاذبا فأعم بصره وأطل عمره وعرضه للفتن، فكان بعد يتعرض للإماء في السكك، فإذا سئل: كيف أنت؟ يقول: كبير مفتون، أصابتني دعوة سعد).

ودعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرا، قال صلى الله عليه وسلم:«دعوة المظلوم مستجابة، وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه (2)» ومن البغي تتبع عورات الناس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه

(1) اسم القبيلة التي ينسب إليها عنترة العبسي، وهي بنجد. انظر: معجم البلدان الحموي 4/ 78.

(2)

أخرجه أحمد: 2/ 367، وابن أبي شيبة في مصنفه: 6/ 48 وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: 10/ 158: (رواه أحمد والبزار بنحوه، وإسناده حسن) وكذلك قال المنذري في الترغيب: 13/ 130، والعجلوني 1/ 488، وابن حجر في الفتح 3/ 360.

ص: 211

من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في جوف بيته (1)» ودعوة المظلوم مستجابة ليس بينها وبين الله حجاب.

فالمسلم الذي يريد حماية عرضه والحريص على العافية في دينه وبدنه وولده وماله عليه أن يكف عن أعراض الناس.

ويذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن من أسباب البغي الحسد والبغض؛ لأنه يكره أولا فضل الله على المحسود، ثم ينتقل البغض إلى صاحب النعمة (2) فإذا أنعم الله على أخيك نعمة فلك فيه حالتان، إحداهما: أن تكره تلك النعمة وتحب أو تسعى لزوالها، وهذه الحالة تسمى حسدا.

الثانية: ألا تحب زوالها ولا تكره وجودها ودوامها له، ولكنك تريد لنفسك مثلها، فهذا يسمى غبطة، فالأول حرام على كل حال إلا نعمة على كافر أو فاجر وهو يستعين بها على تهييج الفتنة وإفساد ذات البين وإيذاء العباد، فهذه لا يضرك كراهتك لها ولا محبتك زوالها فإنك لم تحب زوالها من حيث هي نعمة، بل من حيث هي آلة للفساد. ووجه تحريم الحسد مع ما علم من الأحاديث أنه تسخط لقدر الله تعالى وحكمته في تفضيل بعض عباده على بعض؛ ولذا قيل:

(1) أخرجه أبو داود: 4/ 270، وأحمد: 4/ 420، وأبو يعلى في المسند: 3/ 237 وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: 8/ 87: (رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير ميمون بن عجلان وهو ثقة) وقال أيضا في مجمع الزوائد 8/ 93. (رواه أبو يعلى ورجاله ثقات).

(2)

انظر: أمراض القلوب ابن تيمية: 1/ 22، ومجموع الفتاوى: 10/ 126.

ص: 212

ألا قل لمن كان لي حاسدا

أتدري على من أسأت الأدب

أسأت على الله في فعله

لأنك لم ترض لي ما وهب

(1)

(2)

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يسلم منهن أحد؛ الطيرة، والظن، والحسد. قيل: فما المخرج منهن؟ قال: إذا تطيرت فلا ترجع، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ (3)» أي (إذا حسدتم)، أي تمنيتم

(1) أورده القرطبي في تفسيره: 5/ 251، والعجلوني في الكشف: 1/ 431. وهو لمنصور الفقيه.

(2)

سبل السلام الصنعاني: 4/ 349 - 350.

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير: 3/ 228، والمحاملي في الأمالي: 1/ 321، وابن أبي الدنيا 227، وأورده ابن كثير في تفسيره: 4/ 214، بلفظ: (ثلاث لازمات لأمتي

فإذا حسدت فاستغفر الله) وقال ابن حجر في فتح الباري: 10/ 213. (هذا مرسل أو معضل، لكن له شاهد من حديث أبي هريرة، أخرجه البيهقي في الشعب وأخرج ابن عدي بسند لين عن أبي هريرة رفعه: (إذا تطيرتم فامضوا، وعلى الله فتوكلوا) وأخرج الطبراني عن أبي الدرداء رفعه (لن ينال الدرجات العلاء من تكهن أو استقسم أو رجع من سفر تطيرا). ورجاله ثقات، إلا أنني أظن أن فيه انقطاعا، وله شاهد عن عمران بن حصين، وأخرجه البزار في أثناء الحديث بسند جيد، وأخرج أبو داود والترمذي وصححه هو وابن حبان عن ابن مسعود رفعه (الطيرة شرك، وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل) وقوله: (وما منا إلا) من كلام ابن مسعود أدرج في الخبر، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: 8/ 78 (رواه الطبراني، وفيه إسماعيل بن غيث الأنصاري وهو ضعيف، وقال المناوي في الفيض / 1/ 33، 3/ 304 (وقال الهيثمي: فيه موسى بن محمد بن حاطب، لا أعرفه، وبقية رجاله ثقات). وذكر شاكر الشريف محقق الداء والدواء للإمام ابن القيم ص45 أنه من مرتبة الحسن لغيره.

ص: 213

زوال نعمة الله على من أنعم عليه فلا تبغوا، أي لا تتعدوا وتفعلوا بمقتضى التمني، فمن خطر له ذلك فليبادر إلى استكراهه كما يكره ما طبع عليه من حب المنهيات. وقدم الإعلام بدواء الحسد على ما بعده اهتماما لشدة البلاء به؛ لأن الإنسان غيور حسود بالطبع، فإذا نظر إلى ما أنعم الله به على غيره حملته الغيرة والحسد على الكفران والعدوان، وقد تضمن الحديث أن الخصال الرذائل مركوزة في جبلة الإنسان إما بالعقل أو بالشرع (1) ويقول الحسن البصري (ما من آدمي إلا وفيه الحسد، فمن لم يجاوز ذلك إلى البغي والظلم لم يتبعه منه شيء)(2) لأن الحسد مغروس في قلوب الناس، لكن القوي من تغلب عليه ولم يعمل به، فلم يصب بعينه المحسود، ولم

(1) انظر فيض القدير المناوي: 1/ 330.

(2)

فتح الباري ابن حجر: 10/ 482.

ص: 214

يتسلط ويتطاول عليه بلسانه ويحاول منع الخير عنه، ولم يبطش به بيده، فلعل الله يرحمه ويدفع عنه الأذى في الدنيا والآخرة. وروي عنه صلى الله عليه وسلم:«كل بني آدم حسود، ولا يضر حاسدا حسده ما لم يتكلم باللسان أو يعمل باليد (1)» وقال: «كل بني آدم حسود، وبعض الناس أفضل في الحسد من بعض، ولا يضر حاسدا حسده ما لم يتكلم باللسان أو يعمل باليد (2)» وإنما

(1) وفي رواية: (لا يخلو جسد من حسد، أو ما خلا جسد) أورده السخاوي في المقاصد الحسنة 1/ 579 وقال: (حديث (ما خلا جسد من حسد) لم أقف عليه بلفظه، ولكن معناه عند أبي موسى المديني في نزهة الحفاظ له من طريق خلف بن موسى العمي عن أبيه عن قتادة عن أنس رفعه (كل بني آدم حسود، وبعض أفضل في الحسد من بعض، ولا يضر حاسدا حسده ما لم يتكلم باللسان أو يعمل باليد) وسنده ضعيف، وهو عندنا أيضا مسلسل بجماعة يسمون خلفا في علوم الحديث للحاكم وبعلو فوائد إسحاق الصابوني، ولابن أبي الدنيا في ذم الحسد له بسند ضعيف، وكذا أخرجه ابن أبي الدنيا أيضا من وجه آخر مرسلا ضعيف، وللطبراني من حديث حارثة بن النعمان نحوه، وقد بسطت الكلام عليه فيما كتبته من شرح الترمذي) والعجلوني في الكشف: 2/ 511، 2/ 243، والقارئ في المصنوع: 1/ 160، 1/ 431.

(2)

أورده السخاوي في المقاصد الحسنة 1/ 579 وقال: حديث (كل بني آدم حسود، وبعض أفضل في الحسد من بعض، ولا يضر حاسدا حسده ما لم يتكلم باللسان أو يعمل باليد) وسنده ضعيف وهو عندنا أيضا مسلسل بجماعة يسمون خلفا في علوم الحديث للحاكم، وبعلو في فوائد إسحاق الصابوني ولابن أبي الدنيا في ذم الحسد له بسند ضعيف، وكذا أخرجه ابن أبي الدنيا أيضا من وجه آخر مرسلا ضيعف، وللطبراني من حديث حارثة بن النعمان نحوه، وقد بسطت الكلام عليه فيما كتبته من شرح الترمذي) والهندي في كنز العمال 3/ 186 وقال أحمد العزي في الجد الحثيث 1/ 197:(وسنده ضعيف وفي الباب غيره).

ص: 215

كان كل آدمي حسودا لأن الفضل يقتضي الحسد بالطبع، فإذا نظر الإنسان إلى من فضل عليه في مال أو علم أو غيرهما لم تملكه نفسه عن أن يحسده، فإن بادر بكفها انكف، وإلا سقط في مهاوي الهلكة ولا يفقد شخص الإصابة بالحسد إلا إذا فقد الخير أجمع؛ ولذلك قال بعض الشعراء:

إن العرانين (1) تلقاها محسدة

ولا ترى للئام الناس حسادا

(2)

وقال أبو تمام

وذو النقص في الدنيا بذي الفضل مولع

(3)

وقال البحتري

لا تحسدوه فضل رتبته التي

أعيت عليكم وافعلوا كفعاله

(4)

ونبه بهذا الحديث على أن سبب الحسد خبث النفس، وأنه داء جبلي مزمن قل من يسلم منه (5) لكن المسلم إن وقع له الخاطر بالحسد فدفعه

(1)(عرانين) أي: رؤساء الناس لسان العرب ابن منظور: 1/ 332.

(2)

الحماسة البصرية صدر الدين علي بن الحسن البصري: 1/ 141، والبيت لعمر بن لجأ التيمي.

(3)

ديوان أبي تمام: 583.

(4)

محاضرات الأدباء 1/ 317.

(5)

انظر فيض القدير المناوي: 5/ 16.

ص: 216

وجاهد نفسه في دفعه فلا إثم عليه، بل لعله مأجور في مدافعة نفسه. فإن سعى في زوال نعمة المحسود فهو باغ وإن لم يسع ولم يظهره لمانع العجز، فإن كان بحيث لو أمكنه لفعل فهو مأزور، وإلا فلا وزر عليه؛ لأنه لا يستطيع دفع الخواطر النفسانية، فيكفيه في مجاهدتها ألا يعمل بها ولا يعزم على العمل بها، فإن كان بحيث لو ألقى الأمر إليه ورد إلى اختياره لسعى في إزالة النعمة فهو حسود حسدا مذموما، وإن كان تزعه التقوى عن إزالة ذلك فيعفى عنه ما يجده في نفسه من ارتياحه إلى زوال النعمة عن محسوده مهما كان كارها لذلك من نفسه بعقله ودينه، وفي الزواجر لابن حجر الهيتمي أن الحسد مراتب، وهي: الأولى: إما محبة زوال نعمة الغير وإن لم تنتقل إلى الحاسد، وهذا غاية الحسد.

الثانية: محبة انتقال النعمة إليه.

الثالثة: محبة انتقال مثلها إليه. وهذا الأخير هو المعفو عنه من الحسد

ص: 217

إن كان في الدنيا والمطلوب إن كان في الدين (1) وعليه حمل ما رواه الشيخان (2) من حديث ابن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفق منه آناء الليل وآناء النهار (3)» وقد أخبر – الرسول صلى الله عليه وسلم – أن القوي هو الذي يستطيع السيطرة على مشاعره ويملك زمام نفسه، فقال:«ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب (4)» فلا يتمادى في حسد أخيه وأذيته، فإن المتأذي هو الحاسد لا غير، سواء من ناحية دينه أو دنياه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«إياكم والحسد؛ فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب (5)» وهو أول ذنب عصي الله به، فكانت نتيجة ذلك خروج آدم من الجنة وطرد إبليس من رحمة الله والجنة، وكذلك لا يغيب عن البال أن أول قتيل من ذرية آدم كان بسبب الحسد، فهو أول ذنب في

(1) انظر الزواجر ابن حجر المكي: 1/ 112.

(2)

أخرجه البخاري: 6/ 2737، مسلم: 1/ 558.

(3)

انظر: سبل السلام الصنعاني: 4/ 350.

(4)

أخرجه البخاري: 10/ 518، ومسلم 4/ 2014.

(5)

أخرجه أبو داود: 4/ 276، وابن ماجه: 2/ 1408، وقال العراقي في المغني عن حمل الأسفار 1/ 32 (أبو داود من حديث أبي هريرة، وقال البخاري: لا يصح، وهو عند ابن ماجه من حديث أنس بإسناد ضعيف، وفي تاريخ بغداد بإسناد حسن).

ص: 218

السماء، وأول ذنب في الأرض، ثم لا ننسى عاقبة الباغي في الدنيا كما سبق في الحديث

فالرسول صلى الله عليه وسلم – يحذر من الحسد بلفظ: «إياكم والحسد (1)» لأنه قلق النفس من رؤية النعمة على الغير، وهو اعتراض على الحق ومعاندة له، ومحاولة لنقص ما فعله وإزالة فضله عما أهله له، ومن ثم قال:«فإن الحسد يأكل الحسنات (2)» أي يذهبها ويحرقها ويمحو أثرها «كما تأكل النار الحطب (3)» أي اليابس لأنه يفضي بصاحبه إلى اغتياب المحسود وشتمه، وقد يتلف ماله أو يسعى في سفك دمه وكل ذلك مظالم يقتص منها في الآخرة ويذهب في عوض ذلك حسنات.

قال الغزالي الحاسد جمع لنفسه بين عذابين؛ لأن حسده على نعمة الدنيا وكان معذبا بالحسد، وما قنع بذلك حتى أضاف إليه عذابا في الآخرة، فقصد محسوده، فأصاب نفسه وأهدى إليه حسناته، فهو صديقه وعدو نفسه، وربما كان حسده سبب انتشار فضل محسوده، فقد قيل:

وإذا أراد الله نشر فضيلة

طويت أتاح لها لسان حسود

لولا اشتعال النار فيما جاورت

ما كان يعرف طيب نشر العود

(4)

(1) سنن أبي داود الأدب (4903).

(2)

سنن أبي داود الأدب (4903).

(3)

سنن أبي داود الأدب (4903).

(4)

البيت لأبي تمام، أورده العجلوني في الكشف: 1/ 431، وانظر: مرآة الجنان اليافعي: 2/ 127.

ص: 219

فهو في هم، ومحسوده في راحة، قال الحسن:(ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من حاسد؛ نفس دائم، وحزن لازم، وعبرة لا تنفد) فأنى له الراحة النفسية أو الجسدية، يقول الأحنف بن قيس (خمس، هن كما أقول؛ لا راحة لحسود، ولا مروءة لكذوب، ولا وفاء لمملوك، ولا حيلة لبخيل، ولا سؤدد لسيئ الخلق)(1) فالحاسد جاحد، لا يرضى بقضاء، ولا يقنع بعطاء (وفي بعض الكتب الإلهية: الحاسد عدو نعمتي) (2) وقد قال عبد الله بن مسعود: (لا تعادوا نعم الله، قيل له: ومن يعادي نعم الله؟ قال: الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله. يقول الله تعالى في بعض الكتب: (الحسود عدو نعمتي، متسخط، غير راض)(3) فحتى يندفع البلاء عن المسلم عليه أن يبتعد عن الحسد وأن يصل رحمه ولا يظلم أحدا، كائنا من كان، وعلى أية حال، وأن يحسن للناس وبالأخص جيرانه، ويعامل الخلق معاملة حسنة من

(1) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان: 5/ 273.

(2)

انظر: كشف الخفاء العجلوني: 1/ 431.

(3)

أورده القرطبي في تفسيره: 5/ 251.

ص: 220

أجل أن يحل عليه الخير والرزق بإذن الله من مال وولد وصحة وطول عمر، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم:«صلة الرحم وحسن الجوار وحسن الخلق يعمران الديار ويزيدان في الأعمار (1)» وقال أيضا: «من سره أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه (3)» وفي رواية: «لا يزيد في العمر إلا الصلة (4)» وصلة الرحم تكون في الزيارة، وحضور المناسبات، ومنها اجتماع العائلة والتي من خلالها يتم التعرف على أفرادها وتلمس حاجاتهم وحل مشاكلهم والاطمئنان على المرضى منهم، فمن خلالها ينبع التكافل المادي لسد حاجات أفرادها ورفعة مستواهم من الناحية المادية. وليحذر المسلم من القطيعة، فقد قال صلى الله عليه وسلم:«الرحم معلقة بالعرش، تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله (5)» وفي زماننا الحاضر كثرت قطيعة الرحم، فقد أصبح الناس مشغولين في حياتهم وكثرة همومهم، فتباعدت القلوب لتباعد الأبدان؛ لذا علينا الحذر من اتباع الشيطان والوقوع في القطيعة والتمادي في ذلك، فيقتدي بالآباء الأبناء، فصلة الرحم سبب لكثرة الرزق وطول العمر،

(1) أخرجه أحمد 9/ 159، وقال ابن حجر في الفتح: 10/ 417 (وعند أحمد بسند رجاله ثقات).

(2)

أخرجه البخاري: 5/ 2232.

(3)

انظر لسان العرب ابن منظور: 1/ 166. (2)

(4)

أخرجه الشهاب في مسنده: 1/ 93 رقم 100.

(5)

أخرجه مسلم: 4/ 1981.

ص: 221

وكذلك حسن الخلق والبعد عن الظلم، وقد ذكر المناوي أن البغي من الكبر، وقطيعة الرحم من البغي، والتي تكون بالإيذاء والصد أو الهجر، وجميعها من الكبائر، ودل على ذلك الوعيد الشديد؛ قال صلى الله عليه وسلم:«الرحم شجنة (2)» أما قطيعتها بترك الإحسان فليس بكبيرة، وفيه تنبيه على أن البلاء بسبب القطيعة في الدنيا لا يدفع بلاء الآخرة (3) وعقوبة الظلم لا تأتي فقط من ظلم الإنسان، بل حتى ظلم الحيوان يجر إلى العقوبة في الدنيا كما قد يجر إلى العقوبة بالآخرة، فقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم:«أن امرأة دخلت النار في هرة حبستها، فلم تطعمها ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض (4)» وأخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم «أن امرأة من بني إسرائيل باغية غفر لها؛ لأنها سقت كلبا كان يأكل الثرى من شدة العطش، فشكر الله لها وغفر لها (5)»

(1) أخرجه البخاري: 5/ 2223.

(2)

(1) فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته

(3)

انظر فيض القدير: 5/ 478.

(4)

أخرجه البخاري: 3/ 1205، ومسلم 4/ 2110.

(5)

أخرجه البخاري: 3/ 1279، ومسلم: 4/ 1761.

ص: 222