الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلا تنصرونا، وإن رأيتمونا قد غنمنا فلا تشركونا (1)»
ولا شك أن هذا أبلغ وأوفى في بيان الأمر بالثبات، كما أنه يشير إلى احتمال حدوث الأمرين معا، وقد تحقق ذلك، كما في الآية الكريمة.
استخدام الوسائل المناسبة:
لقد حث الإسلام على الاجتهاد في تحصيل أسباب القوة، ومن الوسائل التي كانت موجودة في العهد النبوي وما بعده:
حفر الخندق، وكان ذلك في غزوة الأحزاب لاجتماع قريش وحلفائها على مهاجمة المسلمين في المدينة، وكانوا في عشرة آلاف، وبعد المشاورة فيما يجب فعله، فأشار سلمان رضي الله عنه بحفر الخندق، فأصبحت تسمى أيضا بهذا الاسم، وذلك في شوال سنه خمس (2)
وذكر أصحاب المغازي، منهم أبو معشر أن سلمان قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقا علينا، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق حول المدينة من جهة شمالها، وعمل فيه بنفسه ترغيبا للمسلمين، فسارعوا إلى عمله حتى فرغوا منه، وجاء المشركون فحاصروهم (3)
(1) المسند، 1/ 287 مطولا، المعجم الكبير، 10/ 366 (10766)، المستدرك، 2/ 296.
(2)
طبقات ابن سعد، 2/ 66، دلائل البيهقي، 3/ 394، عيون الأثر، 2/ 79.
(3)
مغازي الواقدي، 2/ 445، تاريخ الطبري، 3/ 44، المغازي للذهبي، 251.
المطلب الثالث: المشاورة:
لقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على تعليم أمته كل ما من شأنه أن يوصلهم إلى أصوب وأسلم الأمور، ويبعدهم عن الأخطاء التي قد تحدث، وخاصة في
المجال العسكري الذي يكون الخطأ فيه له أثر كبير في زيادة الشهداء، وحدوث خسارة كبيرة في الجيش.
ولهذا كان من أهم التوجيهات النبوية في جميع الجوانب ومنها العسكرية - تأسيس قاعدة الشورى. وخصص العلماء بابا في هذا الجانب وهو باب المشاورة في الحرب (1)
ومما يدل على أهمية الشورى في الجانب العسكري أنه في غزوة بدر الكبرى والتي هي أول غزوة حدث فيها مواجهة بين المسلمين وقريش، نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم شاور أصحابه عدة مرات في شأن هذه الغزوة:
المرة الأولى: في المدينة قبل الخروج لاعتراض التجارة أثناء رجوعها من الشام محملة بالأموال (2)
الثانية: بعد الخروج والوصول إلى وسط الطريق بين المدينة وبدر في أمر القتال.
الثالثة: في شأن الأسرى وقتلهم أو فدائهم
الدعاء قبل القتال: (الحدث)
(1) مجمع الزوائد، 5/ 322، السنن الكبرى للنسائي، 8/ 5.
(2)
صحيح مسلم، 12/ 124، البداية والنهاية، 3/ 263، تفسير ابن أبي حاتم، ص 451 (282).
قد ورد في الأحاديث عن ابن عباس، وعن علي، وعن ابن مسعود، وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يوم بدر نظر إلى المشركين وتكاثرهم وإلى المسلمين فاستقلهم، فركع ركعتين وقام أبو بكر عن يمينه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صلاته:«اللهم لا تخذلني، اللهم لا تتركني، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك (1)»
واشتد النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء والإلحاح والتضرع، حتى سقط الرداء عن منكبه، فجاء أبو بكر رضي الله عنه، وأعاده وألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك، فأنزل الله عز وجل:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} (2)
قال الخطابي: لا يجوز أن يتوهم أحد أن أبا بكر كان أوثق بربه من النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحال، بل الحامل للنبي صلى الله عليه وسلم على ذلك شفقته على أصحابه وتقويه قلوبهم (3)
وقال السهيلي: ومن السنة أن يكون الإمام وراء الجيش لأنه لا يقاتل معهم، فلم يكن ليريح نفسه، فتشاغل بأحد الأمرين وهو الدعاء. (4)
وهذا يعني أنه في حال حدوث الشر على المسلمين ومن ذلك مواجهة المعتدين - يشرع للجميع أن يتضرعوا لله تعالى بالنصر وزوال الشر.
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، حديث 2699، وأحمد كتاب مسند بني هاشم، حديث 2885، وليس فيه اللهم لا تخذلني، اللهم لا تتركني.
(2)
سورة الأنفال الآية 9
(3)
أعلام الحديث، 3/ 1702، شرح الحديث (831).
(4)
الروض الأنف، 3/ 47.