الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثامن: إسداء وصنع المعروف للناس:
لقد حث الإسلام على تفريج الكروب وإسداء المعروف؛ لما فيه من التوسيع على المسلمين وهو يدل على التكاتف والتآزر، وللمعروف فضائل كثيرة في الدنيا والآخرة، ومن فضائله في الدنيا أنه يقي صاحبه مصارع السوء فيختم له بخاتمة حسنة، فقد قال صلى الله عليه وسلم:«إن صنائع المعروف تقي مصارع السوء (1)» والمعروف هو ما يسديه العبد لأخيه من خير، فيقيه مصارع السوء أي يحفظ منها، وقد ينقطع الثناء على فاعل ذلك، لكنه لا ينقطع بينه وبين ربه (2) فصانع المعروف يختم له بخاتمة حسنة، ومن يختم له بذلك يكون عند موته بأحسن حال.
(1) أخرجه الحاكم: 1/ 213، وقال:(لم يخرجاه فإنه يذكر في الشواهد) والطبراني في الكبير: 8/ 261، والأوسط: 1/ 289، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: 3/ 115 (رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن).
(2)
انظر فيض القدير المناوي: 2/ 457، 3/ 576.
المبحث التاسع: التحرزات الليلية:
لقد بين لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم بعض التحرزات الليلية والتي تحفظ النفس والولد والمال، فقال صلى الله عليه وسلم: «إذا كان جنح الليل (1) أو أمسيتم فكفوا صبيانكم؛ فإن الشياطين تنتشر حينئذ فإذا ذهبت ساعة من الليل، فخلوهم، فأغلقوا الأبواب، واذكروا اسم الله؛ فإن
(1) أخرجه البخاري: 5/ 213، ومسلم: 3/ 1595.
الشيطان لا يفتح بابا مغلقا، وأوكوا قربكم واذكروا اسم الله، وخمروا آنيتكم (1) واذكروا اسم الله ولو أن تعرضوا عليها شيئا، وأطفئوا مصابيحكم» وفي رواية قال همام: وأحسبه قال: «ولو بعود يعرضه (2)» وفي رواية: «وأجيفوا الأبواب وأكفتوا صبيانكم في العشاء؛ فإن للجن انتشارا وخطفة (5)» وفي رواية أخرى: «فإن الشيطان لا يكشف إناء فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرض على إنائه عودا ويذكر اسم الله فليفعل؛ فإن الفويسقة تضرم على أهل البيت بيتهم (7)» وفي رواية «ربما جرت الفتيلة فأحرقت أهل البيت (8)» لقد أمرنا الرسول بأخذ بعض الاحتياطات التي
(1)(خمروا آنيتكم، التخمير: التغطية) غريب الحديث ابن سلام: 1/ 239.
(2)
أخرجه البخاري: 5/ 2320.
(3)
قوله (أكفتوا صبيانكم أي ضموهم إليكم واحبسوهم في البيوت) غريب الحديث ابن الجوزي: 2/ص294.
(4)
(قوله أجيفوا الأبواب أي أغلقوها) غريب الحديث ابن الجوزي: 1/ 11. (3)
(5)
قوله (أكفتوا صبيانكم أي ضموهم إليكم واحبسوهم في البيوت) غريب الحديث ابن الجوزي: 2/ص294. (4)
(6)
أخرجه مسلم: 3/ 1594.
(7)
(الفويسقة الفأرة) مختار الصحاح الرازي: 211. (6)
(8)
أخرجه البخاري: 5/ 2320.
تدفع عنا البلاء، وقد بين وقته، فقال:«إذا كان جنح الليل أو أمسيتم (1)» (والمعنى إقباله بعد غروب الشمس، يقال: جنح الليل واستجنح: حان جنحه أو وقع .. (أو) أول الليل) (2) فإذا كان ذلك فلا ترسلوا مواشيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء (3) فإن الشياطين تنبعث إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء، والحكمة في انتشارهم حينئذ أن حركتهم في الليل أمكن منها لهم في النهار، لأن الظلام أجمع للقوى الشيطانية من غيره، وكذلك كل سواد (4)
(1) أخرجه مسلم: 3/ 1595.
(2)
فتح الباري ابن حجر: 6/ 341.
(3)
(فحمة الليل سواده) المصباح المنير أحمد بن محمد بن علي المقري الفيومي: 2/ 464.
(4)
انظر فتح الباري ابن حجر: 6/ 341.
والاحتياطات التي ذكرها صلى الله عليه وسلم هي:
1 -
إغلاق الأبواب، وقد ورد بالحديث:(أغلقوا) و (أجيفوا) ومعنى أجيفوا بالجيم والفاء أي أغلقوها، تقول: أجفت الباب إذا أغلقته، زاد في الرواية الماضية:(وأغلقوا الأبواب، واذكروا اسم الله؛ فإن الشيطان لا يفتح بابا مغلقا)(1) لكن بعض الناس لا يتقيد بذلك؛ لذا يرى كثرة تسلط الشياطين على الناس بكثرة الأمراض العضوية والنفسية.
2 -
ربط الأسقية.
3 -
تغطية الآنية: (قوله «خمروا الآنية» أي غطوها)(2) والحكمة من تغطية الآنية وربط السقاء قد يتضح بعضها من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «غطوا الإناء وأوكوا السقاء؛ فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء ليس عليه غطاء، أو سقاء ليس عليه وكاء - إلا نزل فيه من ذلك الوباء (3)»
وعن الليث بن سعد أنه قال: «فإن في السنة يوما ينزل فيه وباء وزاد
(1) انظر فتح الباري ابن حجر: 6/ 356.
(2)
انظر فتح الباري ابن حجر: 6/ 357.
(3)
أخرجه البخاري: 5/ 2131، ومسلم: 3/ 1596 واللفظ له.
في آخر الحديث: قال الليث: فالأعاجم عندنا يتقون ذلك في كانون الأول (1)» يقول السيوطي: (ذكر العلماء للأمر بالتغطية فوائد: منها: الفائدتان اللتان وردتا في هذه الأحاديث، وهما: صيانته من الشيطان؛ فإن الشيطان لا يكشف غطاء ولا يحل سقاء، وصيانته من الوباء الذي ينزل في ليلة من السنة، والفائدة الثالثة صيانته من النجاسة والقاذورات، والرابعة صيانته من الحشرات والهوام)(2)
4 -
إطفاء المصابيح والسرج، وإطفاء النار بالبيت. عن أبي موسى رضي الله عنه قال: احترق بيت بالمدينة على أهله من الليل، فحدث بشأنهم النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن هذه النار إنما هي عدو لكم، فإذا نمتم فأطفئوها عنكم (3)» وكم روح ذهبت ضحية الإهمال وعدم الحيطة بإبقاء النار وعدم إطفائها عند النوم، وخاصة في المخيمات، والأفضل الأخذ بهذه الأسباب مع التوكل على الله (لأن الفويسقة) وهي الفأرة، ربما جرت الفتيلة. قال النووي: هذا عام يدخل فيه نار السراج وغيره، وأما القناديل المعلقة فإن خيف بسببها حريق دخلت في ذلك، وإن حصل الأمن منها كما هو الغالب فلا بأس بها لانتفاء العلة، وقال القرطبي: جميع أوامر هذا الباب من باب الإرشاد إلى المصلحة، ويحتمل أن تكون للندب، ولا سيما في حق
(1) أخرجه مسلم: 3/ 1596.
(2)
شرح سنن ابن ماجه السيوطي: 244.
(3)
أخرجه البخاري: 5/ 2319، ومسلم 3/ 1596.
من يفعل ذلك بنية امتثال الأمر) (1) ويفعل جميع ما سبق مع ذكر اسم الله وهي البسملة؛ تبركا بالاسم، ودفعا للشيطان.
5 -
إمساك الصبيان والمواشي. لقد أمر صلى الله عليه وسلم بكفت الصبيان وضمهم، والمعنى: امنعوهم من الحركة في ذلك الوقت، قوله عند المساء في هذا الباب:«إذا جنح الليل أو أمسيتم فكفوا صبيانكم (2)» قوله «فإن للجن انتشارا وخطفة (3)» بفتح الخاء المعجمة والطاء المهملة والفاء، في الرواية الماضية «فإن الشياطين تنتشر، فإذا ذهبت ساعة من الليل فخلوهم (4)» وسبب مسك الصبيان والمواشي بالذات في تلك الساعة يقول (ابن الجوزي) لأن النجاسة التي تلوذ بها الشياطين موجودة معهم غالبا، والذكر الذي يحرز منهم مفقود غالبا، والشياطين عند انتشارهم يتعلقون بما يمكنهم التعلق به؛ فلذلك خيف في ذلك الوقت) (5) وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بعدم الخروج ليلا إذا هدأت الرجل بقوله: «إذا سمعتم نباح الكلاب ونهاق الحمير من الليل فتعوذوا بالله؛ فإنها ترى ما لا ترون، وأقلوا الخروج إذا هدأت الرجل فإن الله عز وجل يبث في ليلة من
(1) فتح الباري ابن حجر: 6/ 356.
(2)
صحيح البخاري الأشربة (5623)، صحيح مسلم الأشربة (2012).
(3)
صحيح البخاري بدء الخلق (3316)، صحيح مسلم الأشربة (2012)، سنن أبي داود الأشربة (3733)، مسند أحمد (3/ 388).
(4)
المصدر السابق: 6/ 356.
(5)
المصدر السابق: 6/ 341.
خلقه ما شاء (1)» لكن ما يحدث الآن عكس ما أمر به، بل لا يحلو للناس الخروج إلا ليلا للهو والمرح، ويهملون أطفالهم، ويفسحون المجال أمامهم للعب وقت انتشار الشياطين؛ لذلك نرى كثرة الأمراض النفسية والجسدية بين الناس كبارا وصغارا، وجميع هذه التحرزات السابقة لدفع الأذى عموما، وتدفع الشيطان خاصة.
6 -
ألا يبيت الرجل وحده.
7 -
ألا يسافر الرجل وحده: فالنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوحدة وهو أن يبيت الرجل وحده أو يسافر وحده (2) قال صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم، ما سار راكب بليل وحده (3)» قوله ما أعلم أي الذي أعلمه من الآفات التي تحصل من ذلك السفر منفردا (4)(وقيده بالراكب والليل لأن الخطر بالليل أكثر؛ فإن انبعاث الشر فيه أكثر والتحرز منه أصعب، ومنه قولهم: الليل أخفى للويل، وقولهم: أعذر الليل؛ لأنه إذا أظلم كثر فيه الغدر، لا سيما إذا كان راكبا؛ فإنه أخوف، ووجل المركوب (من النفور) من أدنى شيء بخلاف الراجل. ويمكن التقييد بالراكب ليفيد أن الراجل ممنوع بطريق الأولى، ولئلا يتوهم أن
(1) أخرجه أحمد: 3/ 306 وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: (3184)(صحيح) ..
(2)
أخرجه أحمد: 2/ 91، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: 8/ 104: (رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح).
(3)
أخرجه البخاري: 3/ 1092
(4)
انظر فتح الباري: 6/ 138.