الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا الاستعداد من العدو يشير إلى أن الدعوة والإنذار قد وصلته وبلغته وعلم بها.
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه تركوا الغنائم الكثيرة من الذرية وحتى الأموال كما في غنائم بني المصطلق بعد أن تزوج النبي صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث.
وكما في غزوة حنين لما جاؤوا مسلمين ومستشفعين برضاع النبي صلى الله عليه وسلم في ديارهم ومن نسائهم، فترك لهم نصيبه وحث أصحابه على أن يفعلوا مثله ففعلوا رضي الله عنهم.
وقد أخرج البخاري باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم، وذكر فيه حديث أبي هريرة في قدوم الطفيل بن عمرو الدوسي، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:«اللهم اهد دوسا (1)» .
وقوله (ليتألفهم) من فقه المصنف إشارة منه إلى الفرق بين المقامين وأنه صلى الله عليه وسلم كان تارة يدعو عليهم كما في باب الدعاء على المشركين بالهزيمة، ويكثر أذاهم فيدعو عليهم بأن تطيش عقولهم وترعد أقدامهم عند اللقاء فلا يثبتوا، ولا يستقر لهم قرار.
والحالة الثانية، حيث تؤمن غائلتهم ويرجى تألفهم (2)
(1) صحيح البخاري الدعوات (6397)، صحيح مسلم فضائل الصحابة (2524)، مسند أحمد (2/ 502).
(2)
البخاري، 6/ 105، 106، 107، (ح2937).
المطلب الثاني: الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وأثرها:
لقد بين الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم طريق الدعوة وأمره باتباعه من أول ظهور الإسلام قال تعالى:
قال القرطبي: هذه الآية نزلت بمكة في وقت الأمر بمهادنة قريش، وأمره أن يدعو إلى دين الله وشرعه بتلطف ولين دون مخاشنة وتعنيف، وهكذا ينبغي أن يوعظ المسلمون إلى يوم القيامة، فهي محكمة في جهة العصاة من الموحدين، ومنسوخة بالقتال في حق الكافرين. وقد قيل: إن من أمكنت معه هذه الأحوال من الكفار ورجي إيمانه بها دون قتال فهي فيه محكمة (2) والله أعلم.
وهذا هو الأساس في نشر الإسلام، وهو أول قواعد وأحكام الجهاد، وأصدق دليل على ذلك حديث بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا وأبا موسى إلى اليمن، حيث قال لهما:«يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا (3)»
قال القاضي – رحمه الله تعالى – فيه ما يجب الاقتداء به من التيسير في الأمور، والرفق بالناس، وتحبيب الإيمان إليهم، وترك الشدة والتنفير لقلوبهم، لا سيما فيمن كان قريب العهد به.
وقد ثبت في البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين، يدفعه عظيم
(1) سورة النحل الآية 125
(2)
الجامع، 10/ 200.
(3)
صحيح مسلم، 6/ 37 (ح1733).
البحرين إلى كسرى.
وأورد البخاري هذا الحديث في الترجمة المستفادة من الحديث حيث قال: باب دعوة اليهود والنصارى، وعلى ما يقاتلون عليه؟
وما كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر، والدعوة قبل القتال (1) والمراد بالدعوة أي إلى الإسلام. ولا شك أن الدعوة قد وصلت إلى الملوك قبل إرسال النبي صلى الله عليه وسلم كتبه إليهم، ومع ذلك لم يبدأهم بالقتال، وإنما سلك الطريق الأصلح والأسلم والأيسر، وهو الحكمة والموعظة الحسنة، كما يظهر من ألفاظ الحديث: عظيم البحرين.
وفي الحديث أيضا: «وكتب إلى قيصر يدعوه إلى الإسلام، وبعث بكتابه إليه مع دحية الكلبي، وأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفعه إلى عظيم بصرى ليدفعه إلى قيصر (2)»
قال الحافظ: وفي الحديث الدعاء إلى الإسلام بالكلام والكتابة، وأن الكتابة تقوم مقام النطق. وفيه إرشاد المسلم إلى الكافر.
وفي الحديث المطول عند البخاري بعد وصول الكتاب لقيصر، ثم استحضاره لأبي سفيان، وفيه: من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى. أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فعليك إثم الأريسيين
(1) البخاري، 6/ 108 (ح2939)، صحيح مسلم مع إكمال المعلم، 6/ 117 (ح1773).
(2)
البخاري: 6/ 109 (ح2940).
هذا هو الأصل والحق في الدعوة وهو الذي فيه الخير والمصلحة؛ لأن الحكمة من الجهاد هو إدخال الناس في الخير، وتحقيقه لهم، وليس الهدف هو استغلال الجهاد لأمور دنيوية وحظوظ شخصية.
ومما يوضح الحرص على جعل الأولوية في الدعوة بالحكمة والصبر ما ثبت في البخاري يوم خيبر، حين أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الراية لعلي رضي الله عنه، فقال علي: نقاتلهم حتى يكونوا مثلنا. فقال: «على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم، فوالله لأن يهدى بك رجل واحد خير لك من حمر النعم (2)»
هذا هو الوحي والشرع، والأسوة الحسنة، وفيه كل الخير، وما خالفه ليس فيه إلا الشر.
وهذا مع يهود خيبر الذين لا يجهل أحد ما قاموا به من مؤامرات ودسائس، وتعاون مع قريش والمنافقين، وحتى بعد إخراجهم من المدينة جعلوا من خيبر مركزا لمحاربة النبي صلى الله عليه وسلم وإضعاف المسلمين. ومع هذا كله لم يستعجل النبي صلى الله عليه وسلم في مهاجمتهم، بل ولم يطمع في ذريتهم وأموالهم وسفك دمائهم، بل كان يرجو أن يسمع أذانا أو استجابة، وهذه من أحكام وآداب الجهاد التي أراد النبي صلى الله عليه وسلم تعليمها لأمته.
(1) سورة آل عمران الآية 64
(2)
البخاري، 6/ 111 (ح2942)، و 144 (ح3009).