الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوقفة الرابعة:
مع دوافع الإفك
واجهت الدعوة الإسلامية منذ ظهورها صراعا قويا مع الباطل وأهله، وتنوع هذا الصراع ليشمل الجبهتين الداخلية والخارجية، ومع ضراوة المعركة وشدتها على الجبهة الخارجية التي تزعمها مشركو مكة ومن سار في دربهم، إلا أن الخطر كان أعظم مع العدو المستخفي المندس في المجتمع المدني والذي أظهر الإيمان تقية وحفاظا على المكتسبات المادية والمعنوية مع عداوته الباطنية للدعوة وصاحبها صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه، إنه الخطر الذي مثله المنافقون على الجبهة الداخلية زرعا للفتنة وإيقاظا لدعاوى الجاهلية وتشويها للحقائق، وإرجافا وتخويفا وإثارة للشكوك والشبهات، وسعيا للفساد والإفساد، حتى قال الله تعالى فيهم:{هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (1). وحديث الإفك جولة من جولات تلك المعركة الداخلية التي شنها المنافقون ضد الدعوة الإسلامية وأهلها، وقد قصدوا من ذلك تحقيق أهداف عدة؛ منها:
أ. الطعن في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه؛ تشويها للدعوة وأصحابها وتنفيرا منها، ويؤيد هذا قول ابن أبي حين رأى صفوان بن المعطل آخذا بزمام ناقة عائشة: امرأة نبيكم باتت مع
(1) سورة المنافقون الآية 4
رجل! (1) وهذا صريح في أن مقصوده الأعظم من الفرية كان النيل من الدعوة وصاحبها صلى الله عليه وسلم.
ب. القدح في المكانة الخلقية للدعوة الإسلامية.
جـ. إشعال نار الفتنة داخل المجتمع الإسلامي، وذلك ببعث حمية الجاهلية وإثارة المشاعر العدائية بين الأوس والخزرج، وهو الأمر الذي كاد أن يتحقق لولا تدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنازعة التي كانت بين السعدين وتهدئته للفريقين (2) وقد تقدم ذلك في سب النزول، ومن هنا نعلم أن حديث الإفك لم يكن مقصورا على عائشة رضي الله عنها ولا خاصا بها، وإنما كان موجها في المقام الأول إلى شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى الدعوة التي جاء بها. ولا يزال هذا المنهج العدائي للمنافقين ومن وراءهم من أعداء الإسلام هو السائد مع اختلاف الأزمنة والأمكنة؛ إذ يحرصون على النيل من أعراض الدعاة والمصلحين ورميهم بالزور والإفك والبهتان وتلفيق التهم لهم، وإشاعة الدعايات المغرضة ضدهم، فما أشبه الليلة بالبارحة!
وإذا كان المنافقون يحرصون على المعركة الأخلاقية فلأنهم يجبنون عن المواجهة الميدانية والتي أثبت الواقع فشلهم وعجزهم فيها، ثم إن تلك المعركة هي التي توافق ما في نفوسهم من الحسد والكبر
(1) انظر: تفسير القرطبي 12/ 132.
(2)
انظر: تفسير سورة النور 22، حديث الإفك 156.