الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذي يقطعه الكي، والجمع بين كراهته واستعماله له ألا يتركه مطلقا ولا يستعمله مطلقا بل يستعمل عند تعيينه طريقا إلى الشفاء مع مصاحبة اعتقاد أن الشفاء بإذن الله تعالى
المبحث الثالث: الصبر:
الصبر سبب من أسباب رفع البلاء والنصر على الأعداء، والصابر على البلاء يحوز على رضا الرحمن وعلى الفرج والخروج من مضايقه.
معنى الصبر في اللغة هو: الحبس (1)
معنى الصبر في الاصطلاح:
يقول ابن القيم: حبس النفس عن الجزع، واللسان عن التشكي، والجوارح عن لطم الخدود وشق الثياب ونحوها (2) والعبد دائما بين الشكر والصبر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان
(1) انظر لسان العرب ابن منظور: 4/ 438.
(2)
عدة الصابرين ابن القيم: 27.
خيرا له (1)»
يقول شيخ الإسلام عند قوله تعالى: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِي} (2){وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي} (3) فالجواب يقول: ما كل من وسعت عليه أكرمته، ولا كل من قدرت عليه أكون قد أهنته، بل هذا ابتلاء، ليشكر العبد على السراء ويصبر على الضراء، فمن رزق الشكر والصبر كان كل قضاء يقضيه الله خيرا له كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لا يقضي الله للمؤمن من قضاء إلا كان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له (4)» فالمؤمن يصبر على البلاء ولكن لا يسأل الله الصبر قبل وقوع البلاء. قال صلى الله عليه وسلم لرجل سمعه يقول: «اللهم إني أسألك الصبر، فقال: لقد سألت الله البلاء، فسله العافية (5)» لكن عند وقوع الضيق والشدة يسأل العبد ربه الصبر على ما ابتلي به، قال تعالى:
(1) أخرجه مسلم: 4/ 2295.
(2)
سورة الفجر الآية 15
(3)
سورة الفجر الآية 16
(4)
الفتاوى الكبرى ابن تيمية: 1/ 262، وانظر مدارج السالكين ابن القيم: 1/ 80.
(5)
أخرجه الترمذي ج 5 ص 541، وقال: هذا حديث حسن.
{وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (1){فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} (2) وإفراغ الصبر هنا: الصب أي اصبب (3) يقول الإمام الطبري عند تفسيره هذه الآية: وأما قوله: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} (4) فإنه يعني أن طالوت وأصحابه قالوا: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} (5) يعنى أنزل علينا صبرا، وقوله:{وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا} (6) يعني وقو قلوبنا على جهادهم لتثبت أقدامنا فلا ننهزم عنهم {وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (7) الذين كفروا بك فجحدوك إلها وعبدوا غيرك، واتخذوا الأوثان أربابا:{فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ} (8) يعني تعالى ذكره بقوله: فهزم طالوت وجنوده أصحاب جالوت، وقتل داود جالوت وفي هذا الكلام متروك ترك ذكره اكتفاء بما ظهر منه عليه، وذلك أن معنى الكلام:{وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (9) فاستجاب لهم ربهم
(1) سورة البقرة الآية 250
(2)
سورة البقرة الآية 251
(3)
العين الفراهيدي: 4/ 408.
(4)
سورة البقرة الآية 250
(5)
سورة البقرة الآية 250
(6)
سورة البقرة الآية 250
(7)
سورة البقرة الآية 250
(8)
سورة البقرة الآية 251
(9)
سورة البقرة الآية 250
فأفرغ عليهم صبره وثبت أقدامهم ونصرهم على القوم الكافرين فهزموهم بإذن الله ولكنه ترك ذكر ذلك اكتفاء. قوله: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ} (1) على أن الله قد أجاب دعاءهم الذي دعوه به، ومعنى قوله:{فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ} (2) قتلوهم بقضاء الله وقدره (3)
فالعبد إذا ابتلي بأمر يصبر فقد قال صلى الله عليه وسلم: «اعلم أن مع الصبر النصر، واعلم أن مع الكرب الفرج، واعلم أن مع العسر اليسر (4)» وأمر سبحانه وتعالى بالاستعانة بالصبر، فالذي يصبر يكون الله معه، ومن كان الله معه كان التوفيق حليفه في الدنيا والآخرة، يقول تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (5) وقد بشر الله عز وجل الصابر فقال: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (6) والصابر يأخذ أجره بدون عد أو حساب، قال تعالى:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (7).
(1) سورة البقرة الآية 251
(2)
سورة البقرة الآية 251
(3)
جامع البيان الطبري: 4/ 408.
(4)
أخرجه الحاكم: 3/ 623، وقال: روى الحديث بأسانيد عن ابن عباس غير هذا. والطبراني في الكبير: 11/ 123، والشهاب في مسنده: 1/ 435.
(5)
سورة البقرة الآية 153
(6)
سورة البقرة الآية 155
(7)
سورة الزمر الآية 10
فإن جزاء الصابر المسترجع على مصيبته عظيم، يقول الله تعالى:{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} (1){أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (2) فالمسلم الذي يطيع أمر الله فيسترجع عند حلول المصيبة يكون له ثلاث خصال من الله تعالى:
1 -
الصلاة عليه وهو الثناء من الله والأمن من العذاب.
2 -
رحمة من الله تشمله.
3 -
تحقيق سبيل الهدى له (3) قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " نعم العدلان ونعمت العلاوة {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} (4) فهذه العلاوة وهي ما توضع بين العدلين وهي زيادة في الحمل، وقد أورد مسلم حديثا عن فضل الاسترجاع، وأن الله يبدل المصاب الذي يسترجع خيرا مما فقد.
عن أم سلمة أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها، إلا أخلف الله له خيرا منها. قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إني قلتها
(1) سورة البقرة الآية 156
(2)
سورة البقرة الآية 157
(3)
انظر جامع البيان الطبري: 2/ 43، وتفسير القرآن العظيم ابن كثير: 1/ 198.
(4)
سورة البقرة الآية 157