الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عمل القلب ما لم يقترن بعمل يصدقه أو حديث عنه. فالجواب أن يقال: إن هذا الحديث محمول على ما كان قبيل الوسوسة العارضة، فيكون عمل القلب بهذا على قسمين؛ قسم يثبت في القلب ويميل إليه صاحبه ويرغب في حصول مقتضاه - فهذا يحاسب عليه، وقسم هو من قبيل الوساوس الطارئة والخواطر العارضة التي لا يعمل الإنسان بمقتضاها ولا يذكرها لغيره، بل يسارع إلى طردها والإعراض عنها، فهذا معفو عنه. وبهذا التقسيم تجتمع الأدلة.
الوقفة السادسة:
مع الآداب والتوجيهات:
أدب الله تعالى في هذه الآيات عباده المؤمنين بآداب عظيمة وتوجيهات سامية يتحقق بها مجتمع الأخوة الإسلامية وتسود بها قيم التآلف والتحاب، فيصير المؤمنون لحمة واحدة يسعدون جميعا ويألمون جميعا، يحنو بعضهم على بعض، ويذب بعضهم عن بعض، فهم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له بقية الجسد بالحمى والسهر.
لقد أمرهم عز وجل إذا سمعوا مؤمنا يقذف بسوء لا يعرف به بأمور أربعة؛ أولها: إحسان الظن بالمقذوف، بأن يظن به خيرا وبعدا عن التهمة ومواطن الريبة، قال تعالى:{لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} (1)؛ أي قاسوا ذلك الكلام على أنفسهم،
(1) سورة النور الآية 12
فإن كان لا يليق بهم فأم المؤمنين أولى بالبراءة منه بطريق الأحرى، وقد قيل إنها نزلت في أبي أيوب الأنصاري وامرأته رضي الله عنهما حين قالت له: يا أبا أيوب، أما تسمع ما يقول الناس في عائشة رضي الله عنها؟ قال: نعم، وذلك الكذب، أكنت فاعلة ذلك يا أم أيوب؟ قالت: لا، والله ما كنت لأفعله! قال: فعائشة والله خير منك. (1) هذا الذي عليه أكثر المفسرين في تفسير الآية. وقال بعضهم: معنى " بأنفسهم " أي بأهل دينهم؛ لأن المؤمنين كنفس واحدة، وعلى هذا يكون المعنى: ظن المؤمنون والمؤمنات بإخوانهم خيرا - والمعنيان جائزان يحتملهما ظاهر اللفظ.
والثاني: دفع التهمة عنه باللسان، وهذا قدر زائد على الأمر الأول المقتصر على العمل القلبي، ودليله قوله تعالى:{لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} (2) * {لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} (3)، وبمقتضى ذلك يلزم سامع الإفك أن يذب عن عرض أخيه وأن ينكر على المتكلم، وأن يطالبه بالبينة.
والثالث: عدم التحدث بالأمر المذكور؛ لقوله تعالى:
(1) انظر: تفسير ابن كثير 3/ 273، تفسير القرطبي 12/ 135
(2)
سورة النور الآية 12
(3)
سورة النور الآية 13