الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الذي أنزل عليه. قالت: فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك، فكانت أول كلمة تكلم بها أن قال: يا عائشة، أما الله فقد برأك! قالت: فقالت لي أمي: قومي إليه! فقلت: والله لا أقوم إليه؛ فإني لا أحمد إلا الله عز وجل! قالت: وأنزل الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} (1) العشر الآيات، فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات براءتي. قالت: فقال أبو بكر الصديق - وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره: والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال! فأنزل الله: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (2)، قال أبو بكر الصديق: بلى، والله إني لأحب أن يغفر الله لي! فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها منه أبدا. قالت عائشة: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش عن أمري، فقال لزينب: ماذا علمت أو رأيت؟ فقالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري! والله ما علمت إلا خيرا. قالت عائشة: وهي التي كانت تساميني (3) من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فعصمها الله بالورع. قالت: وطفقت أختها حمنة تحارب لها، فهلكت فيمن هلك».
(1) سورة النور الآية 11
(2)
سورة النور الآية 22
(3)
تساميني: أي تعاليني وتفاخرني وتطاولني في الحظوة عنده - انظر: النهاية في غريب الحديث 2/ 405.
الوقفة الثانية:
مع المناسبات:
المناسبة في اللغة: المقاربة، والمشاكة، والمجانسة. وفي الاصطلاح: الرابطة بين شيئين بأي وجه من الوجوه. وهي في كتاب الله
تعالى: علاقة الآية أو السورة بما قبلها وما بعدها. وقد اختلف أهل العلم في حكم التماس المناسبة بين الآيات والسور على قولين رئيسيين؛ أولهما: أن ذلك جائز، بل مطلوب لأهميته في فهم مقاصد القرآن وتذوق نظمه وإدراك معانيه والكشف عن أسراره ووجوه إعجازه.
قال أبو بكر بن العربي في سراج المريدين: " ارتباط آي القرآن بعضها ببعض حتى تكون كالكلمة الواحدة متسقة المعاني منتظمة المباني - علم عظيم لم يتعرض له إلا عالم واحد عمل فيه سورة البقرة، ثم فتح الله لنا فيه، فلما لم نجد له حملة ورأينا الخلق بأوصاف البطلة ختمنا عليه وجعلناه بيننا وبين الله ورددناه إليه ". (1) وقال الرازي: " علم المناسبات علم عظيم أودعت فيه أكثر لطائف القرآن وروائعه، وهو أمر معقول، إذا عرض على العقول تلقته بالقبول ". (2) وهذا القول هو الذي درج عليه أكثر المفسرين قديما وحديثا، فمنهم المقل ومنهم المكثر، ومنهم المصرح بالمناسبة ومنهم الذاكر لمضمونها من غير تصريح. وقد قسموا البحث فيها إلى أقسام مختلفة ووجوه متعددة، فذكروا المناسبة بين اسم
(1) انظر: البرهان 1/ 36، الإتقان 2/ 108.
(2)
انظر: البرهان 1/ 35، 36، مباحث في التفسير الموضوعي 60.
السورة وموضوعها، والمناسبة بين آياتها، والمناسبة بين الآية وفاصلتها، والمناسبة بين فاتحة السورة وخاتمتها - كل ذلك في إطار السورة الواحدة، وذكروا أيضا المناسبات بين السور المتعددة فجعلوها أقساما؛ منها: المناسبة بين فاتحة السورة وفاتحة ما قبلها، والمناسبة بين فاتحة السورة وخاتمة ما قبلها، والمناسبة بين مضمون السورة ومضمون ما قبلها، والمناسبة بين خاتمة السورة وفاتحة ما قبلها، والمناسبة بين خاتمة السورة وخاتمة ما قبلها.
والقول الثاني: أن البحث في المناسبة غير جائز، بل هو تكلف محض وبعد عن الواقعية؛ لأن القرآن بآياته وسوره المسرودة في المصحف العثماني نزل مفرقا في حوادث مختلفة وأوقات متباينة، لا مطابقة بين أسباب نزولها وترتيبها.
قالوا: فأي معنى لطلب المناسبة بين آيات نعلم قطعا أنه قد تقدم في ترتيب المصحف ما أنزله الله متأخرا وتأخر ما أنزله الله متقدما، فإن هذا عمل لا يرجع إلى ترتيب نزول القرآن، بل إلى ما وقع من الترتيب عند جمعه ممن تصدى لذلك من الصحابة، وما أقل نفع مثل هذا وأنزر ثمرته وأحقر فائدته. (1)
قال العز بن عبد السلام: " يشترط في حسن ارتباط الكلام أن يقع في أمر متحد مرتبط أوله بآخره، فإن وقع على أسباب مختلفة لم يقع فيه ارتباط، ومن ربط ذلك فهو متكلف بما لا يقدر عليه إلا بربط ركيك
(1) انظر: فتح القدير 1/ 72، 73.
يصان عن مثله حسن الحديث فضلا عن أحسنه، فإن القرآن نزل في نيف وعشرين سنة في أحكام مختلفة شرعت لأسباب مختلفة، وما كان كذلك لا يتأتى ربط بعضه ببعض ". (1) والذي يترجح هو جواز القول بالمناسبة، أما ما احتج به المانعون من كون القرآن نزل مفرقا على حسب الوقائع فلا ينفي وجود المناسبة بين آياته وسوره، فإن التنجيم حالة متوسطة بين الجمع الأول في اللوح المحفوظ والجمع الثاني الموافق له والحاصل بأيدي الصحابة بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم، قال الزركشي: قال بعض مشايخنا المحققين (2) قد وهم من قال لا يطلب للآي الكريمة مناسبة؛ لأنها على حسب الوقائع المتفرقة، وفصل الخطاب أنها على حسب الوقائع تنزيلا وعلى حسب الحكمة ترتيبا، فالمصحف كالصحف الكريمة على وفق ما في الكتاب المكنون، مرتبة سوره كلها وآياته بالتوقيف، وحافظ القرآن العظيم لو استفتي في أحكام متعددة أو ناظر فيها أو أملاها لذكر آية كل حكم على ما سئل، وإذا رجع إلى التلاوة لم يتل كما أفتى ولا كما نزل مفرقا، بل كما أنزل جملة إلى بيت العزة. (3) وقال الدكتور محمد عبد الله دراز عن تنزيل الآيات والسور وعن جمعها: إنها إن كانت بعد تنزيلها قد جمعت عن تفريق، فلقد كانت في تنزيلها مفرقة عن جمع؛ كمثل بنيان كان قائما
(1) انظر: الإتقان 2/ 108.
(2)
سماه السيوطي بالشيخ ولي الدين الملوي - انظر: الإتقان 2/ 108.
(3)
النبأ العظيم: 154، 155.