الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القلق والاضطراب.
المطلب الثاني: الاستعداد قبيل القتال:
ذكر ابن إسحاق أن الله تعالى أنزل في شأن أحد ستين آية من آل عمران: - (وفيها صفة ما كان في يومهم ذلك
…
) (1) وروى ابن أبي حاتم من طريق المسور بن مخرمة قال: قلت لعبد الرحمن بن عوف: أخبرني عن قصتكم يوم أحد قال: اقرأ العشرين ومائة من آل عمران تجدها {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ} (2)(3) وتدل الآيات على أحداث غزوة أحد منذ بدايتها وقبل القتال، وتوضح الوقت الذي خرج فيه النبي صلى الله عليه وسلم أي من بيته ومدينته، وحتى وصوله إلى ساحة القتال، حيث قام بأهم مراحل القتال وهو الاستعداد، وتوزيع الجيش والاستفادة من بعض المواقع لتعزيز قوة المسلمين.
قوله: (غدوت) أي خرجت أول النهار. و (تبوئ المؤمنين) أي تنزلهم، وأصله من المآب والمباءة وهو المرجع (4)
والمقاعد: جمع مقعد، والمراد به مكان القعود، رواه الطبري عن قتادة ومجاهد والسدي (5) وعند البخاري «تبوئ: تتخذ معسكرا (6)» وهو
(1) سيرة ابن هشام، 2/ 160.
(2)
سورة آل عمران الآية 121
(3)
تفسير ابن أبي حاتم، خ /121 (1874). والآيات 121 - 154.
(4)
معاني القرآن للزجاج، 1/ 465، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، 4/ 184.
(5)
التفسير، 4/ 69.
(6)
البخاري، 8/ 207.
تفسير أبي عبيدة للآية، قال: أي تتخذ لهم مصاف ومعسكرا (1) وذكر ابن إسحاق عن شيوخه، وموسى بن عقبة عن ابن شهاب، وأبو الأسود عن عروة تفاصيل أحد، وفيها أنه صلى الله عليه وسلم صف أصحابه بأصل أحد وأمر عبد الله بن جبير على الرماة وعهد إليهم ألا يتركوا منازلهم
…
وكان وضع الرماة من أهم الأمور التي قام بها النبي صلى الله عليه وسلم قبيل القتال للاستفادة من قلة أصحابة وكثرة عدوه، ولمواجهة الفرسان والخيالة، ولمراقبة ما يحدث في الميدان من خلال كونهم في مكان مرتفع، ويعتبر كالحصن.
كما جعل النبي صلى الله عليه وسلم عليهم أميرا، وذلك يتطلب ألا يقوموا بأي تحرك أو ترك للمكان إلا بإذن الأمير، وهذا يعتبر أيضا من القواعد العسكرية، وهي أن كل جماعة أسندت إليها مهمة من المصلحة تأمير أمير عليها يكون أهلا لمعالجة الأمور التي تطرأ وتواجهه. وقد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم أهمية وجود الرماة على الجبل، وأنه من أسباب السيطرة على زمام الأمور في المعركة، ولهذا وضع عددا يعتبر ليس بالقليل بالنسبة لعدد المسلمين الإجمالي، كما حثهم على البقاء، وحذرهم من ترك المكان مهما كانت الأمور، وبشرهم بأنهم سيظهرون وينتصرون إذا لم يبرحوا المكان.
كما رواه الطبري عن السدي وغيره في تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} (2) والمراد
(1) مجاز القرآن، 1/ 103.
(2)
سورة آل عمران الآية 152
بالوعد قوله صلى الله عليه وسلم: (إنكم ستظهرون عليهم فلا تبرحوا من مكانكم حتى آمركم)(1)
ومن طريق آخر عن السدي: بلفظ: (إنا لن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم)(2)
ومعنى (تحسونهم) أي تقتلونهم، وتستأصلونهم. وهو قول أبي عبيدة (3) وقد أخرج البخاري حديث البراء، وفيه:«وجعل الرماة على جبل عينين الذي أصبح يعرف بجبل الرماة، وعين عبد الله بن جبير أميرا لهم (4)»
وقد ذكر ابن إسحاق ما يوضح بعض الأمور التي أرادها النبي صلى الله عليه وسلم من وجود الرماة على الجبل، حيث قال لهم صلى الله عليه وسلم:(انضحوا الخيل عنا بالنبل؛ لا يأتونا من خلفنا)(5)
وفي رواية عند البخاري: «لا تبرحوا، وإن رأيتموهم ظهروا علينا (6)» وفي رواية عنده أيضا عن زهير: «حتى أرسل لكم، وإن رأيتموهم ظهروا علينا (7)» وفي رواية عنده أيضا عن زهير: «حتى أرسل لكم، وإن رأيتمونا تخطفنا الطير (8)» وفي حديث ابن عباس الذي رواه أحمد والطبراني والحاكم أن النبي صلى الله عليه وسلم أقامهم في موضع، ثم قال لهم: «احموا ظهورنا، فإن رأيتمونا نقتل
(1) تفسير الطبري، 4/ 124، الدر المنثور، 2/ 344.
(2)
تفسير الطبري، 4/ 125.
(3)
مجاز القرآن، 1/ 104.
(4)
البخاري، 7/ 364 (ح4067)، و 8/ 227 (ح4561).
(5)
سيرة ابن هشام، 2/ 65.
(6)
صحيح البخاري المغازي (4043).
(7)
أخرجه البخاري في كتاب الجهاد والسير، حديث 2812، وأبو داود في كتاب الجهاد، حديث 2288، وأحمد في أول مسند الكوفيين، حديث 17853.
(8)
6/ 162 (3039).