المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثالث: التزود بالطاعات وترك المحرمات: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٨٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌الفتاوى

- ‌ إذا لم يأكل ما تركه الخارص زكاه، ويأكل أهل الزروع منها)

- ‌ أخذ الزكاة عينا من الثمار)

- ‌ لا دليل صحيحا صريحا على أخذ القيمة)

- ‌ المسائل التي يجوز إخراج القيمة فيها عند ابن تيمية والبخاري)

- ‌(تخرج من الطيب والمتوسط والرديء)

- ‌ زكاة العسل)

- ‌ لا تتكرر زكاة المعشرات ما لم تكن للتجارة)

- ‌ زكاة النقدين)

- ‌ زكاة مبلغ مودع في البنك)

- ‌ أوراق البنكنوت)

- ‌ أحسن المسالك في الأوراق أن تعتبر نقودا

- ‌ الزري في المشالح)

- ‌ بحث في البلاتين

- ‌ الخناجر الذهبية، وأسنان الذهب)

- ‌من فتاوى سماحة الشيخعبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌من ترك إخراج الزكاة لزمه إخراجها عما مضى من السنين

- ‌الجهل بفرضية الزكاة لا يسقطها

- ‌حكم زكاة أموال اليتامى

- ‌إخراج الزكاة من مال الطفلة

- ‌ إخراج الزوج زكاة زوجته من ماله

- ‌ نقل الزكاة من بلد إلى بلد

- ‌ شراء مواد غذائية وعينية من الزكاة وصرفها في مصارفها

- ‌ قبول الزكاة وصرفها لمعوقي الفقراء ممن ليس لهم من ينفق عليهم

- ‌ أخذ العروض في الزكاة

- ‌إخراج زكاة العروض منها يجزئ وبالنقود أحسن وأحوط

- ‌ إخراج الزكاة عروضا عن العروض وعن النقود

- ‌دفع الزكاة للجمعيات الخيرية

- ‌يجب على الوكيل في توزيع الزكاة تنفيذ ما قاله موكله

- ‌ إعطاء الوكيل أجرة على توزيع الزكاة

- ‌ الدعاء عند تفريق الصدقة

- ‌ اعتبار ما يدفع لمصلحة الزكاة

- ‌ذكر الأصناف الثمانية في الآية لبيان المصرف لا للترتيب

- ‌الفرق بين المسكين والفقير

- ‌ أخذ الزكاة لمن له دخل

- ‌الفقير يعطى كفايته لسنة كاملة

- ‌ دفع الزكاة للفقير الذي له من ينفق عليه كفايته

- ‌ الزكاة للزوجة الفقيرة تحت الغني الذي لا ينفق عليها

- ‌من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ

- ‌ كيف يكون المسلم محققا لشهادة أن لا إله إلا الله

- ‌ الإمام يختم رمضان في صلاة التراويح بالختمة

- ‌ هل يقرأ دعاء الاستفتاح في كل ركعة من ركعات التراويح

- ‌لدرس الذي يلقيه الأئمة والدعاء بعد تسليمة أو تسليمتين من صلاة التراويح

- ‌ هل الجهر في تكبيرة الإحرام واجب أم يجزئ الإسرار بالقلب فيها

- ‌ رفع صوت المأمومين بتكبيرات الإحرام خلف الإمام

- ‌ رفع الرأس قليلا في الصلاة عند تكبيرة الإحرام وعند الدعاء والاستغفار

- ‌ رفع اليدين بعد القيام من الركعة الثالثة

- ‌ صفة تكبيرة القيام من التشهد الأول ورفع اليدين

- ‌البحوث

- ‌المبحث الأول: أهمية التوحيد في ذاته

- ‌المطلب الأولكونه حق الله تعالى:

- ‌المطلب الثاني: كونه علة خلق الخلق

- ‌المطلب الثالث:كون التوحيد قضية الوجود

- ‌المبحث الثاني: ضرورة الخلق إلى التوحيد

- ‌المطلب الأول: فطرية التأله:

- ‌المطلب الثاني: ضرورة الخلق إلى التأله لله وحده

- ‌المبحث الثالث: شدة حاجة المسلمين اليوم لدراسة التوحيد

- ‌المطلب الثاني: المشكلات العامة الحالة بالمسلمين

- ‌المطلب الثالث: حاجة العصر إلى التزام المسلمين بالتوحيد الحق علما وعملا

- ‌أسباب لرفع البلاء قبل وقوعه وأسباب لرفعة بعد وقوعه

- ‌منهجي في البحث:

- ‌التمهيد: معنى البلاء في اللغة والاصطلاح:

- ‌أولا: معنى البلاء في اللغة:

- ‌ثانيا: معنى البلاء في الاصطلاح:

- ‌الفصل الأول: أسباب دفع البلاء قبل وقوعه:

- ‌المبحث الأول: عبادة الشكر

- ‌تعريف الشكر اصطلاحا:

- ‌دفع الشكر للبلاء قبل وقوعه:

- ‌المبحث الثاني: التقوى

- ‌معنى التقوى في اللغة:

- ‌معنى التقوى في الاصطلاح:

- ‌دفع التقوى للبلاء قبل وقوعه:

- ‌المبحث الثالث: التزود بالطاعات وترك المحرمات:

- ‌المبحث الرابع: عدم التعرض لأولياء الله تعالى:

- ‌المبحث الخامس: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌المبحث السادس: الحمد باللسان عند رؤية المبتلى:

- ‌المبحث السابع: صلة الرحم والبعد عن الظلم:

- ‌المبحث الثامن: إسداء وصنع المعروف للناس:

- ‌المبحث التاسع: التحرزات الليلية:

- ‌المبحث العاشر: عبادة الاستعاذة بالله:

- ‌المبحث الحادي عشر: أن يستودع العبد ربه الأشياء:

- ‌المبحث الثاني عشر: الأخذ بالتوجيهات الشرعية عند رؤية الرؤى السارة والمحزنة:

- ‌المبحث الثالث عشر: حفظ الأطفال مما يضرهم:

- ‌الفصل الثاني: أسباب رفع البلاء بعد وقوعه:

- ‌المبحث الأول: الحبة السوداء

- ‌المبحث الثاني حديث: «الشفاء في ثلاث

- ‌أولا: العسل:

- ‌ثانيا الحجامة:

- ‌ثالثا: الكي:

- ‌المبحث الثالث: الصبر:

- ‌المبحث الرابع ماء زمزم:

- ‌الخاتمة

- ‌الوقفة الثانية:مع المناسبات:

- ‌الوقفة الثالثة:مع معنى الإفك:

- ‌الوقفة الرابعة:مع دوافع الإفك

- ‌الوقفة الخامسة:مع الأحكام الشرعية:

- ‌الوقفة السادسة:مع الآداب والتوجيهات:

- ‌الوقفة السابعة:مع الآثار المترتبة على الإفك:

- ‌الوقفة الثامنة:مع موقف عائشة رضي الله عنها:

- ‌الوقفة التاسعة:مع الذي تولى كبره:

- ‌الوقفة العاشرة:مع خطر شيوع الفاحشة:

- ‌الوقفة الحادية عشرة:مع معاني (لولا):

- ‌الوقفة الثانية عشرة:مع فائدة بلاغية:

- ‌الوقفة الثالثة عشرة:مع صلة الرحم:

- ‌الوقفة الرابعة عشرة:مع الاستشارة:

- ‌التوجيهات النبوية في الجهاد ونشر الإسلام

- ‌التمهيد:

- ‌المبحث الأولحقيقة الجهاد وآدابه

- ‌المطلب الأول: حقيقتة وآدابه

- ‌المطلب الثاني: الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة وأثرها:

- ‌المطلب الثالث: متى وفي حق من يشرع الجهاد

- ‌المطلب الرابع: حرص الإسلام وإيثاره للسلم والعافية:

- ‌المطلب الخامس: وجود الإمام وطاعته:

- ‌المطلب السادس: التحذير من التنازع ووجوب التطاوع:

- ‌المطلب السابع: بر الوالدين من الجهاد:

- ‌المبحث الثانيالتوجيهات النبوية قبل القتال

- ‌المطلب الأول: حث الإسلام على إعداد العدة:

- ‌المطلب الثاني: الاستعداد قبيل القتال:

- ‌المطلب الثالث: المشاورة:

- ‌المطلب الرابع: آداب الإسلام عند تحتم الجهاد:

- ‌المطلب الخامس: الالتزام بالنظام:

- ‌المطلب السادس: أهمية اللواء:

- ‌المطلب السابع: المفاجأة والمباغتة:

- ‌المطلب الثامن: الخدع في الحرب:

- ‌المطلب التاسع: الكذب في الحرب:

- ‌المبحث الثالثالتوجيهات والآداب أثناء وبعد القتال

- ‌المطلب الأول: التعرض لأموال العدو:

- ‌المطلب الثاني: الثبات أثناء القتال:

- ‌المطلب الثالث: الحفاظ على العتاد:

- ‌المطلب الرابع: الاعتناء بالأسرى، وإطلاقهم بدون فداء:

- ‌المطلب الخامس: إيثار النبي صلى الله عليه وسلم لأمته

- ‌المطلب السادس: إيثار المؤلفة وغيرهم بالأموال:

- ‌المطلب السابع: أحكام الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب:

- ‌المطلب الثامن: الوفاء لأهل الذمة:

- ‌المطلب التاسع: تحريم الإسلام للغدر في حق جميع الناس:

- ‌الخاتمة:

- ‌حديث شريف

الفصل: ‌المبحث الثالث: التزود بالطاعات وترك المحرمات:

كثير: أي ومن يتق الله فيما أمره به وترك ما نهاه عنه يجعل له في أمره مخرجا، ويرزقه من حيث لا يحتسب، أي من جهة لا تخطر بباله (1)

فالذي يتقي الله ينجيه الله عز وجل من كل كرب من كرب الدنيا والآخرة ويجعل له من كل شيء ضاق على الناس مخرجا (2)

وفي التقوى حفظ من الشيطان وشره، ودفع لوسواسه وتلبسه، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} (3).

(1) تفسير القرآن العظيم ابن كثير 4/ 380.

(2)

انظر: جامع البيان الطبري: 28/ 138.

(3)

سورة الأعراف الآية 201

ص: 186

‌المبحث الثالث: التزود بالطاعات وترك المحرمات:

وكلما زاد العبد طاعة لله كلما ازداد بعدا عن المعاصي واقترب من الله فيكون في مأمن مما يشقيه.

دفع الطاعات والورع للبلاء: إن الإكثار من الطاعات وحفظ الفرائض وترك المحرمات سبب لدفع البلاء وجلب الخير والسرور ودوام الحبور، لأن حفظ الأوامر والفرائض بفعلها وعدم تركها أو التساهل بأدائها وحفظ الأدعية والأذكار بقولها، وحفظ الحدود بالوقوف عندها من أسباب حفظ الله للعبد في دنياه

ص: 186

من الذنوب وعن كل أمر يكرهه ويحفظ ذريته من بعده، يقول صلى الله عليه وسلم:«يا غلام، إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف (1)»

يقول الصنعاني: المراد من قوله (احفظ الله) أي حدوده وعهوده وأوامره ونواهيه وحفظ ذلك هو: الوقوف عن أوامره بالامتثال، وعند نواهيه بالاجتناب، وعند حدوده ألا يتجاوزها ولا يتعدى ما أمر به إلى ما نهي عنه، فيدخل في ذلك فعل الواجبات كلها من الصلاة والصيام والحج والزكاة وغيرها، وترك المنهيات كلها من الكبائر والصغائر، وقال تعالى:{وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ} (2)، وقال:{هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ} (3)، وفسر العلماء الحفيظ بالحافظ لأوامر الله، وفسر بالحفظ لذنوبه حتى يرجع منها، فأمره صلى الله عليه وسلم بحفظ الله،

(1) أخرجه أحمد 1/ 293 والترمذي 4/ 667، وقال: حديث حسن صحيح. والحاكم 3/ 541، وأبو يعلى في مسنده: 3/ 84، وقال محققه حسين أسد: صحيح. وقال المحقق لكتاب ابن رجب نور الاقتباس: حديث صحيح بطرقه. 270.

(2)

سورة التوبة الآية 112

(3)

سورة ق الآية 32

ص: 187

ويدخل فيه كل ما ذكر وتفاصيلها واسعة، وقوله:" تجده أمامك " وفي اللفظ الآخر " يحفظك " والمعنى متقارب أي تجده أمامك بالحفظ لك من شرور الدارين، يحفظه في دنياه عن غشيان الذنوب وعن كل أمر مرهوب ويحفظ ذريته من بعده، وقوله:" فاسأل الله " أمر بإفراد الله عز وجل بالسؤال وإنزال الحاجات به وحده، وأخرج الترمذي مرفوعا:«سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يسأل (1)»

وفيه من حديث أبي هريرة مرفوعا: «من لا يسأل الله يغضب عليه (2)» وفيه: «إن الله يحب الملحين في الدعاء» ، وفي حديث آخر: «ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شسع نعله (3)

(1) أخرجه الترمذي: 5/ 565، والطبراني في الكبير: 8/ 431، وقال الألباني في السلسة الضعيفة 1/ 705: ضعيف جدا.

(2)

أخرجه الترمذي: 5/ 456، والحاكم: 1/ 667، وقال: صحيح الإسناد. والشهاب في مسنده: 2/ 145، وذكر ابن حجر في الفتح: 11/ 95 أن الطبراني أخرجه في الدعاء بسند رجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة بقية عن عائشة مرفوعا.

(3)

أخرجه النسائي في الكبرى: 5/ 154، وابن حبان: 3/ 148، والطبراني في الأوسط: 5/ 230، والكبير: 10/ 101، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: 10/ 150، رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير سيار بن حاتم وهو ثقة.

ص: 188

إذا انقطع إذا انقطع» «وقد بايع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جماعة من الصحابة على ألا يسألوا الناس شيئا منهم الصديق وأبو ذر وثوبان» «وكان أحدهم يسقط سوطه أو يسقط خطم نافته فلا يسأل أحدا أن يناوله (1)» وإفراد الله بطلب الحاجات دون خلقه دل عليه العقل والسمع فإن السؤال بذل لماء الوجه وذل لا يصلح إلا لله تعالى لأنه القادر على كل شيء الغني مطلقا والعباد بخلاف هذا ففي صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث قدسي: «يا عبدي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل في البحر (2)» وفي رواية أخرى بزيادة: «إني جواد

(1) أخرجه أبو داود: 3/ 12، وابن ماجه: 2/ 957، وقال الألباني في سنن أبي داود: 1642: صحيح.

(2)

أخرجه مسلم: 4/ 1994.

ص: 189

ماجد أفعل ما أريد عطائي كلام وعذابي كلام إذا أردت شيئا فإنما أقول له كن فيكون (1)» وقوله: «إذا استعنت فاستعن بالله (2)» مأخوذ من قوله: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (3) أي نفردك بالاستعانة فالنبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمره أن يستعين بالله وحده في كل أموره أي إفراده بالاستعانة على ما يريده، وفي إفراده تعالى بالاستعانة فائدتان فالأولى: أن العبد عاجز عن الاستقلال بنفسه في الطاعات، والثانية: أنه لا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله عز وجل، فمن أعانه الله فهو المعان (4)

ومثل هذا الكلام ذهب إليه ابن رجب بقوله: معناه أن من حفظ حدود الله وراعى حقوقه وجد الله معه في كل أحواله حيث توجه يحوطه وينصره ويحفظه ويوفقه ويسدده {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} (5)،

(1) أخرجه الترمذي: 4/ 656، وقال: هذا حديث حسن. وابن ماجه: 2/ 1422، وأحمد: 5/ 154.

(2)

سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2516)، مسند أحمد (1/ 308).

(3)

سورة الفاتحة الآية 5

(4)

سبل السلام الصنعاني: 4/ 176.

(5)

سورة النحل الآية 128

ص: 190

قال قتادة: من يتق الله يكن معه ومن يكن الله معه فمعه الفئة التي لا تغلب، والحارس الذي لا ينام والهادي الذي لا يضل، بل كتب بعض السلف إلى أخ له: أما بعد فإن كان الله معك فمن تخاف، وإن كان عليك فمن ترجو، وهذه المعية الخاصة هي المذكورة في قوله تعالى لموسى وهارون:{قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} (1)، وقول موسى:{قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} (2) فهذه المعية الخاصة تقتضي النصر والتأييد والحفظ والإعانة (3) وهذا الحفظ يشمل عمل جميع الطاعات والأذكار بفعلها وترك جميع المحرمات فإذا فعل ذلك حفظ، يقول ابن رجب: فمن حفظ الله حفظه من كل أذى. قال بعض السلف: من اتقى الله حفظ نفسه، ومن ضيع تقواه فقد ضيع نفسه، والله غني عنه. ومن عجيب حفظ الله لمن حفظه أن يجعل الحيوانات المؤذية بالطباع حافظة له من الأذى كما جرى لسفينة مولى النبي صلى الله عليه وسلم حين كسر به المركب وخرج إلى جزيرة فرأى الأسد فجعل يمشي معه حتى دله على الطريق فلما أوقفه عليها جعل يهمهم كأنه يودعه ثم رجع عنه (4) وعكس هذا أن من ضيع الله ضيعه

(1) سورة طه الآية 46

(2)

سورة الشعراء الآية 62

(3)

جامع العلوم والحكم ابن رجب: 188.

(4)

أورده الهيثمي في مجمع الزوائد 9/ 366، والذهبي في السير: 3/ 173.

ص: 191

فضاع بين خلقه حتى يدخل عليه الضرر والأذى ممن كان يرجو نفعه من أهله وغيرهم، كما قال بعض السلف: إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق خادمي ودابتي.

وهذا هو النوع الأول، والنوع الثاني من الحفظ: وهو أشرف النوعين حفظ الله للعبد في دينه وإيمانه، فيحفظه في حياته من الشبهات المضلة، ومن الشهوات المحرمة ويحفظ عليه دينه عند موته فيتوفاه على الإيمان، لأن العبد حفظ نفسه فحفظه الله، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله أمره أن يقول عند منامه:«إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين (1)» وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أحد الصحابة أن يقول: «اللهم احفظني بالإسلام قائما، واحفظني بالإسلام قاعدا، واحفظني بالإسلام راقدا ولا تطمع في عدوا ولا حاسدا (2)» فإن الله عز وجل يحفظ المؤمن الحافظ لحدود دينه ويحول بينه وبين ما يفسد عليه دينه بأنواع من الحفظ، وقد لا يشعر العبد ببعضها (3) وبعضها يكون معجزة أو كرامة، كما حصل من انفلاق البحر لموسى عليه السلام وقومه وانطباقه على فرعون وجنوده، وكما حصل

(1) أخرجه البخاري: 5/ 2329.

(2)

أخرجه ابن حبان: 3/ 214، والحاكم: 1/ 706، وقال: صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه

(3)

جامع العلوم والحكم لابن رجب ص 87

ص: 192

لخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين حين التقى المسلمون الأعداء، فولى صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، فغشي الكفار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على بغلته الشهباء، فنزل عن البغلة، ثم قبض قبضة من تراب من الأرض، ثم استقبل به وجوههم، فقال:«شاهت الوجوه) فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة، فولوا مدبرين، فهزمهم الله عز وجل، وقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غنائمهم بين المسلمين (1)» وما حصل للعلاء بن الحضرمي عندما بعثه أبو بكر الصديق في جيش قبل البحرين وكانوا قد ارتدوا، فسار إليهم وبينه وبينهم البحر - يعني الرقراق - حتى مشوا فيه بأرجلهم، فقطعوا كذلك مكانا كانت تجري فيه السفن، وهي اليوم تجري فيه أيضا، فقاتلهم، وأظهره الله عليهم وبذلوا الزكاة) (2)(3) فالله عز وجل له أسماء لا تحصى، منها اسم (الحفيظ) وله معنيان

(1) أخرجه مسلم: 3/ 1402

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير: 18/ 96، وانظر سير أعلام النبلاء الذهبي: 1/ 264

(3)

انظر: جامع العلوم والحكم ابن رجب 87

ص: 193

: الأول: حفظه لجميع ما يصدر من عباده؛ خيرا كان أو شرا. الثاني: حفظه لعباده من جميع ما يكرهون، وهو نوعان خاص: وعام.

العام: حفظه لجميع المخلوقات بتيسيره لها ما يقيتها وتمشي به إلى هدايته، قال تعالى {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} (1)، وهذا يشترك به الحيوانات والناس، كالهداية للمأكل والمشرب وغيره.

الخاص: وهذا لا يكون إلا لأوليائه الذين حفظوه فيحفظهم مما يضر إيمانهم أو يزلزل يقينهم من الشبه أو الفتن أو الشهوات، ويحفظهم من أعدائهم ويدفع عنهم كيد الإنس والجن:{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} (2) وهذا عام في دفع جميع ما يضرهم في دينهم ودنياهم (3)

فالعبد إذا حافظ على ما فرضه الله عليه من الطاعات، وحافظ على حدود الله من الكبائر والموبقات باجتنابها، وحافظ على الأذكار والتي منها (أذكار الصباح والمساء ودخول الأماكن واللبث فيها والخروج منها، وأذكار النوم والأكل واللبس) حفظه سبحانه وتعالى في دينه ونفسه وعرضه وولده وأهله وماله من كل شر، ووقاه من كل ما يكره، وحفظه من الوقوع في المعاصي، فيكون في صحة وسعادة في الدنيا والآخرة محفوظا من البلاء، فهو في سرور وحبور.

(1) سورة طه الآية 50

(2)

سورة الحج الآية 38

(3)

انظر شرح أسماء الله الحسنى الشيخ سعيد القحطاني: 112 - 115

ص: 194