الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المؤمنين من الانخداع بهذا العدو وحمل أفكاره ونشرها والدعوة إليها دون وعي للأخطار العظيمة المترتبة عليها، فهل يعي المؤمنون في كل عصر هذا الدرس فيأخذوا حذرهم ممن ينتسب إليهم وهو يحمل فكر غيرهم؟!
الوقفة الثامنة:
مع موقف عائشة رضي الله عنها:
يبتلي الله تعالى عباده بالأقدار المؤلمة ليعلم صدقهم وقوة إيمانهم، ويتفاضل البلاء بحسب قوة الإيمان، وفي حديث الإفك كان الابتلاء في حق عائشة رضي الله عنها عظيما؛ فقد رميت بالزور والبهتان، وهو أمر عظيم في حق من نشأ في معدن العفاف والطهر وموئل الكرامة والشرف، ولهذا كانت رضي الله عنها تبيت الليالي الطويلة مدة شهر كامل لا يرقأ لها دمع ولا تكتحل بنوم، وأبواها المشفقان يظنان أن البكاء فالق كبدها.
لقد بلغت قوة الإيمان بالصديقة بنت الصديق مبلغا عظيما، فالتجأت إلى ربها عز وجل وفوضت أمرها إليه، وهي تعلم أنه سيبرئها ويبطل كيد المنافقين الذين أرادوا النيل منها ومن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد صح عنها قولها: ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} (1). وقولها رضي الله عنها: وأنا والله أعلم أني بريئة، وأن الله تعالى مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها. إنه موقف
(1) سورة يوسف الآية 18
المؤمن الصادق الواثق بربه المتوكل عليه، وهو موقف ينبئ أيضا عن تواضع واحتقار للنفس مع ما هي عليه رضي الله عنها من الشرف والفضيلة والقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الإنسان ليعجب من مواقفها العظيمة مع حداثة سنها؛ إذ لم يكن يتجاوز عمرها حينئذ الثالثة عشرة ومع هذا تثبت في المحنة وتصبر وتحتسب، وتفوض الأمر إلى الله وتتواضع له، فيكون جزاؤها التبرئة بقرآن يتلى إلى قيام الساعة تشريفا لها وجزاء على تمام توكلها وتفويضها.
إنها التربية الصالحة التي تلقتها في بيت الصديق أولا، ثم في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم تربية تقوم دعائمها على تصحيح العقيدة وتجريد التوحيد وصدق الاعتماد على الله تعالى، مع تحمل المسؤولية والاعتماد على النفس، تلك التربية العظيمة التي جعلت جارية حديثة السن تقف موقفا يعجز عنه كثير من رجال اليوم، فما أحوجنا إلى أخذ العبرة من ذلك الدرس والاستفادة منه بتربية أولادنا على مثل تلك القيم الفاضلة والأخلاق النبيلة؛ إذن لسلمنا من كثير من السلبيات التي يعاني منها شباب اليوم، وفي مقدمتها ضعف الإيمان والانهزام النفسي والعجز عن تحمل المسؤولية والقيام بأعباء الحياة.