الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
، مفتي عام المملكة العربية السعودية
س1: سؤال من المستمع أبي خالد من الرياض يقول فيه:
كيف يكون المسلم محققا لشهادة أن لا إله إلا الله
وأن محمدا رسول الله قولا وعملا واعتقادا تكون به السلامة والنجاة بإذن الله – تعالى – وبارك الله فيكم وفي علمكم؟
ج1: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبد الله ورسوله محمد أشرف الأنبياء وأشرف المرسلين، وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد، لقد أجاد السائل في سؤاله، ولقد أتى بسؤال ذي شأن عظيم وخير كثير، فهو بالحقيقة نشكره على طرح هذا السؤال، فهو سؤال من أهم الأسئلة، والجواب عليه من أهم الأجوبة، لأن هذا يتعلق بأصل الدين وأساس الملة، وكل ما تعلق بأصل الدين وأساس الملة كان سؤالا مهما، وكان الجواب عليه أيضا مهما، فوفقك الله أخي السائل لطرحك هذا السؤال وعرضك لهذا السؤال، وفقك الله وثبتني وإياك
على الطريق المستقيم.
أخونا السائل يتساءل بقوله: كيف يكون العبد محققا لشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله علما وعملا واعتقادا؟
نقول يا أخي: شهادة أن لا إله إلا الله هي كلمة التقوى، وهي العروة الوثقى، وهي أفضل الكلام وأعلى شعب الإيمان.
يقول صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق» .
لا إله إلا الله كلمة الإسلام، ومفتاح دار السلام، هي أحسن الحسنات وأعظمها، كلمة لا إله إلا الله، الكلمة التي يدخل بها الكافر بدائرة الإسلام، ويخرج بها الوثني من دائرة الكفر إلى دائرة الإسلام، هذه الكلمة هي الكلمة التي اجتمعت الرسل كلهم على الدعوة إليها، وما من رسول أرسله الله إلا ويفتح دعوته بلا إله إلا الله، لأنه يقول: اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، وهذه هي معنى لا إله إلا الله – جل وعلا:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (1) إذن فالرسل كلهم أوحي إليهم بلا إله إلا الله، وقال – جل وعلا – لنبيه صلى الله عليه وسلم:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (2) فأعلمه بلا إله إلا الله مع أنه الداعي إليها،
(1) سورة الأنبياء الآية 25
(2)
سورة محمد الآية 19
والمنادي لها، والمناضل عنها، لكن لأهمية هذا الكلمة ولعظيم شأنها ولكبير قدرها أعلم الله نبيه بها، وبين – جل وعلا – أيضا: أن المشركين عباد الأوثان يرفضون أن يقولوا: لا إله إلا الله؛ لأن هؤلاء الوثنيين الذين بعث فيهم محمد صلى الله عليه وسلم – عرب أهل فصاحة وبيان، يعلمون معاني الكلام وما يفيده. قال الله عنهم:{إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ} (1){وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ} (2) إذن فكفار قريش علموا معنى لا إله إلا الله وأن حقيقتها براءتهم من كل معبود سوى الله وإخلاص عبادتهم لله، قال – جلا وعلا – عنهم لما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم – قولوا: لا إله إلا الله، قالوا:{أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} (3) والعجاب عندهم أنهم فهموا من دعوة النبي توحيد الله بالعبادة، وألا يكون مع الله شريك في أي نوع من أنواع العبادة.
فيا أخي السائل: لا يكون العبد محققا لشهادة أن لا إله إلا الله علما وعملا واعتقادا إلا إذا صدق ذلك فعلم أن لا إله إلا الله وعمل بمقتضى هذا العلم، واعتقد هذا العلم، وأتى بما يدل على ثبوت ذلك العلم في قلبه بأن يكون موحدا لله: ذبحه لله، ونذره لله، ولا يدعو إلا الله، ولا يستغيث إلا بالله، ولا يخاف الخوف الحقيقي إلا من الله، ولا يعظم الرجاء إلا في الله، ففي قلبه تعلق بالله حبا وخوفا
(1) سورة الصافات الآية 35
(2)
سورة الصافات الآية 36
(3)
سورة ص الآية 5
ورجاء، فتراه معلقا أمله بالله، يعلم أن النفع والضر والحياة والموت والأرزاق كلها بيد الله – جل وعلا – يعلم أن الله محيط به وبأحواله كلها، يعلم أن الله خالقه ورازقه ومن أوجده بعد العدم، ورباه بالنعم، يعلم فضل الله عليه في حواسه كلها، يعلم عظيم نعم الله عليه.
فتحقيق معنى لا إله إلا الله، بأنه معبود حق إلا الله، وأن كل من عبد من دون الله فبالباطل عبد، لا الأنبياء ولا الملائكة ولا الصالحون والأولياء، كل أولئك لا حق لهم في العبادة، العبادة بكل أنواعها حق الله، فالدعاء إذا أردت أن تدعو ادع سميعا قريبا مجيبا بصيرا عالما قادرا على تنفيذ ما أراد، لا تدع وثنا، لا شجرا وحجرا، فالإنسان لا يدعو جنا وغائبين، لا يدعو أمواتا فارقت الأرواح الأجساد، لا يدعو من لا يسمع الدعاء ولا ينفع لو سمع.
بل أدعو من يسمع كلامي ويرى مكاني، ويعلم سري وعلانيتي أدعو من هو قادر على أن يجيب دعائي ويحقق مطلوبي {أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ} (1)، {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} (2)، وقال:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (3) وأخلص الدين له فلا أجعل المخلوق شريكا في عبادته؛ لأني أعلم أن المخلوق لا يفيدني شيئا، وإنما ينفعني
(1) سورة النمل الآية 62
(2)
سورة غافر الآية 60
(3)
سورة البقرة الآية 186
إخلاص ديني لفاطري وخالقي، هذه الكلمة متى استقرت في القلوب، واستنارت بها الأفئدة، هذه الكلمة من لقي الله بها وكانت آخر ما يقول فإنه يدخل بفضل الله الجنة فضلا من الله ورحمة «من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة (1)»
القائل لا إله إلا الله ولو ارتكب شيئا من المعاصي والمخالفات لكن مآل الموحدين والمخلصين دخول الجنة فضلا من الله وعدا صادقا وعده عباده المؤمنين «حديث» «من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من عمل (2)» .
فيا إخواني أكثروا منها وكرروها، وتلذذوا بلطفها، وذللوا ألسنتكم بها، أسأل الله أن يثبتني وإياكم عليها.
وتحقيق شهادة أن محمدا رسول الله بعد الإيمان به حقا أنه عبد الله ورسوله وخاتم أنبيائه ورسله، عبدا لا يعبد ورسولا لا يكذب، بل يطاع ويتبع، يطاع فيما أمر، ويجتنب ما عنه نهى وزجر ويصدقه في كل أخباره التي أخبر بها عن رب العالمين {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} (3){إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (4) شهادة أن محمدا رسول الله تتضمن مع الإيمان به واتباع سنته والعمل بشريعته واعتقاد أن طاعته طاعة لله ومعصيته معصية لله قال
(1) سنن أبي داود الجنائز (3116)، مسند أحمد (5/ 247).
(2)
صحيح البخاري أحاديث الأنبياء (3435)، صحيح مسلم الإيمان (28)، مسند أحمد (5/ 314).
(3)
سورة النجم الآية 3
(4)
سورة النجم الآية 4
تعالى: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (1) نحكمه في القليل والكثير، ونرضى بحكمه، وتطمئن به نفوسنا، وتنشرح به صدورنا قال الله عز وجل:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (2) نقتدي به ونجعله إماما وقدوتنا وأسوتنا صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (3)، إذا أمرنا بأمر فلا خيار لنا في ذلك، نسمع ونطيع، وإذا نهانا عن شيء فلا خيار لنا، ننتهي ونسمع ونطيع قال تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (4)، نسمع لأوامره ونطيع قال – جل وعلا -:{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (5) نقدم سنته على قول كل قائل كائنا من كان، ولا نعارض سنته بآراء الرجال وأهوائهم، بل نخضع الأقوال والأعمال للناس بفعل عرضها على سنته، فما وافق سنته فهو المقبول وما خالف سنته فهو المرفوض، ونكثر من الصلاة والسلام عليه دائما وأبدا، ونعتقد أن الله منحنا على يديه الفضل الكثير والخير العظيم، ونسأل الله له الوسيلة؛ أعلى منازل الجنة، ونسأل الله أن يبلغه
(1) سورة النساء الآية 80
(2)
سورة النساء الآية 65
(3)
سورة الأحزاب الآية 21
(4)
سورة الأحزاب الآية 36
(5)
سورة النور الآية 51