الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا يضر ما علق بالنفس من ذلك كالوسوسة ونحوها ما لم يتفوه به أو يذكره لأحد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم (2)» .
والرابع: أنه يلزم من قام بذهنه شيء من الأمر المذكور فتكلم به أن لا يكثر منه ولا يشيعه ويذيعه، بل يسارع إلى التوبة والإقلاع، قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (3)، قال ابن كثير: أي يختارون ظهور الكلام عنهم بالقبيح.
إن من شأن التخلق بهذه الآداب الفاضلة أن يقطع دابر الفتنة وأن يدرأ أسباب العداوة، وأن يقطع الطريق أمام المغرضين الساعين بين المؤمنين بالفساد والإفساد.
(1) سورة النور الآية 16
(2)
سنن النسائي الطلاق (3434)، سنن أبي داود الطلاق (2209)، سنن ابن ماجه الطلاق (2040).
(3)
سورة النور الآية 19
الوقفة السابعة:
مع الآثار المترتبة على الإفك:
قصد المنافقون بإشاعة حديث الإفك الإساءة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وعائشة وآل أبي بكر وصفوان بن المعطل رضي الله عنهم، بل والمجتمع الإسلامي كله والدعوة التي يقوم عليها ويؤمن بها، لكن كيد المنافقين هذا انقلب عليهم،
فترتب على هذه الفرية العظيمة وما نتج عنها آثار إيجابية لخصت في قوله عز وجل: {لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} (1)، قال ابن كثير رحمه الله:" {لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ} (2) " أي يا آل أبي بكر، " {بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} (3) " أي في الدنيا والآخرة؛ لسان صدق في الدنيا ورفعة منازل في الآخرة، وإظهار شرف لهم باعتناء الله تعالى بعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها حيث أنزل براءتها في القرآن العظيم. (4)
وإذا أردنا أن نذكر الآثار الإيجابية لحديث الإفك فلا شك أن من أبرزها ما يلي:
1.
الابتلاء والاختبار وما يترتب عليه من الأجر والمثوبة عند الصبر والاحتساب، ولا شك أن هذا هو موقف عائشة رضي الله عنها ومن معها ممن ابتلي بهذا الأمر وهذه المحنة الشديدة، حتى بقوا فيها شهرا كاملا، لكن الله تعالى تلطف فكشف الغمة فاكتسبوا بذلك الرفعة والمثوبة، وظهرت كرامتهم وعزتهم ومكانتهم. (5)
2.
إظهار شرف عائشة رضي الله عنها بتبرئة الله عز وجل لها بقرآن يتلى إلى قيام الساعة، ولهذا قال لها ابن عباس رضي الله عنهما وهي في سياق الموت: أبشري! فإنك زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يحبك، ولم يتزوج بكرا
(1) سورة النور الآية 11
(2)
سورة النور الآية 11
(3)
سورة النور الآية 11
(4)
تفسير ابن كثير 3/ 272.
(5)
انظر: حديث الإفك 225.
غيرك، ونزلت براءتك من السماء. (1) وحين تفاخرت هي وزينب رضي الله عنهما قالت: أنا التي نزل عذري في كتاب الله حين حملني صفوان بن المعطل على الراحلة. (2)
3.
تقرير مدافعة الله تعالى عن أوليائه المؤمنين ودفع الشرور عنهم، وفي هذا تسلية وتثبيت لكل مؤمن ومؤمنة، فالله عز وجل يحفظ عباده ويدرأ عنهم الشرور ويقيهم كيد أعدائهم ويكلؤهم وينصرهم، كما قال سبحانه:{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} (3)، وقال:{أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} (4).
4.
موعظة المؤمنين بتقرير حرمة أعراضهم، ووجوب صيانتها من كل ما يقدح فيها، وفي مقدمة ذلك القذف الذي هو طعن في عرض المسلم وتلويث لسمعته وافتراء عليه.
5.
تنبيه المؤمنين إلى مكائد العدو المستتر المندس بينهم، العدو الذي يظهر لهم أنه منهم وهو في الحقيقة عدوهم الأكبر، إنهم المنافقون الذين لا يألون جهدا في إفساد المجتمع وتقويض دعائمه وتفكيك أواصره وبث روح العداوة والبغضاء والفرقة بين أفراده، لقد تضمنت هذه الآيات تحذير
(1) انظر: تفسير ابن كثير 3/ 272.
(2)
انظر: تفسير ابن كثير 3/ 272.
(3)
سورة الحج الآية 38
(4)
سورة الزمر الآية 36