الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
حقيقة الجهاد وآدابه
المطلب الأول: حقيقتة وآدابه
لقد اهتم العلماء – رحمهم الله تعالى – بهذا الجانب فألفوا المصنفات التي لم تترك شاردة ولا واردة إلا وأشارت إليها إما صراحة وإما تلميحا.
وهذا ما نجده في صحيحي البخاري ومسلم في كتاب الجهاد والسير، وكذا في كتب السنن، (1) بعضهم يسميه كتاب الجهاد، كما عند البخاري، والبعض الآخر بكتاب الجهاد والسير، كما عند مسلم، وبعضهم أفرد للجهاد كتابا، وللسير كتابا آخر كما صنع النسائي، وجمعوا كل ما يتصل بهذا الباب
وموضوع الجهاد يتصل بالدعوة، والحقوق والأمانة، والفقه، ويتصل بالمعاملات قبل القتال وأثناءه، وبعده، وأحكام الأسرى والفيء والأنفال، والغنائم، وتقسيم الخمس، وأحكام المعاهدات من أمان وهدنة وصلح وعقد ذمة، وأحكام البغاة، والخوارج، والمرتدين، والمحاربين.
إن الإسلام حيث شرع هذه الأحكام والآداب قد حقق وقصد بذلك مصالح كثيرة لجميع خلق الله تعالى.
* منها: ضبط الأمور، وجعلها كما أراد الله تعالى ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وذلك لا يأتي إلا بالخير كله.
(1) البخاري، 6/ 3 (56)، مسلم، الصحيح بشرح القاضي، إكمال المعلم، 6/ 28.
* منع أصحاب الأهواء، والأحقاد من استغلال هذا الأمر في الإسراف وإهلاك الناس باسم الإسلام، أو لمجرد الاختلاف معهم، فالإسلام شرع الأحكام في قتال من لا يؤمنون بأركان الإسلام، ودلت السنة على الوعيد لمن قاتل مسلما شهد الشهادتين، فكيف بمن هو أصلا ولد ونشأ عليها؟ وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص كل الحرص على دعوة الناس والصبر على إظهار إجابتهم.
* المصالح الكثيرة ومنها تشجيع الناس على الدخول في الإسلام من خلال عملهم وإدراكهم بأن الإسلام لا يهمه بالدرجة الكبيرة المسارعة إلى قتال الناس، والتعرض لهم أو لأعراضهم أو ممتلكاتهم، وحتى إذا ما حدث هناك لقاء فإن المسلمين يخضعون لأوامر وأحكام وآداب صادرة من الشارع الحكيم، وقد يعاقب من يخالف هذه الأحكام.
وقد روى البخاري حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مثل المجاهد في سبيل الله - والله أعلم بمن يجاهد في سبيله - كمثل الصائم القائم، وتوكل الله للمجاهد في سبيله بأن يتوفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه سالما مع أجر أو غنيمة (1)»
قال الحافظ: فيه إشارة إلى اعتبار الإخلاص.
وشبه حال الصائم القائم بحال المجاهد في سبيل الله في نيل ثواب في كل حركة وسكون؛ لأن المراد من الصائم القائم من لا يفتر ساعة عن
(1) البخاري، 6/ 6 (ح2787)، مسلم، الصحيح مع إكمال المعلم، 6/ 289 (ح1778).
العبادة فأجره مستمر، وكذلك المجاهد لا تضيع ساعة من ساعاته بغير ثواب، كما في قوله تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (1).
وعند البخاري أيضا حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«مؤمن يجاهد في سيبل الله بنفسه وماله (2)»
قال الحافظ: في رواية الحاكم «أي الناس أكمل إيمانا» وكأن المراد بالمؤمن من قام بما تعين عليه القيام به، ثم حصل هذه الفضيلة، وليس المراد من اقتصر على الجهاد وأهمل الواجبات العينية، وحينئذ فيظهر فضل المجاهد لما فيه من بذل نفسه وماله لله تعالى، ولما فيه من النفع المتعدي، وإنما كان المؤمن المعتزل يتلوه في الفضيلة؛ لأن الذي يخالط الناس لا يسلم من ارتكاب الآثام، فقد لا يفي هذا بهذا، وهو مقيد بوقوع الفتن (3)
وهذا يدل بوضوح على أن الجهاد عبادة وطريق دعوة، ولا بد أن يكون المجاهد عارفا بحقيقة الجهاد الذي هو في سبيل الله، ولأن من كمال الإيمان امتثال الواجبات الأخرى من الأحكام والآداب وخاصة المتصلة بالجهاد.
من أهم التوجيهات النبوية في السيرة النبوية ما يستفاد من قول وفعل
(1) سورة التوبة الآية 120
(2)
البخاري، 6/ 6 (ح2786).
(3)
الفتح، 6/ 6.
النبي صلى الله عليه وسلم أثناء الدعوة ونشرها وخاصة بعد الهجرة وبدء الجهاد.
لقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة المجاهد، وهدفه، وهو ما ثبت في الحديث عن أبي موسى رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ قال:«من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله (1)»
وفي الحديث ذم الحرص على الدنيا، وعلى القتال لحظ النفس في غير الطاعة (2)
ويفهم من جواب النبي صلى الله عليه وسلم أن كل إنسان ينبغي عليه أن يحاسب نفسه ويكون على بينة من أمره في إرادته للجهاد.
كما يفهم أيضا أن المجاهد الحقيقي الصادق هو الذي عرف حقيقة الإسلام والإيمان، وتعلم الأحكام، وخاصة فيما يتعلق بالجهاد، وتفقه في مشروعيته وشروطه وآدابه وضوابطه حسب ما جاء في الآيات الكريمة والأحاديث الصحيحة، واقتدى بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته، ووصاياه لأصحابه في السرايا والبعوث.
فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقصدون من الجهاد الحرص على الدنيا ومتاعها، ولا يطمعون إلى الحظوظ النفسية.
ولهذا لم يقاتلوا إلا بعد الإنذار، والدعوة والصبر لعل أن يسمعوا أذانا، أو تحصل استجابة، ولم يفاجئ النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأعداء إلا إذا تيقنوا أن العدو قد استعد وعزم على الاعتداء كما في بني المصطلق.
(1) البخاري، 6/ 28 (ح2810)، مسلم مع إكمال المعلم، 6/ 327 (ح1904)[149].
(2)
الفتح، 6/ 29.