الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبحانه لذاته لكماله ذاتا وصفات وانفراده بهذا الكمال فلا شريك له فيه، ولربوبيته على خلقه وانفراده بالربوبية فهو الرب لكل ما سواه وكل شيء مربوب له.
ولهذا كان التوحيد في ذاته أهم المهمات، فليس أهم من حق يعود إلى الخالق سبحانه، فكانت دراسة التوحيد والعناية بفهمه وتحقيق العلم به ليتحقق العمل به من أهم المهمات.
المطلب الثاني: كونه علة خلق الخلق
تقدم قريبا التنويه إلى أن الله تعالى خلق الخلق قسمين: خلق مسخر وخلق مكلف، وأوردنا آيات دالات على أن جميع الخلق المسخر يسبح لله ويسجد له ويعبده وحده لا شريك له، فالأفلاك والشجر وأمم الدواب والطير وأنواع الجمادات والبحار وكل مسخر في السماء والأرض خلقه الله عابدا له وحده يسبح له ويسجد له على نحو لا نفقهه، ثم قسم سبحانه المكلفين إلى نوعين: نوع عصمهم من أن يعصوه فهم في طاعته دائبون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ويعبدون الله لا يستحسرون عن عبادته، أي لا ينقطعون عنها أبدا، كما قال سبحانه:{وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ} (1)، أي: خاضعون لعبادته من غير إعراض ولا إباء، وهم في إقبالهم على عبادته سبحانه لا ينقطعون أبدا فهم دائبون عليها أبدا، وقد فصل سبحانه وجوه عدم
(1) سورة الأنبياء الآية 19
انقطاعهم في قوله: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} (1)، وقوله تعالى:{يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ} (2)، أي: لا يقطعهم عن عبادة الله فتور وتعب وكسل ووهن، ولا يقطعهم سأم وملل، فنفى عنهم الانقطاع بنوعيه الحسي والمعنوي، فإن الواحد منا قد يكون مقبلا على العبادة راغبا فيها لكن يقطعه عنها مع رغبته فيها تعب جسده ووهنه، وقد يكون نشيطا موفور القوة لكنه سئم وملل، أما هؤلاء فلا فتور ولا سأم، وهم الملائكة عليهم السلام. فجميع هؤلاء المخلوقات المذكورات قائمة على توحيد الله مؤدية له مسخرة له ومعصومة من مخالفته، جمعها على توحيده سبحانه وإن فرق أجناسها وأنواعها وخصائصها.
بقي النوع الثاني من المكلفين، وهم النوع الذي تمكن منه المعصية فليس هو معصوما عن أن يخرج عن الواجب عليه من توحيد الله، فقد تجتاله الصوارف فيفسق عن التوحيد، وهؤلاء هم الجن والإنس، وهؤلاء أعلن الله في كتابه أنه إنما خلقهم لعبادته لم يخلقهم لغير ذلك، فقال قولا بينا فصلا:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (3) خصهم بالذكر هنا لأنه أراد العبادة منهم شرعا، وشاء أن يكون فيهم من يعصي فلا يعبد، لا كهيئة بقية المخلوقات التي لم يشأ إمكان المعصية منها؛ إما خلقها عابدة له مسخرة
(1) سورة الأنبياء الآية 20
(2)
سورة فصلت الآية 38
(3)
سورة الذاريات الآية 56
لذلك، أو كلفها بالعبادة تكليفا وشاء عصمتها من المعصية فلا تكون إلا مطيعة عابدة، ولذلك كان معنى قوله:{إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} (1) إلا لأمرهم بالعبادة وأطلبها منهم فيختلفون فمنهم من يطيع فأثيبه ومنهم من يعصي فأعاقبه، وهذا المعنى مذكور عن علي رضي الله عنه وعن عكرمة ومجاهد (2) ويؤيده قوله سبحانه:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا} (3) فيكون خلقهم ليبلوهم في التوحيد كما قال سبحانه في أكثر من آية في كتابه منها: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (4) وقوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} (5) وقوله تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} (6) وقوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} (7) ولتحقيق هذه الغاية بعث الله الرسل، وأنزل الكتب، وجعل الجزاء، وخلق له الجنة
(1) سورة الذاريات الآية 56
(2)
انظر زاد الميسر 8/ 42، وتفسير البغوي 4/ 235، وتفسير السمعاني 5/ 264، وتفسير القرطبي 17/ 55/56.
(3)
سورة التوبة الآية 31
(4)
سورة هود الآية 7
(5)
سورة الكهف الآية 7
(6)
سورة الملك الآية 2
(7)
سورة الإنسان الآية 2