الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفخر المذموم (1)
(1) الفتح، 6/ 254.
المطلب السابع: أحكام الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب:
من سماحة الإسلام والدلائل على كماله اشتماله على الأحكام الخاصة بين المسلمين فيما بينهم، وحتى مع المسلمين الذين هم في حكم البغاة والمحاربين والخارجين، حيث نجد أن الإسلام تناول الأحكام الخاصة بهذه الأمور، وجاء في السنة المشرفة بيان وتفسير الآيات الكريمة المبينة لكيفية التعامل معهم، والحدود لما يترتب على فسادهم.
كما اشتمل الإسلام على الأحكام الخاصة بغير المسلمين، وهذا يشير إلى سنة الله تعالى وحكمته في خلقه وعباده وملكه، ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة، ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا. وجميع الأحكام في الإسلام لها حكمة، وتهدف إلى مصلحة العباد، المسلمين وغير المسلمين.
فالزكاة في حق المسلم تطهير للمسلم ولماله، وبركة عليه، وعلى رزقه، ونماء له، وتوجب الرحمة والعفو من الله تعالى، وتدخل في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالسكينة والطمأنينة. والزكاة تعليم للإنسان الأخلاق الحسنة من الكرم والبذل والجود في وجوه الخير، المذكورة في آية الصدقات. وكذلك عامة الأمور الخيرية.
والجزية في الغالب ليست عقابا وظلما لغير المسلمين. بل هي عدل من الله تعالى، حيث لم يكره أحدا في الدين وهو نص الآية الكريمة،
والأحاديث الصحيحة في عرض الإسلام أو الجزية أو الحرب، ومقابل البقاء على دينه يؤخذ منه مقدار يسير، ولا يكلف ما لا يطيق. وقد روى سعيد بن منصور في السنن عدة أحاديث في العدل في أهل الذمة والصلح، وتحريم أخذ زيادة على ما تم عليه الصلح (1)
وكان عمر رضي الله عنه يراقب عماله ويحذرهم من تكليف الناس ما لا يطيقون، أو تكليف الأرض نفسها ما لا تطيق، وما لا يتناسب مع غلاتها وإنتاجها؛ لأن ذلك ظلم وينشئ الأحقاد، ويشجع على التربص بالإسلام والمسلمين، ويمنع من الدخول في الإسلام، وهذا خلاف ما أراده الله تعالى من أن الحكمة من خلقهم عبادته والإيمان بما أمرهم به.
ومن الحكمة في الجزية هو تشجيع الناس على البقاء في أرض المسلمين، ومخالطتهم للاطلاع على محاسن الإسلام مما يكون سببا في الدخول فيه ولو قل، وهذا يعني أن الجزية هي في الواقع وسيلة للدعوة وليست مصلحة دنيوية.
وهذا ربما نسترشد به إلى أن المسلمين الذين يعيشون في بلاد غير المسلمين يجب عليهم التخلق بالأخلاق الحسنة التي قد تشجع الناس إلى سؤالهم عن دينهم مما يؤدي إلى دخولهم في الإسلام، بعيدا عن التنطع والغلو الذي قد يسيء إلى الإسلام أكثر مما يحسن إليه.
وقول البخاري: الجزية والموادعة
…
فيه لف ونشر مرتب؛ لأن الجزية مع أهل الذمة، والموادعة مع أهل الحرب. والجزية من جزأت الشيء إذا قسمته، ثم سهلت الهمزة.
(1) السنن، 2/ 231 (2602، 2603).
وقيل من الجزاء؛ أي أنها جزاء تركهم ببلاد الإسلام، أو من الإجزاء؛ لأنها تكفي من توضع عليه في عصمة دمه. (1)
والموادعة المتاركة، والمراد بها متاركة أهل الحرب مدة معينة لمصلحة (2) كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع قريش في صلح الحديبية. وعن يد أي عن طيب نفس (3)
وقد اختلف العلماء فيمن يلحق بأهل الكتاب في الجزية من العرب والمجوس
ويتفاوت مقدار الجزية، وأقله عند الجمهور دينار لكل سنة. وخصه الحنفية بالفقير، وأما المتوسط فعليه ديناران، وعلى الغني أربعة. وهو موافق لأثر مجاهد كما دل على عليه حديث عمر. وعند الشافعية أن للإمام أن يماكس حتى يأخذها منهم، وبه قال أحمد.
وروى أبو عبيد عن عمر أنه بعث عثمان بن حنيف بوضع الجزية على أهل السواد ثمانية وأربعين، وأربعة وعشرين، واثني عشر. وهذا على حساب الدينار باثني عشر. وعن مالك لا يزاد على الأربعين، وينقص منها عمن لا يطيق. وهذا محتمل أن يكون جعله على حساب الدينار بعشرة (4)
(1) تهذيب اللغة، 11/ 147.
(2)
الفتح، 6/ 259، الفقه الإسلامي وأدلته، 6/ 437.
(3)
الفتح، 6/ 259.
(4)
الفتح، 6/ 260.
وقال العلماء: الحكمة في وضع الجزية أن الذل الذي يلحقهم ويحملهم على الدخول في الإسلام مع ما في مخالطة المسلمين من الاطلاع على محاسن الإسلام. وهذا يشير إلى أنها في نفس الوقت هي وسيلة دعوة، فإن اشتملت على العدل والشفقة كان لها أثر طيب، وفيه المصلحة للإسلام والمسلمين.
واختلف في سنة مشروعيتها: فقيل في سنة ثمان، وقيل سنة تسع. وفيه حديث مسروق عن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن قال: خذ من كل حالم دينارا، أو عدله من المعافر، ثياب تكون باليمن. أخرجه أصحاب السنن، وصححه الترمذي والحاكم.
واختلف السلف في أخذها من الصبي فالجمهور لا. على مفهوم حديث معاذ، وكذا لا تؤخذ من شيخ فان ولا زمن، ولا امرأة ولا مجنون، ولا عاجز عن الكسب، ولا أجير، ولا من أصحاب الصوامع والديارات في قول. والأصح عند الشافعية الوجوب على من ذكر آخرا (1) ومما يدل على شدة اعتناء الإسلام بهذه الأمور اشتمال مصادر كتب الحديث على تخصيص أجزاء منها كما في صحيح البخاري، كتاب الخمس والجزية والموادعة (2) وصحيح مسلم وسنن أبي داود (3) والسنن لسعيد بن
(1) الفتح، 6/ 260، معالم السنن للخطابي، 3/ 428، الفقه الإسلامي وأدلته، 6/ 444.
(2)
6/ 257 (58).
(3)
3/ 427.