الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومعنى الشكر في اللغة:
يقول ابن منظور: (الشكر عرفان الإحسان ونشره)(1) أما الرازي فقد قال: إن (الشكر الثناء على المحسن بما أولاكه من المعروف. . . والشكران ضد الكفران)(2)
(1) لسان العرب ابن منظور: 4/ 423.
(2)
مختار الصحاح الرازي: 344.
تعريف الشكر اصطلاحا:
شكر الله: ثناء عليه بنعمه وأياديه والاعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع، وقيل الشكر الثناء على المحسن بذكر إحسانه، وهو أن تعلم أن النعمة من الله وحده.
وقد وردت آيات كثيرة لبيان حال الناس تجاه عبادة الشكر مع أنها من أفضل الطاعات، منها قوله تعالى:{وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (1) لأن
(1) سورة سبأ الآية 13
الكثير من الناس يكون متسخطا فلا يرضى بنعمة، ولا يصبر على بلاء ولا يؤدي حق النعمة التي هو فيها بل قد يستخدمها بما حرم الله تعالى ويجحد النعم بإخفائها خوفا من العين، وقد أمر بالتحدث بها، قال تعالى:{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (1) وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده (2)» وذكر الإمام ابن القيم أن الله إذا سلب العبد النعمة ظل متسخطا على ربه، شاكيا لربه لا يصلح له على عافية ولا على ابتلاء. العافية تلقيه إلى مساخطه والبلاء يدفعه إلى كفرانه وجحود نعمته وشكايته إلى خلقه ومع هذا فلم يؤيسه – سبحانه – من رحمته بل قال في الحديث القدسي:«متى جئتني قبلتك، إن أتيتني ليلا قبلتك، وإن أتيتني نهارا قبلتك، وإن تقربت مني شبرا تقربت منك ذراعا، وإن تقربت مني ذراعا تقربت منك باعا، ولو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا أتيتك بقرابها مغفرة ولو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك (3)» وقد أثنى الله عز وجل على عبده نوح بكثرة الشكر فقال: {ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا} (4) ابن عباس رضي الله عنه عن الشكور الذي يشكر
(1) سورة الضحى الآية 11
(2)
أخرجه الترمذي: 5/ 123، وقال: حديث حسن. وأحمد: 2/ 311، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
(3)
أخرجه مسلم بنحوه ج 4 ص 2068، وانظر مدارج السالكين ابن القيم 1/ 194.
(4)
سورة الإسراء الآية 3
قال على أحواله كلها (1) وهذا كان حال نبينا صلى الله عليه وسلم الذي قال لمن تعجب من قيامه لدرجة تفطر قدماه، وقد غفر له من تقدم من ذنبه وما تأخر:«أفلا أكون عبدا شكور (2)» والمؤمن حاله بين الشكر والصبر، قال صلى الله عليه وسلم:«عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له (3)» لأن الله يختبر عباده دائما بالشكر ولصبر، وحياة الإنسان تمر بالأحداث التي تسبب الشكر والصبر، فالله يختبر عباده بالشدة أو الرخاء، والمؤمن الحقيقي هو الذي يحمد ربه في كل حال. لكن بعض الناس لا يصبرون على الضراء ولا يشكرون في الرخاء فقد يظن أن النعمة منه وليس من الله فلذلك لا يشكر الله على نعمه، والذي يؤمن بالله ويعرفه حق المعرفة إذا أصابته مصيبة أو نعمة يعرف أن هذا ليس إلا امتحانا، قال تعالى عن سليمان عليه السلام:{قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} (4) يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ومما يظهر الأمر ما ابتلى الله به عباده في الدنيا من السراء والضراء. وقال سبحانه: {فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِي} (5){وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي} (6)
(1) انظر روح المعاني الألوسي: 22/ 120.
(2)
أخرجه البخاري: 1/ 380.
(3)
أخرجه مسلم ج 4 ص 2295.
(4)
سورة النمل الآية 40
(5)
سورة الفجر الآية 15
(6)
سورة الفجر الآية 16
يقول الله سبحانه: إنه ليس الأمر كذلك، ليس إذا ما ابتلاه فأكرمه ونعمه يكون ذلك إكراما، وليس إذا ما قدر عليه رزقه يكون ذلك إهانة، بل هو ابتلاء في الموضعين وهو الاختبار والامتحان فإن شكر الله على الرخاء وصبر على الشدة كان كل واحد من الحالين خيرا له كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن (1)» وإن لم يشكر ولم يصبر كان كل واحد من الحالين شرا له (2) ونعم الله على عباده لا تحصى لكثرتها كالحواس والصحة والمال والولد وغيرها، فلا يطاق شكرها، قال عز وجل:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} (3)، ومع ذلك فإن الله غفور رحيم بكم لما كان منكم من تقصير في الشكر إذا تبتم وأنبتم إلى طاعته واتباع مرضاته، رحيم بكم أن يعذبكم عليه بعد الإنابة إليه، والتوبة فلا تبدلوا نعمة الله بالكفر. (4)
وشكر الله يكون بالقلب وذلك بنسبة النعم إلى الله وأما شكر اللسان فهو بالثناء عليه وحفظه من اللغو.
(1) أخرجه مسلم ج 4 ص 2295.
(2)
قاعدة في المحبة ابن تيمية: 1/ 156، والفتاوى الكبرى ابن تيمية: 1/ 262.
(3)
سورة النحل الآية 18
(4)
انظر: جامع البيان الطبري: 14/ 93.