الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوحدة لا تطلق على الراكب كما لا يخفى) (1) والنهي عن سفر الواحد لا يختص بالليل، إنما يشمل النهار لقوله صلى الله عليه وسلم:«الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب (2)»
فحري بالإنسان أن يدفع البلاء عن نفسه ويحرص على ذلك ما استطاع إلى ذلك سبيلا؛ عن طريق الأخذ بالأسباب المشروعة، التي بينها لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم.
(1) تحفة الأحوذي المباركفوري: 5/ 260.
(2)
أخرجه الترمذي: 5/ 193 (وقال: حسن صحيح) وأبو داود: 3/ 36، والحاكم: 2/ 112، وقال:(هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، وشاهده حديث أبي هريرة، صحيح على شرط مسلم).
المبحث العاشر: عبادة الاستعاذة بالله:
إذا استعاذ المسلم بالله، فقد أمن البلاء؛ لأنه اعتصم والتجأ واستجار بعظيم، فلا قدرة لمخلوق مهما كانت قوته على أذيته وإلحاق الأذى به أو بمن عوذه، والاستعاذة من العبادات اللفظية الظاهرة مع يقين القلب بها، ومعناها يتضح فيما يأتي:
معنى الاستعاذة في اللغة:
العوذ الالتجاء كالعياذ والمعاذ والتعوذ والاستعاذة (1)
معنى الاستعاذة في الاصطلاح:
قال ابن كثير:
(الاستعاذة هي: الالتجاء إلى الله، والالتصاق بجانبه من كل ذي شر، والعياذ: يكون لدفع الشر، واللياذ لطلب الخير)، وهي: التوجه والاعتصام بالله (2) وأعوذ بمعنى الاستجارة بجناب الله عز وجل مما أخاف منه، أو الاستعانة، أو الاستغاثة ويذكر المقريزي: أن سورة الفلق والناس أعظم عوذة في القرآن، وقد جاءت الاستعاذة بهما وقت الحاجة، وهو حين سحر (3) النبي صلى الله عليه وسلم (4) قال صلى الله عليه وسلم عنهما:«ما تعوذ المتعوذون بمثلهما (5)» وقال صلى الله عليه وسلم: «يا عقبة، أعلمك خير سورتين قرئتا: قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس، يا عقبة، اقرأهما كلما نمت وقمت؛ ما سأل سائل ولا استعاذ مستعيذ
(1) انظر مختار الصحاح الرازي: 461.
(2)
انظر: البداية العيني: 2/ 217.
(3)
الحديث الوارد في ذلك أخرجه البخاري: 5/ 2174، ومسلم: 4/ 177.
(4)
انظر: تجريد التوحيد المقريزي: 9.
(5)
أخرجه النسائي في المجتبى: 8/ 251، رقم 5432، والنسائي في السنن الكبرى: 4/ 438، وقال الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة: 1104: (صحيح).
بمثلهما (1)» و (تقال بعد صلاة الفجر والمغرب ثلاث مرات) وبعد الصلوات الأخرى مرة واحدة (2) وعند النوم ثلاثا مع سورة الإخلاص) (3)
ومما ورد عنه صلى الله عليه وسلم – أيضا من صيغ الاستعاذة: «أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشر عباده (4)» أما متى تقال، وكم تقال من مرة؟ وأين تقال؟ فقد بين المصطفى بأن المسلم يستعيذ بالله وحده لدفع الأذى والبلاء عنه.
ويتعوذ بذلك ثلاث مرات (5) صباحا ومساء «وكان عبد الله بن عمر يعلمها من بلغ من ولده ومن لم يبلغ منهم، كتبها في صك، ثم علقها في
(1) أخرجه: أبو داود: 2/ 394، والنسائي في الكبرى: 4/ 438، وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مجموعة الحديث: 1/ 484: (حسن).
(2)
أخرجه مسلم: 4/ 2723.
(3)
أخرجه البخاري: 4/ 1916.
(4)
أخرجه أبو داود: 4/ 218، والترمذي: 5/ 541، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود: 2/ 47 (صحيح)
(5)
أخرجه ابن جبان: 3/ 299، والنسائي في الكبرى: 2/ 152 وأنها تقال ثلاث مرات صباحا ومساء.
عنقه (1)» ومعناها (أعوذ بكلمات الله التامات الكاملات التي لا يدخلها نقص، وقيل: النافعة الشافية، وقيل: المراد بالكلمات هذا القرآن)(2)
وأنواع المتعوذ منه عام وخاص: فيتعوذ بالله من كل شر، ومن أشياء مخصوصة بعينها جاء بالشريعة التعوذ بالله منها.
أما أين تقال؟ فإن المسلم يقولها عند نزوله أي منزل، سواء كان منزله أو في السيارة أو غيرها، فقد يكون معناه الجلوس واللبث، قال صلى الله عليه وسلم:«من نزل منزلا، ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق - لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك (3)» ؛ لأنه استعاذ بالله وحده فهو رب الفلق ورب الناس ملك الناس إله الناس خالق كل شيء ومالكه، الذي لا تنبغي الاستعاذة إلا به، ولا يستعاذ بأحد من خلقه، بل هو الذي يعيذ المستعيذين، ويعصمهم ويمنعهم من شر ما استعاذوا من شره، وقد أخبر تعالى في كتابه عمن استعاذ من الإنس بخلق مثلهم وهم الجن أن استعاذته بهم زادتهم طغيانا فزادوا المستعيذ بهم رهقا، فقال حكاية عن مؤمن الجن:{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} (4)(5) وقد تعوذ صلى الله
(1) أخرجه الترمذي: 5/ 541، وقال:(حسن غريب)، والحاكم 1/ 733، وقال:(حديث صحيح الإسناد متصل).
(2)
الديباج على صحيح مسلم السيوطي: 6/ 64.
(3)
أخرجه مسلم: 4/ 2080.
(4)
سورة الجن الآية 6
(5)
غاية الأماني محمود شكري الألوسي: 2/ 305.
عليه وسلم بالله من البلاء فقال: «اللهم إني أعوذ بك من الحرق والغرق، ومن التردي، وأن يتخبطني الشيطان عند الموت (1)» وقال: «اللهم إني أعوذ بك من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء (2)» يقول السيوطي: (من سوء القضاء وهو شامل له في الدين والدنيا والبدن والمال والأهل، وقد يكون في الخاتمة، نسأل الله السلامة، ومن درك الشقاء أي ما يدرك من شقاء في دنياه وآخرته، ومن شماتة الأعداء هي فرح العدو ببلية تنزل بعدوه، ومن جهد البلاء هي الحالة الشاقة)(3) وجهد البلاء كل ما أصاب المرء من شدة ومشقة وما لا طاقة له بحمله، ودرك الشقاء يكون في أمور الدنيا وفي أمور الآخرة، وكذلك سوء القضاء عام في النفس والمال والأهل والولد والخاتمة والمعاد، شماتة الأعداء فرحهم ببلية تنزل بالمعادي (4) وقال:«اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن ومن ضلع الدين وغلبة الرجال (5)» وقال: «أعوذ بك من زوال نعمتك وتحول عافيتك وفجاءة نقمتك (6)» وأعظم نعمة على
(1) أخرجه أبو داود: 2/ 192: والنسائي في المجتبى: 8/ 252، والحاكم: 1/ 712، وقال:(صحيح الإسناد ولم يخرجاه).
(2)
أخرجه البخاري بنحوه: 5/ 2343، والنسائي في الكبرى: 4/ 444.
(3)
الديباج على صحيح مسلم السيوطي: 6/ 63.
(4)
انظر: فتح الباري ابن حجر: 11/ 149.
(5)
أخرجه البخاري: 3/ 1509.
(6)
أخرجه مسلم: 4/ 2097.
العبد هي الدين؛ فليلتجئ إلى الله قائلا: أعوذ بالله من زوال نعمتك أي نعمة الإسلام والإيمان ومنحة الإحسان والعرفان، وتحول عافيتك بضم الواو المشددة أي انتقالها من السمع والبصر وسائر الأعضاء، والفرق بين الزوال والتحول أن الزوال: يقال في شيء كان ثابتا في شيء ثم فارقه، والتحول: تغير الشيء وانفصاله عن غيره، فمعنى زوال النعمة ذهابها، وتحول العافية إبدال الصحة بالمرض والغنى بالفقر، وفي بعض نسخ الكتاب: وتحويل عافيتك من باب التفعيل (1)
ويتضح مما سبق أن الاستعاذة بالله تدفع البلاء الذي لم ينزل، فهو سبحانه الدافع للبلاء والرافع له سبحانه. يقول ابن حجر:(ولا خلاف في مشروعية الفزع إلى الله تعالى والالتجاء إليه في كل ما وقع وما يتوقع)(2)
(1) انظر: عون المعبود الطيب آبادي: 4/ 283.
(2)
فتح الباري ابن حجر: 10/ 197.