الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
في العدة
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: في عدة زوجة المجاهد إذا قتل في سبيل الله.
المطلب الثاني: في عدة زوجة المجاهد إذا فقد في المعركة
المطلب الأول
عدة (1) زوجة المجاهد إذا قتل في سبيل الله
لا تختلف زوجة المجاهد في العدة عن غيرها ممن مات عنها زوجها في غير الجهاد.
ولها في العدة حالتان:
الحالة الأولى: أن تكون حاملا.
وعدتها في هذه الحالة تنقضي بوضع الحمل، وهذا قول جمهور أهل العلم من السلف والخلف (2) ونقل بعضهم الإجماع على ذلك.
جاء في المغني (أجمعوا على أن المتوفي عنها زوجها إذا كانت حاملا أجلها وضع حملها..)(3) .
(1) العدة في اللغة: جمع عدد مأخوذ من العد والحساب، وهي مقدار ما يعد ومبلغه، وعدة المرأة تربصها المدة الواجبة عليها. انظر لسان العرب (3/284) مادة (عدد) والمصباح المنير ص (396) والمعجم الوسيط ص (587) وشرعا، تربص محدود شرعا يلزم المرأة عند زوال النكاح المتأكد أو شبهته انظر: التعريفات ص (192) وكشاف القناع
…
(4/359) .
(2)
المبسوط (6/31) وبداية المجتهد (2/99) وفتح الباري شرح صحيح البخاري (9/592) ونيل الأوطار (6/288) وكشاف القناع (4/360) والمبدع (8/109) والمحلى بالآثار (10/72) .
(3)
المغني (11/227) وانظر: التمهيد (20/33) والإجماع لابن المنذر ص (270) .
واستدلوا بما يلي:
1-
عموم قوله تعالى: {وَأُولاتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] .
فيشمل العموم المطلقة والمتوفى عنها زوجها، يؤيد ذلك ما روي عن أبي بن كعب (1) قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم {وَأُولاتُ الأحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4] للمطلقة ثلاثا أو للمتوفى عنها زوجها، قال:(هي للمطلقة ثلاثا وللمتوفى عنها)(2) .
2-
ما روي (أن سبيعة الأسلمية (3) نفست بعد وفاة زوجها (4) بليال، فجاءت النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنته أن تنكح فأن لها، فنكحت) (5) .
(1) هو: أبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن معاوية، الأنصاري أبو المنذر سيد القراء، شهد العقبة الثانية وبدرا والمشاهد كلها، من علماء الصحابة ومن أهل الفتيا خرج الأئمة أحاديثه في صحاحهم كان يسأله عمر عن النوازل وسماه سيد المسلمين، توفي في خلافة عثمان سنة (30هـ) وقيل: في خلافة عمر رضي الله عنهم أجمعين، انظر: الإصابة في تمييز الصحابة (1/180) ت رقم (32) والطبقات لابن سعد (3/498) .
(2)
أخرجه الدارقطني في سننه، كتاب الطلاق ح رقم (3956) وفي إسناده المثنى ابن الصباح اليماني، وهو ضعيف قال النسائي: ليس بثقة، متروك الحديث، انظر: تهذيب التهذيب (10/32) والهيثمي في مجمع الزوائد، باب العدة (5/2) قال: وفيه المثنى بن الصباح وثقة ابن معين وضعفه الجمهور، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (15/410) ح رقم (21007) .
(3)
هي: سبيعة بنت الحارث الأسلمية زوجة سعد بن خولة قال ابن عبد البر: روي عنها فقهاء المدينة، وفقهاء الكوفة، انظر: الإصابة (8/171) ت رقم (11278) وأسد الغابة (6/137) ت رقم (6971) .
(4)
هو: سعد بن خولة القرشي العامري من بني مالك بن حسل بن عامر بن لؤي، وقيل من حلفائهم قال ابن هشام: هو فارسي من اليمن حالف بني عامر، ذكره موسى بن عقبة وابن إسحاق وغيرهما في البدريين، توفي في حجة الوداع.
انظر: الإصابة (3/45) ت رقم (3152) وأسد الغابة (2/191) ت (1983) .
(5)
صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الطلاق باب (وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن) ح رقم (5320) وورد بألفاظ أخرى. انظر: ح رقم (5318)(5319) وصحيح مسلم مع شرح النووي، كتاب الطلاق، باب انقضاء عدة المتوفى عنها زوجها، ح رقم (1484) ، (1485) .
وقد روي عن علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهم أن الحامل تعتد بأبعد الأجلين، فإذا وضعت قبل مضي أربعة أشهر وعشر تربصت إلى انقضائها وإن انتهت أربعة أشهر وعشر قبل الوضع تربصت إلى الوضع.
وذلك للجمع بين عدة الوفاء أربعة أشهر وعشر، وبين عدة الحامل بوضع الحمل (1) .
ونوقش هذا بما يلي:
1-
ما روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه منقطع، وعلى هذا ففي صحته عنه نظر.
2-
وما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قد رجع عنه لما بلغه حديث سبيعة الأسلمية السابق الذكر (2) .
وعلى هذا يتحقق الإجماع على أن عدة الحامل تنقضي بوضع الحمل.
3-
وعلى فرض صحة هذا القول عنهما، فإن حديث سبيعة الأسلمية نص في أنها تنقضي عدة الحامل بوضع الحمل، وهذا حجة لا يمكن التخلص عنه بوجه من الوجوه (3) والله أعلم.
الحالة الثانية: أن تكون غير حامل.
اتفق الفقهاء (4) رحمهم الله تعالى في هذه الحالة أن عدة الحرة (5) صغيرة كانت أم كبيرة مدخول بها أم لا، أربعة أشهر وعشر.
(1) المبسوط (6/31) والتمهيد (20/33) وفتح الباري صحيح البخاري (9/592) ونيل الأوطار (6/288) والمغني (11/227) .
(2)
التمهيد (20/33) وشرح الموطأ للزرقاني (3/286) والمغني (11/227) وأحكام القرآن للجصاص (3/612) .
(3)
نيل الأوطار (6/289) .
(4)
المبسوط (6/30) والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (2/475) وروضة الطالبين (8/398) وكشاف القناع (4/362) والمحلى بالآثار (10/62) .
(5)
عدة الأمة نصف الحرة، ونقل الإجماع على ذلك غير واحد من أهل العلم. انظر: أحكام القرآن للجصاص (1/503) .
جاء في بداية المجتهد: اتفق المسلمون على أن عدة الحرة من زوجها الحر أربعة اشهر وعشرا (1) .
وفي المغني (أجمع أهل العلم أن عدة الحرة المسلمة غير ذات الحمل من وفات زوجها أربعة أشهر وعشرا، مدخول بها، أو غير مدخلو بها، كبيرة بالغة أو صغيرة لم تبلغ)(2) .
والأدلة على ذلك ما يلي:
1-
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234] .
2-
وعن أم حبيبة (3) رضي الله عنها قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا)(4) .
واختلفوا في ابتداء العدة في هذه الحالة هل يكون من حين وفاة الزوج أم من حين علم الزوجة بوفاته إلى ثلاثة أقوال:
القول الأول:
أنها تعتد من يوم الوفاة وإن لم تعلم بالوفاة حتى مضت العدة لم يكن عليها شيء، وبهذا قال الأئمة الأربعة وغيرهم (5) ونقل بعضهم الإجماع على ذلك.
(1) بداية المجتهد (2/99) .
(2)
المغني (11/223) وانظر: المبدع (8/112) وحاشية الروض المربع (7/79) .
(3)
هي: رملة بنت أبي سفيان، واسم أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية القرشية الأموية زوج النبي صلى الله عليه وسلم تكني أم حبيبة واشتهرت بذلك وقيل: اسمها هند ورملة أصح. أسلمت قديما وهاجرت إلى الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش فتنصر ومات هناك فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبها إلى النجاشي فوكلت في زواجها خالد بن سعيد بن العاص، وقيل عثمان بن عفان، فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي بالحبشة، روت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث عدة، توفيت سنة 44 هـ وقيل: غير ذلك. انظر الإصابة (8/140) . ت رقم (11191) وأسد الغابة (6/115) ت رقم (6924) .
(4)
صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الطلاق باب تحد المتوفى عنها أربعة أشهر وعشرا، ح رقم (5334) وصحيح مسلم مع شرح النووي، كتاب الطلاق باب وجوب الحداد في عدة الوفاة ح رقم (1486) .
(5)
المبسوط (6/31) والاختيار للموصلي (3/174) والمدونة (2/429) ومواهب الجليل (5/489) والأم (5/216) والحاوي الكبير (11/221) والمغني (11/307) وحاشية الروض المربع (7/71) .
جاء في التمهيد (أجمعوا على أن كل معتدة من وفاة تحسب عدتها من وفاة زوجها)(1) .
واستدلوا بما يلي:
1-
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (تعتد المطلقة والمتوفى عنها زوجها منذ يوم طلقت وتوفي عنها زوجها)(2) .
2-
ولأنها لو وضعت حملها انقضت به عدتها وإن لم تعلم بطلاقها، فكذلك سائر أنواع العدد (3) .
3-
ولأن العدة مجرد مضي المدة وذلك يتحقق بدون علمها (4) .
4-
ولأن الوفاة هي السبب في العدة فيعتبر ابتداء العدة من وقت وجود السبب (5) .
القول الثاني: أنها تعتد من حين العلم بموته لا من حين وفاته.
وهذا القول مروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعن الحسن البصري، وقتادة، وابن حزم (6) .
واستدلوا بما يلي:
1-
ما روي أن فريعة (7) بنت مالك قتل زوجها في سفر، فلما علمت بقتله أتت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال لها:(امكثي في البيت الذي أتاك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله) فاعتدت فيه أربعة أشهر وعشرا (8) .
(1) التمهيد (15/99) .
(2)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب العدد، باب العدة من الموت والطلاق والزوج الغائب، ح رقم (15445) وصححه ابن حزم في المحلى (10/123) .
(3)
المغني (11/308) والحاوي الكبير (11/221) .
(4)
المبسوط (6/32) وأحكام القرآن للجصاص (1/504) والأم (5/216) .
(5)
الاختيار للموصلي (3/174) والبحر الرائق (4/243) .
(6)
المبسوط (6/31) وأحكام القرآن للجصاص (1/504) والحاوي الكبير (11/221) والمغني (11/308) والمحلى بالآثار (10/123) .
(7)
هي: فريعة بنت مالك بن سنان الخدرية، أخت أبي سعيد الخدري، ويقال لها: الفارعة شهدت بيعة الرضوان. انظر: أسد الغابة (6/235) ت رقم (7198) والإصابة
…
(8/280) ت رقم (11628) .
(8)
أخرجه الإمام أحمد في المسند ج (18/422) ح رقم (26966) والحاكم في المستدرك كتاب الطلاق ح رقم (2833) وقال: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. انظر: التلخيص بهامش المستدرك (2/226) ورواه الترمذي في صحيحه مع عارضة الأحوذي، كتاب الطلاق باب ما جاء أين تعتد المتوفى عنها زوجها ح رقم (1204) وقال: حديث حسن صحيح، وأخرجه أبو داود في سننه، كتاب الطلاق باب المتوفى عنها تنتقل ح رقم (2300) .
وجه الدلالة:
أنه أمرها باستئناف العدة لوقتها ولم يعتبر ما مضى (1) .
ونوقش هذا الاستدلال:
بأنه يحتمل أنه أمرها باستئناف العدة لوقتها، ويحتمل الاستدامة واحتساب ما مضى، فلم يكن فيه مع الاحتمال دليل (2) .
2-
ولأنها مأمورة في العدة بالحداد واجتناب الطيب وعدم الخروج من مسكنها، وهي قبل علمها غير قاصدة لأحكام العدة، فلذلك لم تكن في عدة (3) .
ونوقش هذا: بأن القصد في العدة غير معتبر بدليل أن المجنونة والصغيرة تنقضي عدتها من غير قصد، والحداد الواجب ليس شرطا في العدة فلو تركته قصدا أو من غير قصد لانقضت عدتها (4) .
القول الثالث:
إن علمت الوفاة ببينة اعتدت بما مضى، كالقول الأول، وإن علمت بخبر اعتدت من وقتها كالقول الثاني، وهذا القول مروي عن عمر بن عبد العزيز (5) وراية عن الإمام أحمد (6) .
واستدلوا على علمها بالبينة بما استدل به أصحاب القول الأول، وعلى علمها بالخبر بما استدل به أصحاب القول الثاني.
الترجيح
الذي يظهر أن الراجح هو القول الأول أنها تعتد من يوم الوفاة، لقوة ما استدلوا به ومناقشة أدلة المخالفين. والله أعلم.
(1) الحاوي الكبير (11/221) .
(2)
المرجع السابق.
(3)
الحاوي الكبير (11/221) والمبسوط (6/31) .
(4)
المغني (11/308) والحاوي الكبير (11/221) .
(5)
هو: عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم القرشي الأموي، الإمام العادل العلامة المجتهد الزاهد بويع بالخلافة سنة (99هـ) ، وبقي سنتين وخمسة أشهر نحو خلافة الصديق، ملأ الأرض عدلا ورد المظالم إلى أهلها، توفي مسموما بحمص سنة (101هـ)، انظر: سير أعلام النبلاء (5/114) وتاريخ الخلفاء ص (259) .
(6)
المغني (11/307) والإنصاف (9/294) والحاوي الكبير (11/221) .