الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
نكاح المجاهد في الأسر
اختلف الفقهاء -رحمهم الله تعالى- في نكاح المجاهد في الأسر إلى ثلاثة أقوال:
القول الأول: لا يحل للمجاهد النكاح ما دام في الأسر.
وهذا الظاهر من كلام الإمام أحمد (1) رحمه الله تعالى لما يأتي:
1-
أن الأسير إذا ولد له ولد كان رقيقا للعدو.
2-
أنه لا يأمن أن يطأ العدو امرأته، فيؤدي ذلك إلى اختلاط نسبه (2) .
القول الثاني: يجوز للأسير أن ينكح وهو في الأسر، ولا كراهة في ذلك.
وهذا قول المالكية (3) . لأن الأسير لا يمكنه الخروج من دار الحرب (4) .
ويمكن مناقشة هذا القول من وجهين:
الأول: أن المالكية كرهوا نكاح المسلم المستأمن في دار الحرب حتى لا يبقى ولده في أرض الحرب (5) فكذلك الأسير من باب أولى.
الثاني: أنهم كرهوا وطء الأسير زوجته وأمته في الأسر (6) مع صحة النكاح والملك في الأمة، فكراهية انعقاد العقد في الأسر ابتداء أولى.
القول الثالث: يكره للمجاهد النكاح ما دام في الأسر، إلا إذا خاف على نفسه الوقوع في الزنا فلا بأس أن يتزوج.
(1) المغني (13/148) وأحكام أهل الذمة لابن القيم (2/359) والإنصاف (8/135) .
(2)
المغني (13/148) .
(3)
مواهب الجليل (5/134) والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل (5/134) .
(4)
مواهب الجليل (5/134) .
(5)
المدونة (2/306) .
(6)
بلغة السالك (1/359) ، وحاشية الدسوقي (2/181) .
وهذا رواية عند الحنابلة وشرطوا أن يعزل عنها (1) وهو قول الحنفية (2) والشافعية بناء على أن الأسير مثل المستأمن المسلم في دار الحرب.
واستدلوا على الكراهية بما استدل به أصحاب القول الأول (3) .
وأما الجواز عند خوف الوقوع في الزنا، فلأن التحرز من الزنا فرض ولا يتوصل إليه إلا بالنكاح (4) .
الترجيح
الذي يظهر رجحان القول الأول، أنه لا يباح له النكاح ما دام في الأسر حتى لا يكون ولده رقيقا، ولا يختلط نسبه، فإن خاف على نفسه الوقوع في الزنا جاز له للضرورة، ويعزل عنها، والله أعلم.
(1) أحكام أهل الذمة (2/359) والإنصاف (8/15) .
(2)
شرح السير الكبير (5/100) .
(3)
راجع نكاح المجاهد في الأسر من الكتاب.
(4)
شرح السير الكبير (5/100) .
المبحث الثالث
وطء (1) الأسير زوجته أو أمته (2) في أرض العدو
سبق ذكر اختلاف الفقهاء رحمهم الله تعالى في نكاح المجاهد في الأسر وهذه المسألة مبنية على ما سبق هناك (3) .
فعند الحنابلة لا يجوز له أن يطأ زوجته أو أمته (4) .
جاء في المغني: سئل الإمام أحمد رحمه الله تعالى عن أسير أسرت معه امرأته، أيطأها؟.
فقال: كيف يطأها، ولعل غيره منهم يطأها (5) .
ولأن الأسير إذا ولد له ولدا كان رقيقا (6) .
وذهب المالكية إلى جواز وطء الأسير زوجته أو أمته مع الكراهية، على أن يتيقن سلامتها من وطء العدو (7) .
ووجه الجواز: أن سبي العدو لا يهدم نكاحنا، ولا يبطل ملكنا (8) .
ووجه الكراهية، حتى لا يبقى الولد في أرض العدو فيسترق وتفسد أخلاقه (9) .
(1) الوطء: جماع الزوجة، وطئ زوجته وطأ جامعها، انظر: المصباح المنير ص (644) مادة (وطئ) والمعجم الوسيط (2/1041) .
(2)
الأمة: خلاف الحرة والجمع إماء. انظر: المطلع على أبواب المقنع ص (61) .
(3)
راجع نكاح المجاهد في الأسر.
(4)
المغني (13/148) والإنصاف (8/14) .
(5)
المغني (13/148) .
(6)
المرجع السابق.
(7)
حاشية الدسوقي (2/181) وبلغة السالك (1/359) والذخيرة (3/392) وقالوا: إن ظن أو شك في وطء الكافر لها فلا يجوز له وطؤها إلا بعد الاستبراء، ولا تصدق المرأة في دعواها عدم الوطء.
(8)
المراجع السابقة.
(9)
المراجع السابقة.
وأما الحنفية (1) والشافعية (2) فبناء على قولهم في المسلم المستأمن في دار الحرب أنه يجوز له أن يطأ زوجته أو أمته مع الكراهة، فكذلك الأسير يجوز له وطء زوجته أو أمته مع الكراهة.
جاء في المبسوط: (أكره للرجل أن يطأ أمته أو امرأته في دار الحرب مخافة أن يكون له فيها نسل فيتخلق ولده بأخلاق المشركين)(3) .
الترجيح
الذي يظهر أن الراجح هو: قول الحنابلة أنه لا يجوز للأسير أن يطأ زوجته أو أمته لما سبق من التعليلات القوية، فإن خاف على نفسه الزنا جاز له الوطء للضرورة، على أن يعزل عنها حتى لا يلد له ولد فيكون رقيقا (4) والله أعلم.
(1) شرح السير الكبير (5/100) والبحر الرائق (5/167) .
(2)
الأم (4/266) ومغني المحتاج (4/312) .
(3)
المبسوط (10/74) .
(4)
أحكام أهل الذمة (2/359) .