الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجه الدلالة من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم (الله أكبر خربت خيبر) فهذا دليل على مشروعية التكبير (1) عند لقاء العدو.
ولأن ذكر الله فيه طمأنينة للنفوس المؤمنة، ورهبة في النفوس الكافرة.
وبهذا يتقرر أن الإيمان بالله والتوكل عليه وطلب النصر منه على العدو والثقة بأن الله ناصر عباده المؤمنين، أعظم وأقوى سلاح للمؤمن المجاهد في مواجهة العدو، وهذا سر انتصار المسلمين على العدو في مواطن كثيرة رغم كثرة العدو عددا وعدة وقدرة على القتال، كما حصل في بدر وغيرها.
قال تعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249] .
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7] .
فعلى المجاهدين في سبيل الله أن لا ينبهروا بما وصل إليه الأعداء من أنواع الأسلحة المدمرة في هذا العصر، والجيوش الجرارة فيخافوا ويستسلموا وإنما عليهم إعداد العدة المادية مقرونة بالإيمان بالله والتوكل عليه وطلب النصر منه وحده، وهم بذلك سينتصرون على قوى الشر مهما عظمت بإذن الله، والله أعلم.
الفرع الثاني
علاقة القادة بالجند واتباع الخطط المرسومة
الترابط بين القادة والجند واتباع الخطط المرسومة من الأمور المهمة في تحقيق النصر على العدو بعد توفيق الله تعالى.
ولبيان هذه العلاقة ينبغي أن نذكر - بشيء من الإيجاز - بعض ما يجب على القائد نحو جنده، والعكس فيما يلي:
(1) فتح الباري (6/166) ومشارع الأشواق (1/264) .
أولا: في جانب القائد:
1-
يجب على القائد تقوى الله وحماية نفسه وجنده من الوقوع في المعاصي صغيرها وكبيرها، والحرص على فعل الطاعات من الفرائض، والنوافل.
عن بريدة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمرَّ أميرًا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرا)(1) .
2-
يجب على القائد أن يتحرى العدل في التعامل مع جنده (2) .
يدل على ذلك:
أ- قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ} [النحل: 90] .
فالعدل مأمور به والقادة يدخلون في الأمر.
ب- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن المقسطين عند الله على منابر عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا)(3) .
فمن أقام العدل بين جنوده ملكهم، وتألف قلوبهم، وترابطوا أجساما وقلوبا وسمعا وطاعة، ونفذوا كل ما يطلب منهم، وبالعكس تنكسر قلوبهم وينحل ترابطهم فيخذلونه عند الحاجة إليهم (4) .
(1) سبق تخريجه.
(2)
المغني لابن قدامة (13/36) .
(3)
صحيح مسلم بشرح النووي، كتاب الإمارة باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم، ح رقم (1827) .
(4)
المغني (13/36) .
3-
ينبغي للقائد مشاورة أهل الرأي منهم (1) .
قال تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}
…
[آل عمران: 159] .
ففي المشورة تطييبا لقلوبهم (2) واستفادة من خبراتهم في القتال.
4-
الاهتمام بشئون الجند ومراعاتهم، والرفق بهم، والمحافظة على أرواحهم فلا يعرضهم لما فيه الهلاك (3) .
وإذا شعر الجند بهذا الاهتمام من القائد كانت العلاقة بينهم وبين قائدهم أكثر ترابطًا وقوةً، وكانوا لتنفيذ الأوامر الصادرة لهم من قائدهم أسرع وأتقن.
ثانيا: في جانب الجند:
1-
يلزم الجند طاعة قائدهم ما لم يأمرهم بمعصية (4) يدل على ذلك ما يلي:
أ- قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] .
فالأمر في الآية عام لجميع المؤمنين ومنهم الجند مع القائد.
ب- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني، ومن يعص الأمير فقد عصاني)(5) .
ج- عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «السمع والطاعة حق ما لم يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» (6) .
(1) المغنى (13/36) وزاد المعاد (3/302) وكشاف القناع (2/390) .
(2)
كشاف القناع (2/391) .
(3)
المبسوط (10/4) والأم (4/169) والمغني (13/16) وكشاف القناع (2/370) .
(4)
المبسوط (10/4) وبدائع الصنائع (6/61) والأحكام السلطانية ص 100 وكشاف القناع (2/393) .
(5)
سبق تخريجه.
(6)
سبق تخريجه.
ومما تقدم يتضح أن طاعة القائد واجبة ما لم يأمر بمعصية، وبطاعته يتحقق النصر بإذن الله ويسير الجند على الخطط المرسومة من قبل القادة.
وعدم طاعة القائد وعدم الالتزام بالخطط المرسومة منه تؤدي إلى الهزيمة والفوضى في صفوف الجند فيسهل على العدو تمزيقهم والقضاء عليهم.
وما أصاب المسلمين في غزوة أحد أقوى دليل على خطورة معصية القائد، وعدم اتباع الخطط المرسومة منه، حيث خالف الرماة أمر النبي صلى الله عليه وسلم فظهر المشركون على المسلمين وقتلوا منهم سبعين قتيلا (1) .
2-
ومما يلزم الجند النصح للقائد (2) .
يدل على ذلك ما جاء عن تميم الداري (3) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)(4) .
وجه الدلالة: أن قائد الجند داخل في أئمة المسلمين فيجب النصح له، ولأنهم بنصحه ينصحون للمسلمين، ولأنه يدافع عنهم فإذا نصحوه كثر دفعه عنهم (5) .
فإذا تحققت هذه الأمور بين القائد والجند حصل الترابط والتآلف بينهم، وساد الاحترام، وعرف كل منهم ما يجب عليه، ومن ثم يكون النصر حليفهم والتفوق على العدو نصيبهم، بإذن الله عز وجل، والله أعلم.
(1) صحيح البخاري مع الفتح، كتاب المغازي باب غزوة أحد ح رقم (4043) .
(2)
كشاف القناع (2/393) والأحكام السلطانية ص 101.
(3)
هو: تميم بن أوس بن حارثة، وقيل: خارجة الداري مشهور في الصحابة، قدم المدينة فأسلم وغزا مع النبي صلى الله عليه وسلم انتقل إلى الشام بعد قتل عثمان، كان كثير التهجد، توفي بالشام سنة 40 هـ. انظر: الإصابة (1/487) ت رقم (838) وتهذيب التهذيب
…
(1/449) .
(4)
صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الإيمان باب قول النبي صلى الله عليه وسلم الدين النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين ح رقم (57) وصحيح مسلم بشرح النووي كتاب الإيمان باب بيان أن الدين النصيحة ح رقم (65) واللفظ له.
(5)
كشاف القناع (2/393) .