الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثالث
النفل في الماضي والحاضر
أولا: في الماضي
كان النفل يعطي من الغنيمة كأن يقال: خذ يا فلان هذا الدينار أو البعير مثلا، أو مما سيغنم من الكفار كأن يقال: من قتل قتيلا فله سلبه، أو من فعل كذا فله كذا.
وقد سبقت الأدلة على ذلك كما في حديث قتادة وعبادة وحبيب بن سلمة (1) ، وقد يكون التنفيل من مال المصالح المرصدة في بيت مال المسلمين (2) ، إذا تقرر هذا فإن الفقهاء رحمهم الله تعالى اختلفوا في مسألتين.
المسألة الأولى: هل النفل من أربعة أخماس الغنيمة أم من الخمس (3) ؟
المسألة الثانية: ما مقدار النفل؟
المسألة الأولى
هل النفل من أربعة أخماس الغنيمة أم من خمسها فقط
اختلف الفقهاء رحمهم الله تعالى إلى قولين:
القول الأول: أن النفل من أربعة أخماس الغنيمة:
(1) راجع: حكم النفل ص (473) .
(2)
روضة الطالبين (6/369) .
(3)
ذكر في شرح صحيح مسلم ثلاثة أقوال هي: النفل من كامل الغنيمة أم من أربعة أخماس الغنيمة أم من الخمس؟
وبعضهم قال: هل النفل من أربعة أخماس الغنيمة أم من الخمس أم من خمس الخمس؟ والذي يظهر أن الخلاف ينحصر في قولين: هما: النفل من أربعة أخماس الغنيمة أم من الخمس؟ وهذا الذي تؤيده الأدلة، وسيأتي بيان ذلك. وانظر: شرح صحيح مسلم (11/299) .
وبهذا قال الحنفية قبل إحراز الغنائم (1) والحنابلة (2) وابن حزم (3) .
واستدلوا بما سبق من حديث عبادة وحبيب بن سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم (نفل الربع والثلث بعد الخمس)(4) .
ووجه الدلالة: أن الربع والثلث لا يتصور إخراجها من الخمس (5) فلزم أن يكون النفل من أربعة أخماس الغنيمة.
القول الثاني: أن النفل يكون من الخمس.
وبهذا قال الحنفية إذا أحرزت الغنائم (6) وهو قول المالكية (7) والصحيح من أقوال الشافعية (8) واستدلوا بما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية قبل نجد فكنت فيها فبلغت سهامنا اثنا عشر بعيرا ونفلنا بعيرا بعيرا فرجعنا بثلاثة عشر بعيرا)(9) .
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى كل منهم سهمه من الغنيمة ثم نفلهم من الخمس بعيرا بعيرا.
ونوقش استدلالهم بحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن ذلك محمول على أنه نفلهم من أربعة أخماس الغنيمة وليس من الخمس ويتعين حمل الخبر على هذا، لأنه لو أعطى جميع
(1) فتح القدير (5/249) والبحر الرائق (5/158) وشرح السير الكبير (2/121) .
(2)
المغني (13/60) .
(3)
المحلى بالآثار (5/406) .
(4)
سبق تخريجه في حكم النقل.
(5)
المغني (13/60) .
(6)
المراجع السابقة.
(7)
المدونة (2/30) والكافي في فقه أهل المدينة المالكي (1/476) والمعونة (1/607) .
(8)
روضة الطالبين (6/369) ومشارع الأشواق (2/1050) والأم (4/143) .
(9)
سبق تخريجه في أحكام النقل.
الجيش لم يكن ذلك نفلا، وكان قد قسم لهم أكثر من أربعة أخماس الغنيمة وهو خلاف قوله تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفال: 41] .
وخلاف الأخبار الدالة على أن للجنود أربعة أخماس الغنيمة (1) .
الترجيح
الذي يظهر رجحان القول الأول أن النفل يكون من أربعة أخماس الغنيمة لما سبق من الأدلة. والله أعلم.
المسألة الثانية
مقدار ما ينفل؟
اختلف الفقهاء- رحمهم الله تعالى- في مقدار ما ينفل إلى قولين:
القول الأول: لا يجوز أن ينفل أكثر من الثلث نص عليه أحمد (2) وهو قول الجمهور من العلماء (3) واستدلوا بما سبق من حديث عبادة بن الصامت، وحبيب بن مسلمة (أن النبي صلى الله عليه وسلم نفل الربع بعد الخمس والثلث بعد الخمس)(4) .
ووجه الدلالة: أن نفل النبي صلى الله عليه وسلم انتهى إلى الثلث فينبغي أن لا يتجاوزه (5) .
القول الثاني: أنه لا حد للنفل، وهذا قول الشافعية (6) .
(1) المغني (13/60) ومعالم السنن (2/270) .
(2)
المغني (13/55) .
(3)
المغني (13/55) والمحلى بالآثار (5/407) ومعالم السنن (2/270) .
(4)
سبق تخريجه في أحكام النقل.
(5)
المغني (13/55) والمحلى بالآثار (5/407) .
(6)
روضة الطالبين (6/369) ومعالم السنن (2/270) .
ووجه هذا القول: أن النفل راجع إلى اجتهاد الإمام فله أن ينفل ما يراه مناسبا ويجعله بقدر العمل وخطره (1) .
ونوقش بأن هذا متناقض مع قول الشافعية أن النفل لا يكون إلا من الخمس، أو من خمس الخمس (2) .
الترجيح
الذي يظهر رجحان القول الأول أنه لا يتجاوز بالنفل الثلث، لأن الأدلة لم تزد على الثلث. والله أعلم.
ثانيا: النفل في الحاضر:
إذا تميز أحد أفراد الجيش في هذا العصر في قتال العدو فإن الإمام أو القائد ينفله رتبة عسكرية، أو وسام (3) وقد يكون مع ذلك مبلغا من المال، ولا علاقة لهذا النفل بشيء من الغنائم، أو الفيء، وإنما يكون ذلك من ميزانية الجهة المسئولة عن هذا الجيش، والله أعلم.
(1) المرجعان السابقان.
(2)
المغني (13/57) .
(3)
القتال في الإسلام ص (250) .