الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع
إذا أطلقه العدو على أن يبقى في ديارهم
إذا أطلق العدو الأسير المسلم بشرط أن يبقى في ديارهم ولا يخرج منها ولا يخونهم في شيء من الأموال والأنفس.
اختلف الفقهاء رحمهم الله تعالى في الوفاء بهذا الشرط إلى ثلاثة أقوال:
القول الأول: يلزمه الوفاء بالشرط.
وبهذا قال الحنابلة (1) والمالكية في قول (2) .
واستدلوا بما يلي:
1-
عموم قوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91] .
2-
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (المسلمون عند شروطهم)(3) .
القول الثاني يلزمه الوفاء بالشرط في إنه لا يقتل أحد منهم ولا يأخذ شيئا من أموالهم ولا يلزمه الشرط في البقاء في بلادهم، ويجب عليه الخروج من بلادهم، وبهذا قال الحنفية (4) ، والمالكية في قول (5) والشافعية (6) .
واستدلوا بما يلي:
(1) المغني (13/185) وكشاف القناع (2/429) .
(2)
التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل (4/548) وحاشية الخرشي (4/21) .
(3)
صحيح البخاري مع الفتح كتاب الإجارة باب أجرة السمسرة (4/569) .
(4)
شرح السير الكبير (4/306) ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي (3/491) .
(5)
التاج والأكيل بهامش مواهب الجليل (4/548) .
(6)
الأم (4/275) وروضة الطالبين (10/282، 283) .
1-
أن حبسهم إياه في بلادهم ظلم منهم له، ليس بظالم بخروجه من أيديهم (1) .
2-
ولأن المقام في بلد الحرب حرام فلا يجوز له ذلك ولا يفي بوعدهم (2) .
القول الثالث: لا يلزمه الوفاء بالشرط مطلقا فله أن يهرب ويقتل من قدر عليه منهم ويأخذ أموالهم، وهذا قول عند المالكية (3) وقول الحنفية في حال أمانهم إياه دون أن يؤمنهم هو (4) والمفهوم من كلام ابن حزم أن المواثيق والإيمان التي أعطاهم لا شيء عليه فيها (5) .
واستدلوا على ذلك بما يلي:
1-
أن الأصل في أمره أنه مكره، والمكره لا شيء عليه (6) .
2-
ولأن حبسهم إياه ظلم فلا مانع أن يقاوم الظلم بشتى الوسائل (7) .
الترجيح
الذي يظهر بعد عرض الأقوال أن الأسير إذا أطلقه العدو على أن يبقى في ديارهم لا يخلو أن يكون قادرا على إظهار دينه حرا في تعبده لله عز وجل، أو لا يقدر على إظهار دينه، فهو مضطهد فيه.
(1) الأم (4/275) وشرح السير الكبير (4/306) .
(2)
التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل (4/549) .
(3)
التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل (4/548) وحاشية الخرشي (4/21) .
(4)
شرح السير الكبير (4/306) .
(5)
المحلى بالآثار (5/364) .
(6)
المرجعان قبل الهامشين السابقين.
(7)
شرح السير الكبير (4/306) والمبسوط (10/66) .
فأما الحالة الأولى: إذا قدر على إظهار دينه، فإن القول الأول الذي يلزمه بالوفاء بالشروط التي أطلق من الأسر عليها هو الراجح في حقه.
لما سبق من الأدلة التي تلزمه بالوفاء، ولأن في ذلك مصلحة للأسرى حيث يمكن إطلاقهم إذا وفوا بالشروط المتفق عليها.
ثم في ذلك دعوة إلى الإسلام، فربما بقاؤهم في بلاد الكفار وهم قادرون على إظهار دينهم أولى من خروجهم، لأنهم بذلك يستطيعون نشر الإسلام وإظهاره.
أما إن كان الأسير الذي أطلق ليبقى في بلاد الكفار لا يقدر على إظهار دينه ومضطهدا فيه، فإن الراجح في حقه في هذه الحالة أن يخرج من بلاد الكفر هربا بدينه.
ولا يجوز له أن يقتل أحدا منهم ولا أن يأخذ من أموالهم شيئا وفاء بالشروط ما أمكن إلى ذلك سبيلا، وعلى هذا يترجح في هذه الحالة القول الثاني فلا يقتل أحدا منهم ولا يأخذ شيئا من أموالهم ولا يلزمه البقاء في بلادهم.
أما القول الثالث:
فيمكن حمله على ما إذا منعوه من الخروج وهو غير قادر على إظهار دينه فله أن يقتل من يمنعه من الخروج ويأخذ ماله، وأما غير ذلك فلا يجوز لما سبق من وجوب الوفاء بالشروط، والله أعلم.