الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني
في أحكام الفيء
وفيه فرعان
الفرع الأول: حكم أخذ الفيء
.
الفرع الثاني: قسمة الفيء على الجنود في الماضي والحاضر.
الفرع الأول
حكم أخذ الفيء (1)
لا خلاف بين الفقهاء (2) رحمهم الله تعالى - فيما أعلم - على جواز أخذ الفيء.
والأصل في ذلك ما يلي:
1-
2-
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة وكان ينفق على أهله نفقة سنته، ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله)(3) .
(1) الفيء في اللغة. الرجوع انظر: لسان العرب (1/126) مادة (فيأ) .
وعند الفقهاء: ما أخذ من أموال الكفار بغير قتال. انظر المبسوط (10/7) والكافي في فقه أهل المدينة المالكية (1/477) والأم (4/139) وكشاف القناع (2/420) .
(2)
بدائع الصنائع (6/87) والمعونة (1/618) والأم (4/139) وشرح صحيح مسلم (12/313) وكشاف القناع (2/420) .
(3)
صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الجهاد والسير، باب المجن ومن يترس بترس صاحبه، ح رقم (2904) .
الفرع الثاني
قسمة الفيء بين الجنود في الماضي (1) والحاضر (2) .
أولا: في الماضي:
اختلف الفقهاء رحمهم الله تعالى في الجهة التي يصرف فيها الفيء إلى قولين:
القول الأول: أن الفيء لجميع المسلمين ويدخل الجنود فيه دخولا أوليا فيعطون منه ما يكفيهم وهذا قول الجمهور (3) .
واستدلوا بما يلي:
1-
قال عمر رضي الله عنه لما قرأ هذه الآيات: (استوعبت المسلمين)(4) .
وقال أحمد رحمه الله: (فيه حق لكل المسلمين)(5) .
(1) ما كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده ومن جاء بعدهم من سلف الأمة حين كان الجهاد قائما والمسلمون يتطوعون للجهاد في سبيل الله وقبل وجود التنظيمات العسكرية الموجودة الآن، وحدد بعضهم إلى دولة بني العباس. انظر: العلاقات الدولية في الإسلام د/ وهبة الزحيلي ص 83.
(2)
المراد العصر الذي نعيش فيه الآن وما وجد فيه من التنظيمات العسكرية التي تعتبر الانخراط في السلك العسكري مهنة لا يحق للعسكري ممارسة غيرها.
(3)
بدائع الصنائع (6/88) والمعونة (1/618) وبداية المجتهد (1/406) وروضة الطالبين (6/358) الأحكام السلطانية ص 228 وكشاف القناع (2/420) والشرح الممتع (8/44) وحاشية الروض المربع (4/291، 293) .
(4)
كشاف القناع (2/420) والكافي في فقه الإمام أحمد (4/195) .
(5)
كشاف القناع (2/420) .
2-
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب، فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، وكان ينفق على أهله نفقة سنته، ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله)(1) .
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم اختص بأموال الفيء أنفق منها على نفسه وأهله، وجعل الباقي في مصالح المسلمين، من تأمين السلاح وعدة القتال في سبيل الله، وهكذا من ولى أمر المسلمين يأخذ منها نفقته، والباقي لمصالح المسلمين.
القول الثاني: أن الفيء يخمس كالغنيمة، فخمس يصرف في مصرف خمس الغنيمة، كما جاءت بذلك الآية في قوله تعالى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الأنفال: 41] .
وأربعة أخماس الفيء للجنود لا يشاركهم فيه أحد.
وهذا أظهر الأقوال عند الشافعية (2) وقول عند الحنابلة (3) .
واستدلوا بما يلي:
1-
قوله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [الحشر: 7] .
ووجه الدلالة: أن هذه الآية مطلقة وآية الغنيمة مقيدة: {واعلموا- وابن السبيل} [الأنفال: 41] .
فيحمل المطلق على المقيد جمعا بينهما لاتحاد الحكم وهو رجوع المال من المشركين إلى المسلمين، وإن اختلف السبب بالقتال وعدمه، كما حملت الرقبة في الظهار على المؤمنة في كفارة القتل (4) .
(1) سبق تخريجه.
(2)
روضة الطالبين (6/355) والأحكام السلطانية ص 227 ومغني المحتاج (4/149) .
(3)
كشاف القناع (2/421) وحاشية الروض المربع (4/293) والشرح الكبير (5/585) .
(4)
مغنى المحتاج (4/146) .
2-
ولأن المقاتلة أولى الناس بالفيء لأنه لا يحصل إلا بهم (1) .
ويمكن مناقشة هذا بما يلي:
1-
أن الغنيمة تختلف عن الفيء فالغنيمة مال أخذ بالقتال والقهر والغلبة والفيء بدون ذلك.
2-
أن الله تعالى أضاف الفيء إلى أهل الخمس، كما أضاف خمس الغنيمة إلى أهله، فإيجاب الخمس في الفيء فيه منع لما جعله الله لهم بغير دليل (2) .
الترجيح
الذي يظهر أن الجميع متفقون على إعطاء المجاهدين من الفيء إلا أن الجمهور يعطونهم اشتراكا مع عامة المسلمين ويقدمونهم على غيرهم في العطاء بالأولوية.
أما الشافعية في الأظهر عندهم ورواية عند الحنابلة، فإنهم خصصوا لهم أربعة أخماس الفيء دون غيرهم.
وقول الجمهور أقرب إلى الرجحان، لا اختلاف الفيء عن الغنيمة ولحديث عمر رضي الله عنها في صحيح البخاري (أن أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم فكانت له خاصة)(3) .
ولو كان الفيء يخمس لفعله النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم.
ثانيا: في الحاضر:
بعد أن أصبح للجند رواتب من جهات مسئولة عنهم، وعن كل ما يحتاجون إليه فيمكن القول أن الفيء يذهب إلى المؤسسة المالية للدولة ليصرف منه في حاجات البلاد (4) .
وعلى قول الشافعية في الأظهر عندهم ورواية الحنابلة أن أربعة أخماس الفيء للجند فإن الخمس يذهب إلى المؤسسة المالية للدولة، أما أربعة أخماس الفيء فتذهب إلى ميزانية الجهة المسئولة عن الجند. والله أعلم.
(1) حاشية الروض المربع (4/293) .
(2)
كشاف القناع (2/420) .
(3)
سبق تخريجه.
(4)
القتال في الإسلام ص (251) .