الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس
تصرف المجاهد ببيع شيء من الغنيمة
لا أعلم خلافا بين الفقهاء (1) رحمهم الله تعالى أنه يجوز للمجاهد بيع نصيبه من الغنائم بعد القسمة. لأن ذلك أصبح ملكه، وهو بالغ عاقل مختار جائز التصرف، ولا أعلم خلافا كذلك، أنه لا يجوز للمجاهد بيع شيء من الغنيمة قبل قسمتها بين المجاهدين (2) .
يدل على ذلك ما يلي:
1-
أن صاحب جيش الشام كتب إلى عمر رضي الله عنه أنا أصبنا أرضا كثيرة الطعام والعلف وكرهت أن أتقدم في شيء من ذلك إلا بأمرك فكتب إليه عمر رضي الله عنه (دع الناس يعلفون ويأكلون، فمن باع منهم شيئا بذهب أو فضة، ففيه خمس الله وسهام المسلمين)(3) .
2-
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه نهى عن بيع الغنائم حتى تقسم..)(4) .
(1) بدائع الصنائع (6/98) والحاوي الكبير (14/160) ورحمة الأمة في اختلاف الأئمة ص 262 والمغني (13/36) .
(2)
اللباب في شرح الكتاب (4/122) وحاشية ابن عابدين (6/231) والمدونة (2/37) والكافي في فقه أهل المدينة (1/472) والأم (4/262) والحاوي الكبير (14/169) والمغني (13/127) والمحلى بالأثار (5/408) .
(3)
السنن الكبرى للبيهقي كتاب السير باب بيع الطعام في دار الحرب، ح رقم (18002) .
(4)
أخرجه الإمام أحمد في المسند ج (9/346) ح رقم (9871) وأبو داود في سننه كتاب البيوع باب في بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، ح رقم (3369) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، انظر: المستدرك كتاب البيوع ح رقم (2336) والتلخيص للذهبي بهامش المستدرك.
3-
ولأنه بيع مال الغنيمة بغير ولاية ولا نيابة فيجب رد المبيع ونقض البيع (1) .
إذا تقرر هذا فهل يجوز للإمام، أو نائبه التصرف في بيع الغنائم أو شيء منها قبل القسمة؟ ذهب جمهور الفقهاء (2) إلى أن للإمام أو نائبه التصرف في بيع الغنائم أو شيء منها قبل القسمة، لأن قسمة الغنائم موكلة إلى الإمام، أو نائبه وإذا رأى أن المصلحة في بيعها وكان باجتهاد منه نفذ ما ذهب إليه باجتهاده.
إلا أنهم قالوا: لا يجوز له أن يشتري شيئا من الغنائم لنفسه لما يأتي:
1-
أنه قد يحابي (3) ولذا رد عمر رضي الله عنه ما اشتراه ابنه عبد الله في غزوة جلولاء (4) وقال: (إنه يحابي)(5) .
2-
ولأنه هو البائع أو وكيله فكأنه يشتري من نفسه أو وكيل نفسه (6) . وذهب بن حزم، إلى أنه لا يجوز بيع الغنائم مطلقا؛ لأنه لم يأت نص بيعها، وإنما جاءت النصوص بالقسمة بينهم (7) .
الترجيح
الذي يظهر أن الراجح قول الجمهور، لأن قسمة الغنائم مؤكلة إلى الإمام أو نائبه وقد يرى أن الغنائم إذا قسمت أعيانا تكون مشغلة للمجاهدين وتحتاج إلى رعاية ونقل، فيبيعها ويقسم بينهم الثمن، وفي هذا رفع لمشقة نقل الغنائم، وأقرب إلى العدل بين المجاهدين في القسمة. والله أعلم.
(1) المغني (13/172) وبدائع الصنائع (6/100) .
(2)
بدائع الصنائع (6/97) وشرح السير الكبير (3/168) وحاشية الخرشي (4/61) والذخيرة (3/424) والمغني (13/137) ولم أجد للشافعية قول في ذلك حسب ما اطلعت عليه.
(3)
بسامح: انظر: المصباح المنير ص 120 مادة (حبا) .
(4)
معركة وقعت بين المسلمين والفرس سنة 16 هـ انتصر فيها المسلمون، وسميت جلولاء لأن القتلى من العدو جللوا وجه الأرض. انظر: البداية والنهاية (7/74) .
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف كتاب التاريخ، باب في القادسية وجلولاء ج (8/18) .
(6)
المغني (13/38) وشرح السير الكبير (3/169) .
(7)
المحلى بالآثار (5/408) .