الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أسهما فنحر بها نفسه، فاشتد رجال من المسلمين، فقالوا يا رسول الله، صدق الله حديثك، انتحر فلان فقتل نفسه، فقال: قم يا فلان (1) فأذن أنه لا يدخل الجنة إلا مؤمن، إن الله يؤيد الدين بالرجل الفاجر) (2) .
المطلب الثالث
قتل المجاهد نفسه في الأسر
القول في هذا المطلب كالقول في المطلب السابق، وهو قتل المجاهد نفسه في المعركة.
فإن قتل الأسير نفسه خطأ لم يكن عليه شيء، ويرجى له الشهادة في سبيل الله.
وإن قتل نفسه عمدا، للخوف من التعذيب في الأسر فقد فعل محرما وكبيرة من كبائر الذنوب يستحق العقاب على ذلك، وقد سبق ذكر الأدلة من الكتاب والسنة فلا حاجة لذكرها هنا (3) .
أما إن قتل نفسه عمدا، لأنه يعذب من أجل الإفضاء بأسرار المجاهدين وكشف خطط الجيش ومواقع السلاح، فقد ذهب بعض من كتب عن الجهاد حديثا إلى أنه يجوز للأسير أن يقتل نفسه عمدا، حتى يحفظ أسرار المجاهدين (4) .
واستشهدوا على ذلك بأقوال الفقهاء على جواز أن يلقي المجاهد بنفسه على العدو وإن كان يعلم أنه مقتول لا محالة، لأنه يرى في ذلك خيرا للمسلمين (5) .
وكذلك بما جاء عن ابن قدامة في المغني: أن المحاربين لو ألقوا على مركب المجاهدين نارا فاشتعلت فيه وأيقنوا بالهلاك فإن لهم أن يبقوا في المركب حتى يموتوا ولهم أن يلقوا بأنفسهم في الماء ليموتوا غرقا (6) .
(1) المردا به: بلال بن رباح الحبشي مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم انظر: الإصابة (1/455) ت رقم (736) فتح الباري (7/601) .
(2)
صحيح البخاري مع الفتح، كتاب المغازي، باب غزة خيبر، ح رقم (4204) وصحيح مسلم مع شرح النووي، كتاب الإيمان باب بيان غلط تحريم قتل الإنسان نفسه، ح رقم (111) .
(3)
راجع المطلب الأول.
(4)
الجهاد والفدائية في الإسلام للشيخ حسن أيوب ص (167، 166) والعمليات الاستشهادية في الميزان الفقهي، لنواف هايل تكروري ص (140) .
(5)
شرح السير الكبير (4/309) .
(6)
المغني (13/190) .
وقيد بعضهم الجواز، بأن يكون الأسير يحمل أسرارا مهمة يترتب على كشفها ضرر كبير بالمجاهدين، وأن لا يمكنه المقاومة حتى يقتلوه هم، وأن يكون مقصده من قتل نفسه دفع الضرر عن المسلمين لا الهروب من التعذيب (1) .
والذي يظهر أنه لا وجه لهذا القول. وما استشهدوا به من جواز أن يلقي المجاهد نفسه على العدو وإن كان يعلم أنه يقتل لا وجه له على ما ذهبوا إليه؛ لأن المجاهد في هذه الحالة لم يقتل نفسه بيده، وإنما قتله العدو، ثم أنه قد يلقى بنفسه على العدو وينجو من القتل.
وما ذكروه عن ابن قدامة في المغني، لا وجه له كذلك على ما ذهبوا إليه من جواز قتل الأسير نفسه. لأن موتهم بالنار في السفينة التي أحرقها العدو محقق، فهم انتقلوا إلى الماء طلبا للنجاة لا ليقتلوا أنفسهم، فهم هربوا من سبب شديد إلى سبب أخف قد يكون معه النجاة إذا تقرر هذا، فإن الواجب في حق الأسير أن يقاوم العدو بكل ما يستطيع حتى يقدر عليهم، أو يقتلوه هم بأيديهم، فإن لم يقدر على مقاومتهم فليصبر ويتحمل ويحتسب مهما بلغ تعذيبه وليبشر بالمثوبة والأجر العظيم من الله عز وجل، ولا يكشف للعدو أسرار المجاهدين ومواقعهم وعددهم وعدتهم مهما بالغوا في تعذيبه، وله أن يخبرهم بخلاف الواقع تلميحا وتورية فقد كان صلى الله عليه وسلم (قلما يريد غزوة يغزوها، إلا ورى بغيرها)(2) .
وقال صلى الله عليه وسلم «الحرب خدعة» (3) أو تصريحا إذا اضطروه إلى ذلك، لأنه مكره على الكذب وقد أبيح للمكره على التلفظ بالكفر أن يتلفظ بالكفر وقلبه مطمئن بالإيمان، قال تعالى:{إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ} [النحل: 106] فإذا جاز للمكره على الكفر أن يتلفظ به مع بغضه له وطمأنينة قلبه بالإيمان فكذلك المكره على الكذب.
قال القرطبي: رحمه الله: لما سمح الله عز وجل بالكفر وهو أصل الشريعة عند الإكراه ولم يؤاخذ به، حمل العلماء عليه فروع الشرعية كلها، فإذا وقع الإكراه عليها لم يؤاخذ به ولم يترتب عليه حكم (4) والله أعلم.
(1) العمليات الاستشهادية في الميزان الفقهي لنواف هايل تكروري ص (141) .
(2)
سبق تخريجه.
(3)
سبق تخريجه.
(4)
الجامع لأحكام القرآن (10/161) .