الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثاني
إتلاف الكتب النافعة
لا خلاف بين الفقهاء (1) رحمهم الله تعالى فيما أعلم أنه لا يجوز إتلاف ما وجد من كتبهم مما يحل للمسلمين الاستفادة منه ككتب الطب والحساب والشعر، والأدب ونحو ذلك مما لا مكروه فيه، وهي غنيمة (2) .
ولأن فيها مصلحة ونفعا للمسلمين، وليس فيها ضرر ولا محظور، فإتلافها إتلاف للمال (وقد نهينا عن إضاعة المال)(3) .
وينبغي للإمام أن يدعو إلى من يترجمها (4) .
لأن الحكمة ضالة المؤمن أين ما وجدها فهي له بل هو أحق بها.
المطلب الخامس
قتل الحيوانات
اتفق الفقهاء (5) رحمهم الله تعالى فيما أعلم أنه يجوز قتل كل ما قاتل عليه العدو من الحيوانات في حال الحرب لأن ذلك يؤدي إلى هزيمتهم والظفر بهم (6) .
(1) الأم (4/263) وروضة الطالبين (10/259) والمغني (13/130) .
والمفهوم من كلام الحنفية أنه إذا لم يكن فيها محظور جاز الانتفاع بها فلا يجوز إتلافها، انظر: شرح السير الكبير (3/141) والفتاوى الهندية (2/215) ولم أجد للمالكية قولا في هذا لكن هذا يدخل تحت قاعدة المصلحة والمفسدة وهم يقولون بها.
(2)
الأم (4/263) وروضة الطالبين (10/259) والمغني (13/130) .
(3)
سبق تخريجه.
(4)
الأم (4/263) .
(5)
المبسوط (10/37) وبدائع الصنائع (6/65) والذخيرة (3/409) والمدونة (2/40) والأم (4/259) والمغني (13/144) والمحلى بالآثار (5/345) .
(6)
الأم (4/259) والمغني (13/144) .
جاء في الإنصاف: (ويجوز قتل ما قاتلوا عليه، لأنه يتوصل به إلى هزيمتهم وليس في ذلك خلاف)(1) .
واتفقوا كذلك على أنه يجوز ذبح ما يحل أكله من حيوانات العدو عند الحاجة إلى ذلك (2) .
جاء في المغني: (أما عقر الحيوانات للأكل فإن كانت الحاجة داعية إليه فمباح بغير خلاف)(3) .
واختلفوا فيما عدا ذلك إلى قولين:
القول الأول: يجوز قتل حيوانات العدو إذا عجز المجاهدون عن الانتفاع بها، وبهذا قال الحنفية وقالوا: تحرق بعد القتل (4) والمالكية (5) ورواية عند الحنابلة (6) .
واستدلوا بما يلي:
1-
إن في ترك الحيوانات للعدو دون قتل منفعة لهم يتقوون بها على المسلمين (7) .
2-
إن في قتل حيواناتهم غيظا لهم وكبتا، وهذا أمر مطلوب (8) .
ونوقشت هذه الأدلة:
بأنه لو جاز قتل حيواناتهم من أجل إضعافهم وغيظهم، لكان إضعافهم وغيظهم بقتل نسائهم وأولادهم أشد، وقتل نسائهم وأولادهم لا يجوز (9) .
(1) الإنصاف (4/126) .
(2)
المبسوط (10/37) والذخيرة (3/409) والأم (4/141) والمغني (13/144) والإنصاف (4/126) والمحلى بالآثار (5/345) .
(3)
المغني (13/144) .
(4)
المبسوط (10/37) وبدائع الصنائع (6/65) وفتح القدير (5/221) .
(5)
المدونة (2/40) وحاشية الخرشي (4/25) .
(6)
المغني (13/146) والإنصاف (4/126) .
(7)
المراجع السابقة.
(8)
المبسوط (10/37) .
(9)
الحاوي الكبير (14/191) .
3-
إن هذه الحيوانات مال، والمال يحرم إيصاله إلى العدو بالبيع فتركه لهم بدون عوض أولى بالتحريم (1) .
القول الثاني: لا يجوز قتل حيوانات العدو ومواشيهم ولو خيف أخذهم لها، وبهذا قال الشافعية (2) .
والحنابلة في رواية قال في الإنصاف: إنها المذهب (3) وابن حزم الظاهري (4) .
واستدلوا بما يلي:
1-
وصية أبي بكر رضي الله عنه ليزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه حينما بعثه على رأس جيش إلى الشام قال: (..ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكله..)(5) .
2-
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تصبر (6) البهائم) (7) .
3-
ولأنه حيوان له حرمة فأشبه النساء والأطفال (8) .
ونوقش ما جاء في وصية أبي بكر رضي الله عنه: بأن ذلك النهي محمول على أن بلاد الشام ستفتح وتكون بلد إسلام فلا تعقر الدواب والحيوانات، لأن ذلك إتلاف لمال المسلمين (9) .
(1) المغني (13/146) .
(2)
الأم (4/141) والحاوي الكبير (13/190) .
(3)
المغني (13/144) والإنصاف (4/126) .
(4)
المحلى بالآثار (5/345) .
(5)
سبق تخريجه.
(6)
بضم أوله تحبس لترمى حتى تموت انظر: فتح الباري (9/802) .
(7)
صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الذبائح والصيد، باب ما يكره من المثلة والمصبورة، ح رقم (5514، 5515) وصحيح مسلم بشرح النووي، كتاب الصيد والذبائح، باب النهي عن صبر البهائم، ح رقم (1956) .
(8)
الحاوي الكبير (14/190) والمغني (13/144) .
(9)
فتح القدير (5/221) .
ويمكن مناقشة الاستدلال بحديث أنس رضي الله عنه بأن النهي عن صبر البهائم إنما هو في غير القتال، أما في القتال فيجوز.
الترجيح
الذي يظهر بعد عرض الأدلة ومناقشتها أن القول الأول الذي يجيز قتل الحيوانات هو الأقرب إلى الرجحان. لقوة ما استدلوا به، ولما يحصل من غيظ العدو في قتل هذه الحيوانات. وحتى لا تكون قوة لهم في قتال المسلمين، والله أعلم.
المطلب السادس
إراقة الخمور (1) ونحو ذلك (2)
لم أجد من الفقهاء من خالف في وجوب إراقة الخمور إذا وجدت، وقد نص على إراقتها وإتلافها الشافعية، والحنابلة.
جاء في روضة الطالبين: (إذا دخلنا دارهم غزاة أرقنا الخمور..)(3) .
وفي المغني: (وإن وجدوا خمرا أراقوه..)(4) .
ولم أجد للحنفية والمالكية -حسب ما اطلعت عليه- من كتبهم نصا في ذلك إلا أن منهجهم إزالة الضرر عن المسلمين، والخمور ضرر فتزال، وقد سبق قولهم في الكتب الضارة (5) أنها تتلف لمنع الافتتان بها، فكذلك الخمر من باب أولى، والله أعلم.
(1) التخمير التغطية والخمر ما خمر العقل وهو: المسكر من الشراب، وسميت بذلك لمخامرتها، العقل: انظر: لسان العرب (4/225) مادة (خمر) .
(2)
كالمخدرات بأنواعها.
(3)
روضة الطالبين (10/259) .
(4)
المغني (13/131) .
(5)
راجع: الفرع الأول من المطلب الرابع.