الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثاني
إرث المفقود من غيره قبل الحكم بموته
الأصل حياة المفقود في زمن الانتظار قبل الحكم بموته، فإن مات مورثه في زمن الانتظار فله مع مورثه حالتان:
الحالة الأولى: أن لا يكون للمورث وارث غير المفقود.
وفي هذه الحالة يوقف جميع المال إلى أن يتضح أمر المفقود، لأنه لا يتضرر أحد بوقفه (1) .
الحالة الثانية: أن يكون للمورث ورثة غير المفقود.
اختلف الفقهاء -رحمهم الله تعالى- في الوقف للمفقود في هذه الحالة إلى قولين:
القول الأول: أنه يوقف للمفقود ويعامل الورثة معه بالأضر فمن يسقط سهمه ولا يعطى شيئا حتى يتبين حاله، ومن يقل سهمه على تقدير موته أو حياته يعطى الأقل، وهذا قول جمهور الفقهاء (2) وذلك لمراعاة حق المفقود.
القول الثاني: لا يوقف للمفقود شيء ويعتبر كأنه مات قبل مورثه، لأن الظاهر أنه لو كان حيا لتواصل خبره، ولأن استحقاق الورثة مستيقن فإن تبين أنه كان حيا بعد موت مورثه نقض الحكم وأعطي نصيبه من مال مورثه، وهذا أحد الوجهين في مذهب الشافعية (3) .
(1) التحقيقات المرضية ص (230) والفرائض للاحم ص (173) وروضة الطالبين (6/35) .
(2)
بدائع الصنائع (5/287) وتبيين الحقائق (6/241) والذخيرة (13/22) والشرح الكبير للدردير مع حاشية الدسوقي (4/487) ومغني المحتاج (4/49) وروضة الطالبين (6/35) والمغني (9/188) والإنصاف (7/337)
وفي قول عند الحنابلة، وهو وجه في مذهب الشافعية، يوقف نصيب المفقود على تقدير الحياة، فإن ظهر خلاف ذلك نقض الحكم، لأن الأصل حياته. انظر: المغني (9/188) والإنصاف (7/337) وروضة الطالبين (6/36) والوسيط في المذهب (4/368) .
(3)
الوسيط في المذهب (4/368) وروضة الطالبين (6/36) .
ونوقش هذا القول بما يلي:
1-
أن فيه نقضا للحكم.
2-
أن فيه ضياعا لحق المفقود، لأنه قد لا يجد شيئا مع الورثة بعد القسمة (1) .
وعلى هذا فالراجح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء، أنه يوقف للمفقود ويعامل الورثة معه بالأضر، لأنه أحوط، وأضمن لحق المفقود والورثة، والله أعلم.
إذا تقرر هذا وانتهت مدة انتظار المفقود، وحكم الحاكم بموته فإن له مع ما وقف له من مال مورثه ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يعلم أن المفقود كان حيا حين موت مورثه، ففي هذه الحالة يكون المال الموقوف له يدفع إلى ورثته حين الحكم بموته (2) .
الحالة الثانية: أن يعلم أنه قد مات قبل موت مورثه، ففي هذه الحالة لا يعطى من المال الموقوف شيئا ويعاد إلى ورثة الميت الأول (3) .
الحالة الثالث: أن لا يعلم عنه حياة ولا موت.
اختلف الفقهاء في هذه الحالة فيمن يستحق المال الموقوف للمفقود إلى قولين:
القول الأول: أن المال الموقوف يكون للمفقود فيدفع إلى ورثته، وهذا الصحيح من مذهب الحنابلة (4) لأن الأصل حياة المفقود في مدة الانتظار قبل الحكم بموته (5) .
القول الثاني: أن المفقود لا يستحق شيئا من المال الموقوف له، فيرد إلى ورثة الميت الأول وهذا قول الحنفية (6) والمالكية (7) والشافعية (8) وقول عند الحنابلة اختاره ابن قدامة (9) .
(1) التحقيقات المرضية ص (231) .
(2)
المغني (9/186) والفروع (5/37) ومغني المحتاج (4/49) والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (4/487) .
(3)
المرجع السابق.
(4)
كشاف القناع (3/640) والإنصاف (7/338) وشرح منتهى الإيرادات (2/543) .
(5)
المرجع السابق.
(6)
الاختيار للموصلي (5/114) .
(7)
حاشية الدسوقي (4/488) والتفريع لابن الجلاب (2/336) .
(8)
نهاية المحتاج (6/29) .
(9)
المغني (9/586) .
واستدلوا بما يلي:
1-
أنه لا يعلم أيهما مات أولا المفقود أم مورثه، ولا توريث مع الشك (1) .
2-
أن المفقود في مدة الانتظار ميت في حق غيره، فلا يرث أحدا، واستصحاب حال الحياة لا يصلح حجة لإثبات استحقاقه الإرث (2) .
الترجيح
الراجح القول الأول، أن المال الموقوف يدفع إلى ورثة المفقود.
لأن الأصل حياته قبل الحكم بموته، وموت المفقود في مدة الانتظار قبل مورثه مشكوك فيه فلا يمنع مما أوقف له للشك. والله أعلم.
(1) الاختيار للموصلي (5/114) والمعونة (3/1653) .
(2)
المبسوط (30/54) وتحفة الفقهاء (3/350) .