الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول
التحريق بالنار
اتفق الفقهاء (1) رحمهم الله تعالى - فيما أعلم - أنه يجوز تحريق الكفار بالنار في حال القتال إذا لم يقدروا عليهم بغيرها، وخيف منهم على المسلمين، ولم يكن فيهم أسرى مسلمون (2) .
واستدلوا بما جاء في سنن سعيد بن منصور بإسناده (أن جنادة ابن أبي أمية (3) وعبد الله بن قيس الفزاري، وغيرهما من ولاة البحرين ومن بعدهم، كانوا يرمون العدو من الروم، وغيرهم بالنار، ويحرقونهم، هؤلاء لهؤلاء وهؤلاء لهؤلاء) وفي رواية عن عبد الله بن قيس الفزاري (أنه كان يغزو على الناس في البحر على عهد معاوية وكان يرمي العدو بالنار ويرمونه، ويحرقهم ويحرقونه، وقال: لم يزل أمر المسلمين على ذلك)(4) .
(1) المبسوط (10/31) وفتح القدير (5/197) وبدائع الصنائع (6/62) والمدونة (2/25) وحاشية الخرشي (4/15) والذخيرة (3/408) والأم (4/243) والحاوي الكبير (14/183) وروضة الطالبين (10/244) والمغني (13/139) وكشاف القناع (2/377) والمبدع (3/321) .
وقد ذكره ابن حجر: أن عمرا وابن عباس وغيرهما كرها الإحراق بالنار مطلقا حتى في حال القتال. انظر: فتح الباري (6/185) لكن يمكن حمل هذه الكراهة على كون ذلك في حال القدرة عليهم دون إحراق والله أعلم.
(2)
إذا كان فيهم أسرى مسلمون، فقد سبق الحديث عن ذلك وذكر خلاف الفقهاء في مسألة تترس العدو بأسرى المسلمين.
(3)
هو: جنادة بن أبي أمية الأزدي الدوسي من كبار التابعين، حدث عن معاذ بن جبل وعمر وعبادة وغيرهم، ولي البحرين لمعاوية وشهد فتح مصر ثقة قال ابن يونس: توفي سنة (80) هـ وقيل: غير ذلك. انظر: سير أعلام النبلاء (4/62) وتهذيب التهذيب
…
(2/99) .
(4)
أخرجه سعيد بن منصور في سننه، كتاب الجهاد باب كراهية أن يعذب بالنار ح رقم (2647) ورقم (2648) .
واختلفوا فيما إذا قدروا على العدو بغير التحريق بالنار إلى قولين:
القول الأول: لا يجوز إحراقهم بالنار إذا قدروا عليهم بغيرها.
وبهذا قال المالكية (1) والحنابلة (2) .
واستدلوا: بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعث فقال: (إن وجدتم فلانا، وفلانا (3) فأحرقوهما بالنار، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أردنا الخروج: إني أمرتكم أن تحرقوا فلانا، وفلانا، وأن النار لا يعذب بها إلا الله، فإن وجدتموهما فاقتلوهما) (4) .
وجه الدلالة: أن من ذكر في الحديث مقدور عليهما بغير الحرق بالنار، فلم يجز إحراقهما بالنار وإنما يقتلان بغير الإحراق.
قال ابن حجر: ومحل الحديث إذا لم يتعين التحريق طريقا إلى الغلبة على الكفار حال الحرب (5) . ومفهوم كلامه أنه إذا تعين التحريق طريقا إلى الغلبة على الكفار حال القتال جاز تحريقهم بالنار. القول الثاني: أنه يجوز إحراق العدو بالنار ولو قدروا عليهم بغيرها.
وبهذا قال الحنفية (6) والشافعية (7) .
(1) حاشية الخرشي (4/15) والمدونة (2/7) .
(2)
المغني (13/138) وكشاف القناع (2/377) والمبدع (3/321) .
(3)
هما: هبار بن الأسود ونافع بن عبد قيس وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أسر أبو العاص بن الربيع زوج ابنته زينبت يوم بدر أطلقه من المدينة وشرط عليه أن يجهز له ابنته زينب فجهزها فتبعها هبار ونافع فنخسا بعيرها فأسقطت ومرضت من ذلك، والقصة مشهورة انظر: السيرة النبوية لابن هشام (2/456) وفتح الباري (6/184) .
(4)
صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الجهاد والسير باب لا يعذب بعذاب الله، ح رقم
…
(3016) .
(5)
فتح الباري (6/184) .
(6)
المبسوط (10/32) وبدائع الصنائع (6/62) .
(7)
الأم (4/243) والحاوي الكبير (14/183) وروضة الطالبين (10/244) وهذا مفهوم من إطلاق قولهم في جواز إحراق الكفار دون قيد.
واستدلوا بما يلي:
1-
إن دار الحرب غير ممنوعة بإسلام ولا عهد (1) .
2-
ولأن المقصود كبت العدو وكسر شوكتهم وبالتحريق يحصل ذلك (2) .
3-
ويمكن أن يستدل لهم بما جاء في سنن سعيد بن منصور، وفيه (أن ولاة البحرين ومن بعدهم يرمون العدو من الروم وغيرهم بالنار ويحرقونهم)(3) .
الترجيح
يظهر أن الراجح القول الأول. أنه لا يجوز إحراق العدو بالنار، إلا في حالة الضرورة إلى ذلك بأن لا يقدروا عليهم إلا بحرقهم بالنار، أو من قبيل المعاملة بالمثل.
للحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه وهو في البخاري وغيره، ولأن القتل بغير الإحراق بالنار ممكن، وهدف الجهاد إعلاء كلمة الله، وتأديب من يقف حائلا دون نشر الإسلام، لا التشفي من العدو بالتعذيب بالنار، فلا يصار إلى ذلك إلا عند الضرورة، والضرورة تقدر بقدرها. والله أعلم.
(1) الأم (4/243) .
(2)
فتح القدير (5/197) .
(3)
سبق تخريجه.