الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني
ضمان لقطة دار الحرب
للمجاهد في ضمان لقطة الحرب حالتان:
الحالة الأولى: أن يأخذ اللقطة بنية حفظها وردها إلى صاحبها، أو وضعها في الغنائم إن كانت من مال العدو.
الحالة الثانية: أن يأخذ اللقطة بنية تملكها لنفسها دون تعريف لها، أو وضعها في الغنائم فأما الحالة الأولى. فتشمل أربع صور:
الصورة الأولى: أن يشهد عند أخذ اللقطة فإذا تلفت دون تعدي منه فلا ضمان عليه باتفاق الفقهاء (1) رحمهم الله تعالى فيما أعلم.
جاء في بداية المجتهد (اتفق العلماء على أن من التقطها وأشهد على التقاطها فهلكت عنده أنه غير ضامن)(2) لأنها أمانة في يده كالوديعة (3) .
الصورة الثانية: أن يترك الإشهاد عند أخذ اللقطة، فإذا تلفت عنده دون تعدي منه فلا يخلو أن يترك الإشهاد لعدم إمكانه كأن لا يجد من يشهد، أو يترك الإشهاد مع إمكانه، فأما إن ترك الإشهاد لعدم إمكانه فلا يضمن بالاتفاق، كما في الصورة الأولى (4) .
وأما إن ترك الإشهاد مع إمكانه فقد اختلف الفقهاء إلى قولين:
القول الأول: لا يضمن لترك الإشهاد وبهذا قال جمهور الفقهاء (5) رحمهم الله تعالى واستدلوا: بحديث زيد بن خالد رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة الذهب أو الورق فقال: (اعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها
…
) (6) .
(1) بدائع الصنائع (5/296) واللباب في شرح الكتاب (2/207) والفواكه الدواني (2/285) وبداية المجتهد (2/311) والمجموع مع التكملة (16/171) وروضة الطالبين
…
(5/406) والمغني (8/13) والكافي في فقه الإمام أحمد (2/254) .
(2)
بداية المجتهد (2/311) .
(3)
الفواكه الدواني (2/285) والكافي في فقه الإمام أحمد (2/254) .
(4)
المراجع السابقة والمبسوط (11/12) وفتح القدير (5/350) .
(5)
المبسوط (11/12) وبدائع الصنائع (5/396) وبداية المجتهد (2/311) وحلية العلماء (5/525) والمغني (8/308) .
(6)
صحيح البخاري مع الفتح، كتاب اللقطة باب ضالة الأبل، ح رقم (2427) وصحيح مسلم بشرح النووي، كتاب اللقطة ح رقم 5- (1722) واللفظ له.
وجه الدلالة: أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالتعريف سنة دون الإشهاد على أخذ اللقطة، ولو كان الإشهاد واجبا لبينه صلى الله عليه وسلم للسائل، لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة (1) .
القول الثاني: أنه يضمن لترك الإشهاد، وبهذا قال الحنفية (2) وهو قول عند الشافعية (3) واستدلوا: بحديث عياض بن حمار (4) رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من وجد لقطة فليشهد ذا عدل أو ذوي عدل ولا يكتم ولا يغيب، فإن وجد صاحبها فليردها عليه..» (5) .
وجه الدلالة من الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم أمر بالإشهاد ونهى عن الكتمان، فدل على وجوب الإشهاد عند أخذ اللقطة، وهذا الظاهر من الحديث.
ونوقش هذا الاستدلال: بأن الأمر فيه محمول على الندب والاستحباب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث زيد بن خالد السابق أمر بالتعريف دون الإشهاد، فلو كان الإشهاد واجبا لبينه صلى الله عليه وسلم للسائل، سيما وقد سأل عن حكم اللقطة فلم يكن ليخل بذكر الواجب فيها، فتعين حمل الأمر في حديث عياض على الندب والاستحباب (6) .
الترجيح
الذي يظهر أن الراجح قول الجمهور، أنه لا يجب الإشهاد على أخذ اللقطة، ولا يضمن إن تركه، لأن التعريف يقوم مقام الإشهاد، ولكن يستحب الإشهاد ليصون نفسه عن الطمع فيها. والله أعلم.
(1) المغني (8/308) ونيل الأوطار (5/339) .
(2)
بدائع الصنائع (5/296) واللباب في شرح الكتاب (2/207) والمبسوط (11/12) .
(3)
حلية العلماء (5/525) وكفاية الأخيار ص (315) .
(4)
هو: عياض بن حمار بن أبي حمار التميمي المجاشعي له صحبة ورواية عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثه في صحيح مسلم، وعند أبي دواد والترمذي، سكن البصرة.
انظر: الإصابة (4/625) ت رقم (6143) وأسد الغابة (4/22) ت رقم (4144) .
(5)
أخرجه أبو داود في سننه مع عون المعبود، كتاب اللقطة ح رقم (1706) والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب اللقطة، باب تعريف اللقطة، رقم (12089) والإمام أحمد في المسند ج (13/386) ح رقم (17411) والدرامي في سننه، باب في اللقطة (2/266) .
(6)
المرجعان السابقان.
الصورة الثالثة: إذا تلفت عنده في سنة التعريف بتفريط منه.
اتفق الفقهاء (1) فيما أعلم على أنه يضمن اللقطة.
جاء في المغني: (وإن أتلفها الملتقط أو تلفت عنده بتفريطه ضمنها.. لا أعلم في ذلك خلافا)(2) .
الصورة الرابعة: إذا تلفت اللقطة عنده بعد سنة التعريف.
لا يخلو الحال في هذه الصورة أن يتملك اللقطة ويتصرف فيها، أو لا يتملكها ولا يتصرف فيها. فإن تملكها وتصرف فيها، فقد ذهب عامة الفقهاء (3)
في هذه الحالة إلى أنه يضمن اللقطة تعدى أو لم يتعد، بل نقل بعضهم اتفاق الفقهاء على ذلك.
جاء في رحمة الأمة: (إذا مضى على اللقطة حول وتصرف فيها الملتقط بنفقة أو بيع أو صدقة فلصاحبها إذا جاء أن يأخذ قيمتها يوم تملكها بالاتفاق)(4) .
واستدلوا بحديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن اللقطة فقال: (عرفها سنة فإن لم تعترف فاعرف عفاصها ووكاءها ثم كلها فإن جاء صاحبها فأدها إليه)(5) .
وجه الدلالة: أن قوله: (فإن جاء صاحبها فأدها إليه) بعد قوله: (كلها) يقتضي وجوب ردها بعد أكلها، فيحمل على رد البدل (6) .
(1) بدائع الصنائع (5/296) وبداية المجتهد (2/312) والفواكه الدواني (2/285) وروضة الطالبين (5/406) والمجموع مع التكملة (16/171) والكافي في فقه الإمام أحمد (2/254) .
(2)
المغني (8/313) .
(3)
فتح القدير (5/352) وحاشية ابن عابدين (6/438) والمعونة (2/1262) والفواكه الدواني (2/284) وروضة الطالبين (5/407) وفتح الباري (5/106) المبدع (5/282) .
وخالف داود الظاهري وبعض الشافعية كالكرابيسي فقالوا: لا ضمان مطلقا؛ لأن قوله صلى الله عليه وسلم (فإن جاء صاحبها فأدها إليه) لم يذكر وجوب البدل، انظر فتح الباري (5/106) ونيل الأوطار (5/343) وحلية العلماء (5/531) والمغني (8/313) ويظهر أنه قول ضعيف لا يحتاج إلى مناقشة، للأدلة الصحيحة في ضمان اللقطة إذا استنفقت، ولأنه مال معصوم فلا يسقط حقه منه مطلقا.
(4)
رحمة الأمة في اختلاف الأئمة ص 364 وانظر: شرح صحيح مسلم للنووي
…
(11/269) وبداية المجتهد (2/309) .
(5)
صحيح مسلم مع شرح النووي، كتاب اللقطة، ح رقم 6- (1722) .
(6)
فتح الباري (5/107) .
أما إذا لم يتملكها ولم يتصرف فيها، فقد اختلف الفقهاء رحمهم الله تعالى في ضمان اللقطة في هذه الحالة إلى قولين:
القول الأول: أنه لا يضمن إلا بالتعدي، لأنها لا تدخل ملكه إلا باختياره، فهي أمانة، وبهذا قال جمهور الفقهاء (1) .
واستدلوا بما يلي:
1-
ما جاء في حديث زيد بن خالد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (عرفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك)(2) .
وفي رواية (فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها)(3) .
وجه الدلالة: أن اللقطة وديعة عنده، وأنه بعد السنة مخير في تملكها أو عدمه، فإن اختار حفظها فهي أمانة لا يضمن إلا بالتعدي (4) .
2-
ولأنه قبضها لمنفعة صاحبها دون أن يكون له فيها نفع، فكان ضمانها على صاحبها ما لم يتعد الملتقط (5) .
وذهب الحنابلة على الصحيح من المذهب (6) وهو قول عند الشافعية (7) أنه يتملك اللقطة بمجرد مضي السنة ولا اختيار له في ذلك. وعلى هذا القول يضمن سواء فرط أو لم يفرط.
واستدلوا بما يلي:
1-
حديث زيد بن خالد رضي الله عنه عند البخاري (.. عرفها سنة ثم اعرف عفاصها ووكاءها، فإن جاء أحد يخبرك بها وإلا فاستنفقها)(8) .
(1) فتح القدير (5/352) التفريع لابن الجلاب (2/272) والكافي في فقه أهل المدينة المالكية (2/836) وروضة الطالبين (5/407) وحلية العلماء (5/529) المبدع (5/282) والإنصاف (6/413) .
(2)
صحيح البخاري مع الفتح كتاب اللقطة باب ضالة الغنم ح رقم (2428) وصحيح مسلم بشرح النووي، كتاب اللقطة، ح رقم (1722) واللفظ له.
(3)
سبق تخريجه.
(4)
شرح صحيح مسلم (11/268) ونيل الأوطار (5/341) .
(5)
المعونة (2/1264) .
(6)
المغني (8/313) والمبدع (5/282) والإنصاف (6/413) .
(7)
حلية العلماء (5/529) وروضة الطالبين (5/407) .
(8)
صحيح البخاري مع الفتح، كتاب اللقطة، باب ضالة الأبل، ح رقم (2427) .
وجه الدلالة: أن الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم (فاستنفقها) يقتضي الوجوبز فتدخل في ملكه بعد مضي السنة من غير اختيار، كالإرث فيضمن مطلقا (1) .
ويمكن مناقشة هذا الاستدلال: بأنه جاء في رواية أخرى (فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها)(2) فدلت هذه الرواية على اختيار تملكها فهي صارفة للأمر عن الوجوب.
3-
ولأنه لو توقف ملكها على تملكها لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم للسائل عن اللقطة ولم يجز له التصرف في اللقطة قبل ذلك (3) .
الترجيح
الذي يظهر أن الراجح قول الجمهور، أنه لا يتملك اللقطة إلا باختياره، فإن اختار أن تكون أمانة عنده فله ذلك ولا يضمن إلا بالتعدي، لأن في تضمينه اللقطة بمجرد مضي السنة فيه تنفير للناس من أخذ الأموال الضائعة وحفظها وإعادتها إلى أصحابها، وفي ذلك ضرر وتلف للأموال والله أعلم.
الحالة الثانية: أن يأخذ اللقطة بنية تملكها دون التعريف بها أو ردها في المغنم إن كانت من مال العدو.
وفي هذه الحالة يضمن اللقطة إذا تلفت عنده سواء تعدي، أم لا. ولم أجد خلافا في ذلك -فيما أعلم- لأنه أخذ مال غيره على وجه لا يجوز أخذه، فأشبه الغاصب (4) والله أعلم.
(1) المبدع (5/282) والكافي في فقه الإمام أحمد (2/253) .
(2)
سبق تخريجه.
(3)
المرجعان السابقان.
(4)
بدائع الصنائع (5/296) وبداية المجتهد (2/312) وروضة الطالبين (5/403) والمغني (8/307) .