الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الرابع
الرمي بالأسلحة ذات الدمار الشامل
، وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: الرمي بالأسلحة النووية
.
المسألة الثانية: الرمي بالأسلحة الكيمائية والجرثومية.
المسألة الأولى
الرمي بالأسلحة النووية (1)
تمهيد:
يعتبر السلاح النووي من أقوى أنواع أسلحة الدمار الشامل في هذا العصر من حيث القوة التدميرية الذي يحدثها أثناء استخدامه، والأخطار اللاحقة التي تحدث بعد الانفجار سواء على المدى القصير، أم الطويل (1) .
وأول استخدام فعلي لهذا السلاح في عام (1945 م) حين استيقظ العالم على فجيعة قصف مدينتي هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين، والذي كان حصيلته آلاف القتلى والجرحى، وتلوث ذري سوف يستمر أجيالا متعاقبة كثيرة.
(1) الأسلحة النووية تشمل:
أ- القنبلة النووية الذرية وهي: قنبلة شديدة الانفجار تعتمد على الطاقة المنطلقة نتيجة انشطار نوى اليورانيوم أو البلوتونيوم. انظر: الأسلحة الكيمائية والجرثومية والنووية. د/ محمد الحسن ص 67.
ب- القنبلة الهيدروجينية، وهي: تحدث نتيجة التحام نووي في نواة الذرة، حيث يلتحم الديوتيريوم مع النريتيوم، فينتج طاقة هائلة تزيد على قوة مائة ألف قنبلة ذرية، انظر الأسلحة الكيمائية والجرثومية والنووية ص 75 وكيف تحمي نفسك من الحرب الكيمائية والنووية والبيولوجية ص 10.
ج- القنبلة النيترونية: هي عبارة عن قنبلة هيدروجينية صغيرة، إلا أنها تختلف عنها في التركيب والتأثير، وينحصر مفعولها في كونها مصدر إشعاع هائل تحرق الأجسام الحية مسببة قتلها وتدميرها في الحال، ولا تؤثر على المنشأت. انظر: المرجعان السابقان في فقرة ب.
وقد أشارت بعض الإحصاءات إلى أن (12) ميلا مربعا من مدينة هيروشيما دمر، وقتل (80000) ألف شخص وأصيب مثلهم بإصابات شديدة، وتشوهات خلقية، وأمراض سرطانية قاتلة، و (4.5) ميل مربع دمر من مدينة نجازاكي، وقتل (40000) ألف شخص وأصيب مثلهم بإصابات بالغة، وقيل: قتل (73884) ألف شخص وجرح (60000) ألف شخص (1) .
ولا أحد يمكنه التكهن بتأثير عاصفة النيران الناجمة عن انفجار نووي، ومدى ما تحدثه من دمار في المنشأت، وما تخلفه من أعداد هائلة من القتلى والجرحى، وما تهلكه من الحيوانات والنباتات، إذا تقرر هذا فهل يجوز للمجاهد استخدام السلاح النووي في مواجهة العدو؟
هنا أمران ينبغي تقريرهما:
الأول: أن معرفة كل جديد من الأسلحة، وكيفية استخدامها، ووسائل الوقاية منها، أمر واجب ومطلب محل للمجاهد في سبيل الله، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فقد حفر النبي صلى الله عليه وسلم الخندق هو وأصحابه حول المدينة، ولم يكن ذلك معروفا عند العرب من قبل (2) .
ورمي أهل الطائف بسلاح المنجنيق، وهو سلاح جديد لم يكن معروفا من قبل (3) .
وعلى هذا يجوز امتلاك السلاح النووي للمجاهدين في سبيل الله والتعرف عليه، وكيف يستخدم وطرق الوقاية منه، وهذا من قبيل إعداد القوة وإرهاب العدو في عموم قوله تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] .
الثاني: أن الأصل في الإسلام عدم إتلاف النفوس، وعدم الفساد في الأرض وإهلاك الحرث والنسل، وإنما شرع الجهاد في سبيل الله بقدر ما يقتضي دفع الفساد ورفع الظلم، ومنع معوقات الدخول في دين الله، ولقد سبق بيان أنه لا يجوز قتال الكفار إلا بعد دعوتهم
(1) الحرب المحدودة والحرب الشاملة د / أحمد زهران ص (108) والحرب العالمية الثانية / رمضان لاوند ص 445.
(2)
سيأتي ص 417.
(3)
راجع: الرمي بالمنجنيق والسيرة النبوية لابن هشام (4/483) .
إلى الإسلام. أو دفع الجزية (1) وأنه لا يجوز قتل من ليس أهلا للقتال من العدو، كالنساء والأطفال والشيوخ والرهبان والعجزة ومن في حكمهم مالم يشتركوا في القتال (2) وأنه لا يجوز استخدام سلاح يفتك بهم مع إمكانية الظهور عليهم بما هو أقل منه.
فالإسلام لا يتشوف إلى إراقة الدماء وإزهاق الأنفس وإنما هدفه من الجهاد في سبيل الله إعلاء كلمة الله وجعل الحاكمية في الأرض لشرعه، فإذا تحقق ذلك توقف القتال مباشرة، ولو بقي أهل الكفر على كفرهم لأنه:{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] .
وعلى ما تقدم فإنه لا يجوز استخدام هذه الأسلحة النووية في مواجهة العدو إلا في حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون هناك ضرورة في استخدام السلاح النووي، كأن لا يمكن الظهور على العدو إلا باستخدام هذا السلاح، أو لا يمكن دفعهم عن المسلمين، إلا به على أن تقدر الضرورة بقدرها، ويتجنب رمي من ليس أهلا للقتال. لأن التخريب والإفساد في الأرض لا يجوز إلا لضرورة حربية، وهذا موضع اتفاق لا خلاف فيه (3) لأن الضرورات تبيح المحظورات (4) .
ويمكن أن يستدل لهذه الحالة بما يلي:
1-
قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] .
وجه الدلالة: إن لفظ قوة في الآية نكرة يفيد العموم، والمعنى: أعدو لهم كل الذي تستطيعونه من آلات القتال والسلاح (5) وكل عصر بما يناسبه.
(1) راجع دعوة العدو إلى الإسلام قبل القتال.
(2)
راجع: قتل من لم يشارك في القتال من العدو.
(3)
العلاقات الدولية في الإسلام لأبي زهرة ص 102.
(4)
الأشباه والنظائر للسيوطي ص (173) .
(5)
جامع البيان للطبري (6/274) وأحكام القرآن لابن العربي، وشرح مختصر الروضة
…
(2/473) .
2-
إن النصوص من الكتاب والسنة جاءت دالة على قتال الكفار ولم تبين كيفية القتل ولا الآلة التي تستخدم في قتلهم.
قال تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] .
وقال تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: 190] .
وقال صلى الله عليه وسلم «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله..» (1) .
قال الشوكاني (2) :
(قد أمر الله بقتل المشركين ولم يعين لنا الصفة التي يكون عليها ولا أخذ علينا أن لا نفعل إذا لكذا دون كذا فلا مانع من قتلهم بكل سبب للقتل من رمي، أوطعن أو تحريق أو هدم أو دفع من شاهق ونحو ذلك)(3) .
الحالة الثانية: أن يكون استخدام هذا السلاح النووي من قبيل المعاملة بالمثل وبهذا يظهر ضرورة امتلاك هذا السلاح والتدريب على استعماله حتى إذا فكر العدو استعماله مع المجاهدين وجد الردع الكافي والزاجر.
ويدل على هذه الحالة:
عموم قوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] .
وقوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: 194] والله أعلم.
(1) سبق.
(2)
هو: محمد بن علي بن محمد بن عبد الله، الشوكاني، ثم الصنعاني ولد بهجرة شوكان من بلاد خولان، باليمن عام 1173 هـ ونشأ بصنعاء فقيه مجتهد من كبار علماء اليمن، ولي قضاء صنعاء، له تصانيف كثيرة منها: نيل الأوطار، والبدر الطالع، وفتح القدير وغيرها توفي بصنعاء عام 1250 هـ رحمه الله انظر: الأعلام (6/298) ومعجم المؤلفين (3/541) ت رقم (14896) .
(3)
السيل الجرار (4/504) .
المسألة الثانية
الرمي بالأسلحة الكيمائية (1)
والجرثومية (2)
الرمي بالأسلحة الكيمائية والجرثومية يؤدي إلى القضاء على مظاهر الحياة، ولا يؤثر على العمران والمنشآت (3) .
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله تعالى جواز استخدام ما يشبه هذه الأسلحة ومن ذلك إطلاق الزواحف والحشرات السامة على العدو، وإلقاء السموم في شراب العدو وطعامهم، جاء في الحاوي للماوردي (يجوز أن يلقى عليهم الحيات، والعقارب، ويفعل بهم جميع ما يقضى إلى إهلاكهم)(4) .
(1) الأسلحة الكيمائية هي: عبارة عن استخدام المواد الكيمائية السامة في الحروب لغرض قتل، أو تعطيل الإنسان أو الحيوان سواء عن طريق التناول بالفم أو الاستنشاق أو الملامسة وهذه المواد الكيمائية قد تكون غازات أو سائلة سريعة التبخر انظر: الأسلحة الكيمائية والجرثومية والنووية ص 17 والحرب الكيمائية ص 39.
وتشمل الأسلحة الكيمائية ما يلي:
1-
غاز الخردل وهو: غاز يتكون من مادة الإثلين مضافا إليها كلور الكبريت، ورائحة هذه المادة كرائحة الفجل. انظر: الحرب الكيمائية ص 53.
2-
غاز للويزيت، وهو غاز من مادة سامة تؤدي إلى تهيج الأغشية والأنسجة التي تسقط عليها انظر: أطروحة في الحرب الكيمائية والوقاية منها ص 26.
وغيرها من الغازات لسامة التي لا يتسع المجال لذكرها.
(2)
الأسلحة الجرثومية، هي: عبارة عن استخدام الجراثيم أو سمومها في المعارك لغرض إصابة العدو بالأمراض الوبائية أو السموم القاتلة.
والجراثيم: كائنات حية لا ترى بالعين المجردة كالبكتريا والطفيليات، والفيروسات انظر: الأسلحة الكيمائية والجرثومية والنووية ص 37 والأسلحة الحيوية ص 20.
(3)
الأسلحة الحيوية د/ فهمي أمين ص 21 وأسلحة الدمار الشامل (الحرب الكيمائية) للواء/ يوسف الليل ص 83.
(4)
الحاوي الكبير (14/184) وانظر: شرح السير الكبير (4/227) .
ومع هذا فإن هناك بونا شاسعا بين تأثير هذه الحشرات السامة الذي يقتصر أثرها على عدد محدود من جنود الأعداء، ويمكن السيطرة على ذلك بقتل هذه الحشرات وبين ما تخلفه الأسلحة الكيمائية والجرثومية من دمار شامل على مساحات واسعة يقتل الإنسان دون تمييز بين عسكري ومدني، ويهلك الحيوان، والنبات، وأضراره تبقى أجيالا عديدة.
وعلى هذا فإنه لا يجوز للمجاهد استخدام هذا السلاح الذي يهلك الحرث والنسل ويفسد في الأرض إلا في حالتين:
الحالة الأولى: الضرورة القصوى ويستخدم على قدر الضرورة، ولا يقصد به غير المقاتلين من العدو.
الحالة الثانية: المعاملة بالمثل بما يكفي شر العدو ويردعه عن جرمه (1) .
وما قيل في المسألة السابقة من أدلة يمكن أن يستدل بها في هذه المسألة (2) .
(1) العلاقات الدولية في الإسلام د/ وهبة الزحيلي ص 48.
(2)
راجع ما سبق في الرمي بالأسلحة النووية.