الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثاني
الوصية للمجاهد في سبيل الله
تجوز الوصية للمجاهد في سبيل الله، ولا يختلف عن غيره ممن تجوز له الوصية ولا أعلم خلافا بين الفقهاء (1) رحمهم الله تعالى في ذلك، بل هو أولى بالوصية من غيره.
جاء في المغني: إن أوصى للمجاهد بدابة يقاتل عليها، أو بسهم لها، انصرف ذلك إلى الخيل (2) .
وفي روضة الطالبين: إذا أوصى له بقوس أعطي ما يرمى به من النبل وغيره (3) .
وفي حاشية الخرشي: الشخص إذا أوصى بثلث ماله للغزاة فلا يلزم تعميم الجميع إذ يتعذر ذلك عادة (4) .
إذا تقرر جواز الوصية للمجاهد بالسلاح وبالمال سواء كان لمجاهد بعينه، أو لعموم المجاهدين دون تخصيص، فإن المجاهد لا يمتلك الوصية، إلا بالشروط الآتية:
1-
أن يموت الموصي قبل موت المجاهد الموصى له.
فإن مات المجاهد الموصى له قبل موت الموصي بطلت الوصية، وهذا قول جمهور الفقهاء من الأئمة الأربعة وغيرهم (5) .
(1) المغني (8/390) وبدائع الصنائع (6/423) والتمهيد لابن عبد البر (14/297) وروضة الطالبين (6/158) .
(2)
المغني (8/568، 570) انظر: الكافي في فقه الإمام أحمد (2/361) .
(3)
روضة الطالبين (6/158) وانظر: الحاوي الكبير (8/239) .
(4)
حاشية الخرشي (8/476) .
(5)
المغني (8/413) والإنصاف (7/204) وبدائع الصنائع (6/515) والبحر الرائق (9/214) ومواهب الجليل (8/520) والمعونة (3/1636) وروضة الطالبين (6/143) حاشيتا قليوبي وعميرة (3/253) .
وقال الحسن البصري: تكون لولد الموصى له، وقال عطاء: إذا علم الموصي بموت الموصى له ولم يحدث فيما أوصى به شيئا فهو لوارث الموصي له، لأنه مات قبل عقد الوصية فيقوم الوارث مقامه، ويمكن مناقشة هذا: بأن الوصية أنشئت للموصى له لا لورثته وثبوتها له إنما هو بعد موت الموصي، فإذا مات قبله فليس له شيء. انظر: المغني (8/413) وأحكام الوصايا في الفقه الإسلامي ص (436) .
لأنها عطية صادفت المعطي ميتا، والميت غير أهل للتمليك فلا يصح صرفها إليه (1) .
2-
أن يقبل المجاهد الموصى له إن كان معينا (2) الوصية بعد موت الموصي، فإن ردها بطلت الوصية. قال ابن قدامة: لا نعلم فيه خلافا (3) .
لأنه أسقط حقه في حال يملك قبوله وأخذه، فأشبه عفو الشفعة بعد البيع (4) .
3-
أن لا يكون المجاهد الموصى له وارثا للموصي، فإن كان وارثا للموصي ولم يجز الورثة الوصية لم تصح الوصية باتفاق الفقهاء فيما أعلم.
جاء في المغني: إذا أوصى لوارثه بوصية فلم يجزها الورثة لم تصح، بغير خلاف بين العلماء (5) .
يدل على ذلك ما رواه أبو أمامة (6) رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث)(7) .
(1) المغني (8/413) والبحر الرائق (9/299) .
(2)
الوصية لغير معين تلزم بموت الموصي، ولا يشترط فيها القبول، كالوصية للفقراء أو المجاهدين انظر: المغني (8/418) وروضة الطالبين (6/141) ومواهب الجليل (8/533) وبدائع الصنائع (6/442) .
(3)
المغني (8/415) وانظر: التمهيد لابن عبد البر (19/107) .
(4)
المغني (8/415) .
(5)
المغني (8/396) وانظر: التمهيد لابن عبد البر (24/438) والذخيرة (7/7) والإقناع لابن المنذر (2/415) والاختيار للموصلي (5/63) .
(6)
هو: أبو أمامة الباهلي: واسمه صدي بن عجلان بن رياح بن الحارث، وهو منسوب إلى باهلة، صحابي مشهور روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة، سكن مصر، ثم حمص من الشام، ومات بها سنة 81 هـ وقيل: 86 هـ قيل: إنه آخر من مات من الصحابة رضي الله عنهم بالشام.
انظر: أسد الغابة (5/61) ت رقم (5688) وتهذيب الأسماء واللغات (2/176) ت رقم (278) .
(7)
أخرجه الترمذي في سننه مع العارضة كتاب الوصايا باب ما جاء لا وصية لوارث، ح رقم (2120) وقال: حسن صحيح، وأبو داود في سننه، كتاب الوصايا، باب ما جاء في الوصية للوارث، ح رقم (2870) وابن ماجه في سننه مع شرح السندي كتاب الوصايا باب لا وصية لوارث ح رقم (2713) والدارقطني في سننه كتاب البيوع ح رقم (2739) والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الفرائض باب من لا يرث من ذوي الأرحام، ح رقم (12202) والإمام أحمد في المسند ج (16/263) ح رقم (22195) والنسائي في سننه مع شرح السيوطي، كتاب الوصايا، باب إبطال الوصية للوارث، ح رقم (3643) قال الشافعي في الأم: لا اختلاف فيه (4/108) وقال ابن حجر: في إسناده إسماعيل بن عياش، وقد قوى حديثه عن الشاميين جماعة من الأئمة، منهم أحمد والبخاري وهذا من روايته عن شرحبيل بن مسلم، وهو شامي ثقة، انظر: فتح الباري (5/467) .
أما إذا أجاز الورثة الوصية فجمهور الفقهاء على القول بجواز ذلك (1) .
لما رواه عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة» (2) . فقوله (إلا أن يجيز الورثة) استثناء، والاستثناء من النفي إثبات، فيكون ذلك دليلا على صحة الوصية عند الإجازة، ولو خلا من استثناء كان معناه لا وصية نافذة أو لازمة (3) . ولأنه تصرف صدر من أهله في محله فصح (4) .
وذهب الشافعية في قول عندهم (5) وهو رواية عند الحنابلة (6) وقول ابن حزم (7) أن الوصية باطلة ولو أجازها الورثة، للنهي عنها في قوله صلى الله عليه وسلم «لا وصية لوارث..» .
ولثبوت الحكم بنسخها فلو أجزناها لكنا قد استعملنا الحكم المنسوخ، وذلك غير جائز (8) والراجح ما ذهب إليه جماهير أهل العلم أنه إذا أجازها الورثة صحت.
(1) المغني لابن قدامة (8/396) والإنصاف (7/194) والحاوي الكبير (8/213) وحاشيتا قليوبي وعميرة (3/243) والمعونة (3/1620) والمدونة (6/56) وبدائع الصنائع (6/434) وتبيين الحقائق (6/183) .
(2)
أخرجه الدارقطني في سننه، كتاب الفرائض والسير، ح رقم (4108) وفي كتاب الوصايا عن عمرو بن خارجة، ح رقم (2452) وأخرجه من حديث ابن عباس رضي الله عنه (إلا أن يشاء الورثة) كتاب الفرائض، ح رقم (4104) وح رقم (4109) وفي كتاب الوصايا، ح رقم (4251) قال ابن حجر: إسناده حسن. انظر: بلوغ المرام من أدلة الأحكام، باب الوصايا، ح رقم (989) والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الوصايا، باب نسخ الوصية للوالدين والأقربين الوارثين ح رقم (12533) قال البيهقي: عطاء الخرساني لم يدرك ابن عباس ولم يره، قال أبو داود وغيره، عطاء الخرساني ليس بقوي. انظر: السنن الكبرى (6/431) .
(3)
المغني (8/396) .
(4)
المعونة (3/1621) والمغني (8/396) .
(5)
نيل الأوطار (6/41) والحاوي الكبير (8/213) .
(6)
المغني (8/396) والإنصاف (7/194) .
(7)
المحلى بالآثار (8/356) .
(8)
الحاوي الكبير (8/213) ومعالم السنن للخطابي (4/79) .