الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
في النفقات
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: نفقة زوجة المجاهد ونفقة أولاده
.
المطلب الثاني: فضل كفالة أولاد المجاهد وزوجته.
المطلب الأول
نفقة (1) زوجة المجاهد ونفقة أولاده
اتفق الفقهاء -رحمهم الله تعالى- على أن نفقة زوجة المجاهد ونفقة أولاده الصغار والذين يبلغون وهم عاجزون عن العمل واجبة عليه، ولا يختلف عن غيره في ذلك (2) .
جاء في بداية المجتهد: (اتفقوا على أن من حقوق الزوجة على الزوج النفقة)(3) .
وفي المغني (اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهن (4))
وقال ابن المنذر: (وأجمعوا على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذي لا مال لهم)(5) . يدل على ذلك الكتاب والسنة.
أولاً: من الكتاب:
1-
قوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: 7] .
وجه الدلالة: أنه سبحانه وتعالى أمر بالإنفاق والأمر للوجوب (6) .
(1) النفقة في اللغة: اسم من الإنفاق وجمعها نفقات، وأنفق المال صرفه، والنفقة ما أنفقت واستفقت على العيال وعلى نفسك انظر: لسان العرب (10/357) مادة (نفق) والمصباح المنير ص (618) مادة (نفق) والمعجم الوسيط (2/942) مادة (نفق)
وشرعا: كفاية من يمونه خبزا وأدما وكسوة ومسكنا وتوابعها. انظر: كشاف القناع
…
(4/401) .
(2)
كذلك نفقة الأبوين واجبة عليه إذا كانا محتاجين، بالاتفاق انظر: المغني (11/373) وحاشية ابن عابدين (5/326) والتفريع (2/113) .
(3)
بداية المجتهد (2/57) .
(4)
المغني (11/373) وانظر: كشاف القناع (4/419) .
(5)
الإجماع لابن المنذر ص (62) وانظر: ورحمة الأمة في اختلاف الأئمة ص (454) .
(6)
البناية على الهداية (5/490) .
2-
قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 233] .
والمولود له: الأب، ورزقهن: الأمهات (1) .
3-
قال تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: 6] .
وجه الدلالة: أنه أوجب رضاع الولد على أبيه، فدل على أن النفقة واجبة على الأب (2) .
ثانيًا من السنة:
1-
عن جابر رضي الله عنه من حديث طويل في بيان حجة النبي صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله (3) ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف..» (4) .
2-
عن عائشة رضي الله عنها أن هندًا (5) بنت عتبة قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح (6) وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال صلى الله عليه وسلم «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» (7) .
فدل الحديثان السابقان على وجوب نفقة الزوجة والأولاد على الزوج.
(1) المرجع السابق.
(2)
مغني المحتاج (5/183) والمغني (11/373) .
(3)
كلمة الله هي قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 3] ومعناه الإيجاب والقبول. انظر: شرح صحيح مسلم للنووي (8/433) .
(4)
مسلم بشرح النووي كتاب الحج باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم ح رقم (1218) .
(5)
هي: هند بنت عتبة بن ربيعة القرشية، والدة معاوية بن أبي سفيان، شهدت أحدا مع كفار قريش وشقت بطن حمزة ولاكت كبده، ثم أسلمت وحسن إسلامها، ماتت في خلافة عمر، وقيل في خلافة عثمان رضي الله عنهم أجمعين انظر: الإصابة (8/346) ت رقم (11860) وأسد الغابة (6/295) ت رقم (7348) .
(6)
الشح هو: البخل مع الحرص، والشح أعم من البخل، لأن البخل يختص بمنع المال والشح بكل شيء انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (2/401) وفتح الباري
…
(9/635) .
(7)
صحيح البخاري مع الفتح، كتاب النفقات، باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه، ح رقم (5364) وصحيح مسلم مع شرح النووي، كتاب الأقضية، باب قضية هند، ح رقم (1714) .
إذا تقرر وجوب النفقة على المجاهد لزوجته وأولاده كغيره ممن تجب عليهم نفقة أزواجهم وأولادهم فإن للمجاهد حالتين.
الحالة الأولى: أن يخرج للجهاد ويغيب عن زوجته وأولاده.
الحالة الثانية: أن يقتل في المعركة أو يموت دون قتل.
فأما الحالة الأولى: فإن خروجه للجهاد في سبيل الله لا يسقط عنه النفقة الواجبة لزوجته وأولاده بالاتفاق (1)
بل يشترط لخروجه أن يترك ما يكفيهم من النفقة حتى يعود (2) فإن لم يترك لهم نفقة وكان له مال أخذ من ماله ما يكفيهم من النفقة بالمعروف (3) .
يدل على ذلك ما يلي:
1-
ما سبق من حديث هند بنت عتبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» (4) .
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أباح لهند أن تأخذ من مال زوجها نفقتها ونفقة ولدها بالمعروف، ولو لم يعلم الزوج، فكذلك إذا كان غائبا (5) .
2-
أن الأصل أن كل من يستحق النفقة في ماله حال حضرته، ينفق عليك من ماله حال غيبته (6) ، فإن امتنع المجاهد عن النفقة أمر بأن ينفق أو يطلق زوجته.
يدل على ذلك ما ثبت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه (أنه كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم فأمرهم بأن ينفقوا أو يطلقوا، فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما مضى)(7) .
(1) البحر الرائق (5/276) والاختيار لتعليل المختار (4/7) والمدونة (5/574) وحاشية الدسوقي (2/520) .
ومغني المحتاج (5/166) والمغني (11/397) وكشاف القناع (4/411) .
(2)
فتح القدير (5/194) والمغني (13/10) وهذا إذا كان الجهاد في حقه فرض كفاية.
(3)
البحر الرائق (5/276) والاختيار لتعليل المختار (4/7) والمدونة (5/574) وحاشية الدسوقي (2/520) .
(4)
سبق تخريجه.
(5)
فتح الباري شرح صحيح البخاري (9/638) .
(6)
البحر الرائق (5/276) واللباب في شرح الكتاب (3/97) .
(7)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب النفقات، باب الرجل لا يجد نفقة امرأته ح رقم (15706) وابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الطلاق، باب من قال: على الغائب نفقة فإن بعث وإلا طلق ج (4/149) وعبد الرزاق في مصنفه، كتاب الطلاق، باب الرجل يغيب عن امرأته فلا ينفق عليها، ح رقم (12346) وح رقم (12347) والمحلى بالآثار (9/256) .
فإن لم يكن له مال فقد ذكر الفقهاء رحمهم الله تعالى أن للزوجة والأولاد أن يستدينوا عليه بالنفقة التي تكفيهم.
وذلك للحاجة إلى النفقة (1) .
أما الحالة الثانية: إذا قتل في المعركة، أو مات دون قتال، فهل ينفق على زوجته وأولاده من العطاء الذي كان يأخذه من ديوان الجند، أم لا؟
اختلف الفقهاء رحمهم الله تعالى في هذه الحالة إلى قولين:
القول الأول: أنه ينفق على زوجته وأولاده من عطائه في ديوان الجند حتى تتزوج الزوجة ويبلغ الابن، وتتزوج البنت، وإن بلغوا عاجزين أعطوا الكفاية، وهذا الأظهر عند الشافعية (2) وهو قول الحنابلة (3) .
ودليلهم:
أنه لو لم يعط ذريته وزوجته بعد موته كفايتهم لم يجرد نفسه للقتال، واشتغل بالكسب لعياله لأنه يخاف ضياعهم بعده، فإذا علم أنهم يعطون تجرد للجهاد في سبيل الله، وفي هذا مصلحة للجهاد (4) .
القول الثاني: أنه لا ينفق عليهم من عطائه في ديوان الجند، وإنما يحالون إلى مال العشر والصدقة، وهذا قول عند الشافعية (5) .
ودليلهم:
أن ما كان يصل إليهم من نفقة كان على سبيل التبع لمن يعولهم، وقد زال الأصل وانقطع التبع فلا يعطون شيئا (6) .
الترجيح
الراجح هو القول الأول أنهم يعطون نفقتهم من عطائه في ديوان الجند ما يكفيهم من النفقة. لأن في ذلك إحسانا إلى أسر الشهداء وترغيبا في الجهاد في سبيل الله. والله أعلم.
(1) الاختيار للموصلي (4/8) واللباب في شرح الكتاب (3/97) والمدونة (5/574) والقواعد في الفقه الإسلامي لابن رجب ص (148) .
(2)
مغني المحتاج (4/153) والمهذب مع المجموع (21/272) وروضة الطالبين (6/363) .
(3)
الأحكام السلطانية ص (345) . والمغني (9/303) .
(4)
المراجع السابقة في هامش رقم (1059) ، (1060) .
(5)
المراجع السابقة في هامش رقم (1059) .
(6)
المراجع السابقة في هامش رقم (1059) .
المطلب الثاني
فضل كفالة (1) أولاد المجاهد وزوجته
إن كفالة أولاد المجاهد وزوجته والإنفاق عليهم وتعهدهم بالرعاية فيه من الأجر والثواب مثل أجر المجاهد في سبيل الله.
يدل على ذلك ما يلي:
1-
عن زيد بن خالد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا» (2) .
قال النووي: هذا الأجر يحصل بكل جهاد، وسواء قليلة وكثيرة، ولكل خالف له في أهله بخير من قضاء حاجة لهم وإنفاق عليهم ومساعدتهم في أمورهم، ويختلف قدر الثواب بقلة ذلك وكثرته (3) .
2-
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من تكفل بأهل بيت غاز في سبيل الله حتى يغنيهم ويكفيهم عن الناس ويتعهدهم، قال الله تعالى يوم القيامة: مرحبا بمن أطعمني وسقاني وحاباني وأعطاني، اشهدوا يا ملائكتي أني أوجبت له كرامتي كلها، فما يدخل الجنة أحد إلا غبطة بمنزلته من الله تعالى» (4) .
إذا تقرر فضل كفالة أولاد المجاهد وزوجته، فإن الإساءة لهم وظلمهم وخيانة المجاهد في أهله، فيه إثم غليظ ووعيد شديد.
يدل على ذلك ما يلي:
(1) الأصل في الكفالة الضم ومنه قولهم كفل فلان فلانا إذا ضمه إلى نفسه يمونه ويصونه قال تعالى: {وكفلها زكريا} سورة آل عمران آية (37) انظر: طلبة الطلبة ص (287) .
(2)
سبق تخريجه واللفظ هنا لمسلم.
(3)
شرح صحيح مسلم للنووي (13/44) .
(4)
مشارع الأشواق (1/305) وقال: خرجه ابن عساكر.
1-
عن بريدة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم، وما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم إلا وقف له يوم القيامة فيأخذ من عمله ما شاء فما ظنكم (1) » (2) .
ففي هذا الحديث، تحريم التعرض لنساء المجاهدين بريبة من نظر محرم وخلوة وحديث محرم وغير ذلك، والإحسان إليهن وبرهن وقضاء حوائجهن التي لا يترتب عليها مفسدة ولا يتوصل بها إلى ريبة (3) .
ولأن المجاهد بخروجه للجهاد ناب عن القاعد، وأسقط بجهاد فرض الخروج عنه، ووقاه مع ذلك بنفسه، فكانت خيانته له في أهله أمرا عظيما يستحق عليها عقوبة مغلظة (4) .
(1) فما ظنكم: أي ما تظنون في رغبته في أخذ حسناته والاستنكار منها في ذلك المقام، أي لا يبقى منها شيئا إن أمكنه، انظر: شرح صحيح مسلم (13/46) .
(2)
صحيح مسلم مع شرح النووي، كتاب الإمارة باب حرمة النساء المجاهدين ح رقم
…
(1897) .
(3)
شرح صحيح مسلم (13/45) .
(4)
مشارع الأشواق (1/308) .