الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
في الوقف
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: وقف المجاهد ماله على المجاهدين في سبيل الله
.
المطلب الثاني: نفقة الفرس الموقوف على الجهاد في سبيل الله.
المطلب الأول
وقف (1) المجاهد ماله على المجاهدين في سبيل الله
(1) الوقف في اللغة: الحبس والمنع، ومنه وقف الأرض للمساكين حبسها.
انظر: لسان العرب (9/359) مادة (حبس) والمعجم الوسيط (2/1051) .
وشرعا: تحبيس مالك مطلق التصرف ماله المنتفع به، وتسبيل منفعته من غلة وثمرة وغيرها. انظر: حاشية الروض المربع (5/531) والإنصاف (7/3) .
وقد ذهب عامة الفقهاء رحمهم الله تعالى إلى جواز الوقف ولزومه، والأصل في ذلك ما يلي:
1-
أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصاب أرضا بخيبر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستأمره فيها.. قال صلى الله عليه وسلم (إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها. قال: فتدق بها عمر، أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث وتصدق بها في الفقراء وفي القربى وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضعيف..) وفي الرواية قال النبي صلى الله عليه وسلم (تصدق بأصله، لا يباع ولا يوهب ولا يورث، ولكن ينفق ثمره) انظر: صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الشروط، باب الشروط في الوقف، ح رقم (2737) وكتاب الوصايا، باب ما للوصي أن يعمل في مال اليتيم ح رقم (2764) وصحيح مسلم مع شرح النووي، كتاب الوصية، باب الوقف ح رقم (1632) .
2-
إجماع الصحابة رضي الله عنهم على جواز الوقف انظر: المدونة (6/98) والمقدمات الممهدات (2/418) وروضة الطالبين (5/320) والوسيط في المذهب (4/237) والمغني (8/185) وحاشية الروض المربع (5/530) وبدائع الصنائع (5/326) وحاشية ابن عابدين (6/520) والمحلى بالآثار (8/149) وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى القول بجواز الوقف، إلا أنه لا يلزم عنده، فيجوز بيعه وهبته وتوريثه، لأنه بمنزلة العارية، ولقوله صلى الله عليه وسلم (لا حبس عن فرائض الله) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الوقف، باب من قال: لا حبس عن فرائض الله عز وجل، ح رقم (11907) والدارقطني في سننه، كتاب الفرائض والسير، ح رقم (4016) وقالا: لم يسنده غير ابن لهيعة عن أخيه وهما ضعيفان، وزاد البيهقي: هذا اللفظ إنما يعرف من قول شريح. وانظر: المبسوط (12/27) وبدائع الصنائع (5/326) واللباب في شرح الكتاب (4/180)
ونوقش قول أبي حنيفة: بأن حديث عمر رضي الله عنه نص في لزوم الوقف، فلا ينظر إلى ما سواه ولو بلغ أبا حنيفة لرجع إليه، والحديث الذي استدل به أبو حنيفة ضعيف، بل قال ابن حزم، موضوع. انظر: سبل السلام (3/187) والاختيار للموصلي (3/41) والمحلى بالآثار (8/152) وبما تقدم يتقرر جواز الوقف ولزومه. والله أعلم.
يجوز للمجاهد وقف ماله وسلاحه على المجاهدين في سبيل الله وعلى غيرهم، ولا يختلف عن غيره ممن يصح وقفه، جاء في شرح السير الكبير:(لا بأس بأن يحبس الرجل فرسه، وسلاحه في سبيل الله لأن هذا من القرب)(1) .
وجاء في المدونة: (من حبس في سبيل الله شيئا فإنما هو في الغزو)(2) .
وفي روضة الطالبين: (يجوز وقف السلاح)(3) .
وفي المغني:
(إذا وقف على سبيل الله فسبيل الله هو الغزو)(4) .
وفي المحلى بالآثار:
(يجوز الوقف في السلاح والخيل في سبيل الله عز وجل (5) .
وبما تقدم يتضح اتفاق الفقهاء -رحمهم الله تعالى- على جواز وقف المجاهد ماله (6) وسلاحه (7) على المجاهدين في سبيل الله ويؤيد ذلك:
ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه في البخاري، وفيه (وأما خالد (8) فقد احتبس أدرعه (9) وأعتده (10) في سبيل الله..) (11) .
(1) شرح السير الكبير (5/254) وانظر كذلك: البحر الرائق (5/337) والمبسوط (12/33) .
(2)
المدونة (6/98) وانظر كذلك: الكافي في فقه أهل المدينة المالكي (2/1021) .
(3)
روضة الطالبين (5/314) .
(4)
المغني (8/209) .
(5)
المحلى بالآثار (8/149) .
(6)
التبرعات المنجزة، كالوقف إذا كانت في حال الصحة فهي من رأس المال بلا خلاف وإن كانت في مرض مخوف اتصل به الموت من ثلث المال في قول الجمهور، ويلحق بالمرض المخوف وقف المجاهد عند التحام الحرب، فإن وقفه يكون من الثلث، انظر: تكملة المجموع
…
(16/421) والمغني (8/474) والذخيرة (7/137) والمعونة (3/1601) .
(7)
في رواية عند الإمام أحمد، لا يصح وقف السلاح، وهي خلاف المذهب، انظر: الإنصاف (7/7) والوقوف من مسائل الإمام أحمد (2/690) .
(8)
هو: خالد بن الوليد بن المغيرة القرشي المخزومي، أحد أشراف قريش في الجاهلية شهد معها الحروب إلى عمرة الحديبية ثم أسلم سنة سبع من الهجرة بعد خيبر، وقيل: قبلها، وشهد غزوة مؤتة، وفتح مكة لقبه النبي صلى الله عليه وسلم (بسيف الله المسلول) قاتل مع أبي بكر الصديق في حروب الردة، وحرب فارس والروم، وعزله عمر بن الخطاب عن الشام، مات بحمص، وقيل بالمدينة، انظر الإصابة (2/215) ت رقم (2206) وأسد الغابة (1/586) ت رقم (1399) .
(9)
أدرعه: جمع درع، وهو لبوس من حديد يصد السيف والرمح والسهم، فلا ينفذ منه.
انظر: لسان العرب (8/81) مادة (درع) وتاريخ الحرب في الإسلام ص (165) .
(10)
أعتده العتاد: ما يعده الرجل من الدواب والسلاح وآلة الجهاد، انظر: فتح الباري (3/425) ومعالم السنن للخطابي (2/46) .
(11)
أخرجه البخاري مع الفتح، كتاب الزكاة، باب قوله تعالى:(وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله) ح رقم (1468) .