الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونوقش هذا: بأن المراد بالشيوخ الذي أمر بقتلهم هم الذين فيهم قوة على القتال، أو المعونة عليه برأي أو تدبير، والذين نهى عن قتلهم هم الذين لم يبق فيهم نفع للكفار، ولا مضرة على المسلمين، جمعا بين الأحاديث (1) .
الترجيح
الذي يظهر أن قول الجمهور في عدم جواز قتلهم إذا لم يشاركوا في المعركة بأي وجه من وجوه المشاركة هو الراجح، لما ذكر من الأدلة في النهي عن قتلهم، ولأن هدف الجهاد إعلاء كلمة الله فيقاتل من يمنع إعلاءها ومن ليس كذلك فلا يقاتل. والله أعلم.
الفرع السادس
قتل المجاهد قريبه الكافر
اتفق الفقهاء رحمهم الله تعالى - فيما أعلم - على جواز قتل المجاهد قريبه الكافر في المعركة وابتدائه بالقتل دون كراهة إذا اضطره إلى ذلك بأن قصده ليقتله (2) ؛ لأن ذلك من ضرورات الدفع عن النفس (3) .
أما إن لم يقصده ليقتله فلا يخلو القريب الكافر أن يكون والدا للمجاهد، أو ابنا، أو غيرهما من الأقارب.
فإن كان والدا للمجاهد، فقد ذهب الحنفية (4) والشافعية (5) إلى أن يكره ابتداؤه بالقتل، وقال المالكية (6) لا يقتل المسلم أباه المشرك، إلا أن يضطره إلى ذلك.
(1) فتح القدير (5/202) ونيل الأوطار (7/248) وكشاف القناع (2/377) والمغني
…
(13/178) .
(2)
فتح القدير (5/203) والبحر الرائق (5/133) والذخيرة (3/398) والقوانين الفقهية ص 127. والحاوي الكبير (14/127) وروضة الطالبين (10/243) وكشاف القناع (2/379) والفروع (6/218) .
(3)
بدائع الصنائع (6/64) والذخيرة (3/398) .
(4)
شرح السير الكبير (1/76) وفتح القدير (5/203) .
(5)
الحاوي الكبير (14/127) وروضة الطالبين (10/243) .
(6)
الذخيرة (3/398) والقوانين الفقهية ص 127.
واستدلوا بما يلي:
1-
قوله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15] .
وجه الدلالة: أن الله سبحانه وتعالى أمر بمصاحبة الوالدين الكافرين بالمعروف وابتداؤهم بالقتل ليس من المصاحبة بالمعروف (1) .
2-
ما جاء في سنن البيهقي أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إني لقيت أبي، فتركته، وأحببت أن يليه غيري، فسكت عنه)(2) .
وجه الدلالة من الحديث: أن سكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصحابي الذي ترك قتل أبيه في المعركة ليتولاه غيره دليل على جواز ذلك، وأن خلافه مكروه.
وذهب الحنابلة إلى جواز القتل مطلقا (3) .
جاء في الفروع: (وله في المعركة قتل أبيه وابنه)(4) .
واستدلوا بأن أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه قتل أباه يوم بدر (5) فأنزل الله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ} [المجادلة: 22] .
(1) الحاوي الكبير (14/127) وبدائع الصنائع (6/64) .
(2)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب السير، باب المسلم يتوقى في الحرب قتل أبيه، ح رقم (17836) وقال: هذا مرسل جيد.
(3)
كشاف القناع (2/379) والفروع (6/218) .
(4)
الفروع: (6/218) .
(5)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب السير، باب المسلمى يتوقى في الحرب قتل أبيه، ح رقم (17835) وقال: هذا منقطع. قال ابن حجر: رواه الطبراني وغيره من طريق عبد الله بن شوذب مرسلا، فتح الباري (7/117) وانظر: خلاصة البدر المنير لابن الملقن (2/342) .
ونوقش الاستدلال: بأن والد أبي عبيدة ذكر الله تعالى بسوء وسب الرسول صلى الله عليه وسلم فقتله وفي هذه الحالة يجوز قتله بلا كراهة (1) .
والذي يظهر في هذه الحالة أن قول الجمهور هو الراجح، أنه لا يجوز ابتداءه بالقتل إذا لم يضطره إلى ذلك، لما سبق من الأدلة، والله أعلم.
وإن كان ابنا للمجاهد فقد ذهب الشافعية إلى أنه يكره ابتداءه بالقتل، ككراهية ابتداء الابن لأبيه الكافر (2) .
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كف أبا بكر عن قتل ابنه عبد الرحمن يوم أحد (3) .
وذهب الحنفية إلى أنه يجوز ابتداءه بالقتل دون كراهة (4) وهذا قول الحنابلة بناء على إطلاقهم جواز قتل الابن أبيه والعكس (5) .
واستدل الحنفية: بأنه لا يجب على الوالد إحياء ابنه بالنفقة إلا إذا كان مسلما (6) ، ويمكن أن يستدل للحنابلة، بما سبق من قتل أبي عبيدة لوالده (7) .
ووجه الدلالة: أنه إذا جاز قتل الابن لأبيه الكافر دون كراهه فالعكس من باب أولى أنه يجوز.
الترجيح
الذي يظهر أن ما ذهب إليه الشافعية من كراهة ابتدائه بالقتل هو الراجح لوجاهة استدلالهم ولأن عاطفة الأبوة قد تؤثر على الأب حين يقتل ابنه فيحدث له من الحزن والهم ما هو أعظم مما لو ترك غيره يباشره بالقتل، لاحتمال أنه ينجو من القتل في المعركة، ثم يهديه الله للإسلام فيقر الله به عين والده، والله أعلم.
(1) فتح القدير: (5/204) وروضة الطالبين (10/243) ومغني المحتاج (6/29) .
(2)
الحاوي الكبير (14/127) ومغني المحتاج (6/29) .
(3)
التلخيص الحبير (4/101) وخلاصة البدر المنير (2/342) .
(4)
البحر الرائق (5/133) وفتح القدير (5/204) .
(5)
كشاف القناع (2/379) والفروع (6/218) .
(6)
البحر الرائق (5/133) وفتح القدير (5/204) .
(7)
راجع قتل المجاهد قريبه الكافر من هذا البحث.
أما إن كان قريب المجاهد غير الوالد والابن.
فقد ذهب الحنفية (1) والحنابلة بناء على قولهم أنه يجوز القتل بين الأقارب مطلقا (2) وقول عند الشافعية (3) إلى أنه يجوز ابتداؤهم بالقتل دون كراهة؛ لأنهم في ذلك كغيرهم من الأجانب (4) . وقال الشافعية في قول آخر عندهم (5) أنه يكره قتلهم حتى يتراخى نسبهم ويبعد.
قال الماوردي (6) والذي عندي أنه ينظر لحالهم بعد ذوي المحارم، فإن كان ممن يرث بنسبه ويورث، كره له قتلهم لقوة نسبهم وتأكد حرمتهم، وإن كان ممن لا يرث ولا يورث لم يكره، وإن عمد إلى قتل أحدهم فلا حرج عليه (7) .
والذي ذكره الماوردي رحمه الله تعالى هو الأقرب إلى الرجحان لأن الشفقة على القريب قد تحمل المجاهد إلى أن يضعف عن الجهاد في سبيل الله والله أعلم.
(1) البحر الرائق (5/133) وشرح السير الكبير (1/76) وفتح القدير (5/204) .
(2)
كشاف القناع (2/379) والفروع (6/218) .
(3)
الحاوي الكبير (14/127) .
(4)
المرجع السابق في الهامش السابق.
(5)
الحاوي الكبير (14/127) وروضة الطالبين (10/243) .
(6)
هو: أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري الشافعي المعروف بالماوردي ولد في البصرة ونشأ فيها ثم رحل إلى بغداد وتلقى العلم على مشاهير علماء عصره، وله باع في الفقه والأصول تولى القضاء، من مؤلفاته: الحاوي والإقناع والأحكام السلطانية، وغيرها سكن بغداد وتوفي بها سنة 450 هـ انظر الأعلام (4/237) وشذرات الذهب (2/285) .
(7)
الحاوي الكبير (14/127) ولم أجد للمالكية قولا في القريب إذا كان ابنا من سائر الأقارب حسب ما اطلعت عليه من كتبهم.