الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جاء في فتح الباري (إن أخرج الرجل من ماله شيئا متطوع به، أو أعان الغازي على غزوة بفرس ونحوها فلا نزاع فيه)(1) .
يدل على ذلك ما يلي:
1-
عن زيد بن خالد (2) رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا
…
» (3) .
2-
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «للغازي أجره وللجاعل أجره وأجر الغازي» (4) .
وبما تقدم يتقرر جواز أخذ المجاهد الجعل على الجهاد في سبيل الله في كل صورة. والله أعلم.
المطلب الثاني
وقت استحقاق الجعل على الجهاد
لا يخلو أن يكون الجعل من بيت المال، أو يكون مشروطا بعمل يعمله.
فإذا كان الجعل من بيت المال، فإنه يعطى المجاهد حسب الوقت الذي تستوفى فيه حقوق بيت المال، فإن كانت تستوفى في وقت واحد من السنة جعل العطاء له في رأس كل السنة، وإن كانت تستوفى في وقتين جعل العطاء في كل سنة مرتين، وإن كان في رأس كل شهر جعل العطاء في رأس كل شهر (5) .
(1) فتح الباري (6/135) نفلا عن ابن بطال.
(2)
هو: زيد بن خالد الجهني. كنية أبو زرعة، وقيل أبو عبد الرحمن. روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن جمع من الصحابة رضي الله عنهم شهد الحديبية، وكان معه لواء جهينة يوم فتح مكة، توفي بالمدينة سنة 78 هـ وقيل: 68 هـ انظر: الإصابة (2/499) ت رقم
…
(2902) والأعلام (3/85) .
(3)
سبق تخريجه ص 60.
(4)
سبق تخريجه ص 499.
(5)
الأحكام السلطانية للماوردي ص 345.
وإن احتاجوا في الحال إلى التجهيز للقتال أخذوا من موجودات بيت المال في الحال ليخرجوا إلى القتال لأن الأمر لا يحتمل التأخير.
أما إذا كان الجعل مشروطا بعمل يعمله، فإنه يستحق الجعل عليه فور الانتهاء من العمل ولا أعلم في ذلك خلافا (1) .
جاء في كشاف القناع: (يستحق الجعل بفعل ما جعل له
…
كسائر الجعالات) (2) .
المبحث الثالث
استعارة (3) المجاهد آلات الحرب
اتفق الفقهاء (4) -رحمهم الله تعالى- على جواز استعارة المجاهد آلات الحرب التي يمكن استخدامها دون هلاك عينها (5) .
قال ابن حزم في مراتب الإجماع: (واتفقوا أن عارية السلاح ليقاتل به أو الدواب لركوبها جائزة، وكذلك كل شيء يستعمل في أغراضه ولا يعدم شخصه ولا يتغير
…
) (6) .
يدل على ذلك ما يلي:
(1) المقدمات الممهدات (2/175) والحاوي الكبير (14/137) وشرح منتهى الإرادات
…
(1/633) .
(2)
كشاف القناع (2/391) .
(3)
العارية، والعارة: ما تداولوه بينهم يقال: اعْتَوَروا الشيء وتَعّوروه وتَعَاوَروه. تداولوه بينهم، واستعاره الشيء واستعاره منه طلب أن يعيره إياه، انظر: لسان العرب (4/618) مادة (عور) والمصباح المنير ص (437) مادة (عور)
وفي الاصطلاح: إباحة نفع عين بغير عوض من المستعير أو غيره. انظر: كشاف القناع (2/295) وحاشية الروض (5/358) .
(4)
البحر الرائق (7/478) وحاشية ابن عابدين (7/345) وحاشية الخرشي (6/503) وحاشية الدسوقي (3/437) وشرح السنة للبغوي (8/422) وشرح صحيح مسلم للنووي (15/74) والمغني (7/345) وكشاف القناع (2/295) .
(5)
إن كان مما لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاكه، فلا تصح إعارته، انظر: بدائع الصنائع
…
(5/319) وحاشية الدسوقي (6/497) والحاوي الكبير (7/116) والمغني (7/345) .
(6)
مراتب الإجماع ص 95.
1-
عن صفوان بن أمية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا أتتك رسلي فأعطهم ثلاثين درعا» قلت يا رسول الله أعارية مضمونة، أم عارية مؤداة، قال:«بل عارية مؤداة» (1) .
2-
وعن قتادة رضي الله عنه قال: سمعت أنسا رضي الله عنه يقول: (كان فزع (2) بالمدينة فاستعار النبي صلى الله عليه وسلم فرسا من أبي طلحة، يقال له: المندوب (3) فركبه، فلما رجع قال:«ما رأينا من شيء، وإن وجدناه لبحرا (4) » ) (5) .
(1) أخرجه أبو داود في سننه مع عون المعبود، كتاب البيوع، باب في تضمين العارية ح رقم (3561) ، وابن حزم في المحلى بالآثار، في مسألة العارية وقال عنه: هذا حديث حسن ليس في شيء مما روي في العارية خبر يصح غيره (8/144) ، وأخرجه الدارقطني في سننه، كتاب البيوع ح رقم (2930) .
(2)
الفزع: الخوف في الأصل، فوضع موضع الإغاثة والنصر؛ لأن من شأنه الإغاثة والدفع عن الحريم.
انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (3/397) ، وفتح الباري شرح صحيح البخاري (5/301) .
(3)
اسم للفرس، سمي بذلك من الندب وهو الرهن عند السباق، وقيل: لأثر جرح كان في جسمه انظر: فتح الباري (5/302) .
(4)
أي واسع الجري وقد كان بطيئًا. انظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (1/99) وفتح الباري (5/302) وشرح صحيح مسلم للنووي (15/74) .
(5)
صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الهبة، باب من استعار من الناس الفرس، ح رقم
…
(2627) وصحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب في شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وتقدمه للحرب ح رقم (2307) .
المبحث الرابع
أخذ المجاهد لقطة (1) دار الحرب
الأصل في جواز أخذ اللقطة ما يلي:
1-
قوله تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195] .
وجه الدلالة: أن هذا أمر بالإحسان عموما، فيشمل جميع أنواع الإحسان، ويدخل في الإحسان أخذ مال المسلم الضائع لحفظه ورده إليه، ومال الكافر المحارب لوضعه في الغنيمة لمصلحة المسلمين (2) .
2-
عن زيد بن خالد رضي الله عنه قال: جاء رجل (3) إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن اللقطة فقال: (أعرف عفاصها (4) ووكاءها (5) ثم عرفها (6) سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها، قال: فضالة الغنم؟ قال: هي لك أو لأخيك أو للذئب، قال: فضالة الإبل؟
(1) اللقطة: بضم اللام وفتح القاف على المشهور عند أهل اللغة، اسم للمال الملتقط. والالتقاط: أن تعثر على الشيء من غير قصد وطلب، ومنه قوله تعالى:(فالتقطه آل فرعون) القصص آية 8.
انظر: لسان العرب (7/393) مادة (لقط) والمعجم الوسيط (1/384) .
وفي الشرع: المال الضائع من ربه يلتقطه غيره. انظر: المغني (8/290) .
(2)
تيسير الكريم الرحمن لابن السعدي (1/154) بتصرف.
(3)
هو: سويد الجهني. انظر: فتح الباري (5/101) .
(4)
الوعاء الذي تكون فيه النفقة جلدا أو غيره، انظر: فتح الباري (5/102) وعون المعبود (5/84) وشرح صحيح مسلم (11/264) .
(5)
الوكاء: الخيط الذي يشد به الصرة. انظر: عون المعبود (5/84) وشرح صحيح مسلم (11/264) .
(6)
أي ينادي بها في الموضع الذي وجدها فيه، وفي الأسواق والشوارع وأبواب المساجد. انظر: عون المعبود (5/81) .
قال: مالك ولها؟ معها سقاؤها (1) وحذاؤها (2) ترد المال وتأكل الشجر حتى يلقاها ربها) (3) .
3-
إجماع الفقهاء في الجملة على جواز أخذ اللقطة.
جاء في رحمة الأمة: وأجمعوا على جواز الالتقاط في الجملة (4) .
إذا تقرر جواز أخذ اللقطة فإن للمجاهد أخذ لقطة دار الحرب وله مع اللقطة في دار الحرب ثلاث حالات (5) .
الحالة الأولى: أن يعلم أن اللقطة لأهل الحرب، فتكون غنيمة يضعها في الغنائم، ولا يجوز أخذ شيئا منها لنفسه.
الحالة الثانية: أن يعلم أن ما وجده لمسلم سواء كان من المجاهدين أو غيرهم، فإنه يُجِري فيه أحكام اللقطة فيعرفه سنة كاملة إن كان له قيمة (6) .
جاء في رحمة الأمة: (أجمع الأئمة على أن اللقطة تعرف حولا كاملا إذا لم يكن شيئا تافها يسيرا، أو شيئا لا بقاء له)(7) .
(1) بكسر السين: أي جوفها حيث وردت الماء شربت ما يكفيها حتى ترد ماء أخر. انظر: عون المعبود (5/86) وفتح الباري (5/104) .
(2)
بكسر الحاء: أي أخفافها فتقوى بها على السير. انظر: عون المعبود (5/86) وفتح الباري (5/104) .
(3)
صحيح البخاري مع الفتح كتاب اللقطة، باب إذا لم يوجد صاحب اللقطة بعد سنة ح رقم (2429) وصحيح مسلم مع شرح النووي كتاب اللقطة ح رقم (1722) .
(4)
رحمة الأمة في اختلاف الأئمة ص 363.
(5)
الحاوي الكبير (14/172) وشرح السير الكبير (3/145) والمغني (13/126) وكشاف القناع (2/404) .
(6)
الشيء الحقير يجب تعريفه زمنا يُظَن أن فاقده لا يطلبه في العادة أكثر من ذلك الزمان.
انظر: شرح صحيح مسلم للنووي (11/266) .
(7)
رحمة الأمة في اختلاف الأئمة ص (362) .
ويبدأ بالتعريف في الجيش الذي هو فيه، لأنه يحتمل أن يكون لأحدهم (1) ويعرف اللقطة بكل الوسائل الممكنة التي تؤدي إلى إعادة المال إلى صاحبه، فإن انتهت السنة ولم يأت له مالك، فله أن يتصرف فيه فإن قدم صاحبه يوما ضمنه له (2) .
والأولى أن يدفع المجاهد اللقطة إلى الإمام أو القائد المسئول عنه، وذلك لأمرين:
الأول: أن الإمام أو القائد يملك من الوسائل ما يمكنه من إيصال المال إلى صاحبه في أقرب وقت.
الثاني: أن المجاهد يخلي مسئوليته من حفظ اللقطة، وضمانها فيما لو تلفت بتعدي منه.
الحالة الثالثة: أن يكون ما وجده مشكوكا فيه، هل هو من مال العدو فيكون غنيمة، أم من مال المسلمين فيأخذ أحكام اللقطة؟
جاء في الحاوي: (إن وجد في معسكر أهل الحرب كان غنيمة، وإن وجد في معسكر المسلمين كان لقطة باعتبار اليد)(3) .
وجاء في المغني: (وإن احتملت الأمرين، غلب فيها حكم مال المسلمين في التعريف، وحكم مال أهل الحرب في كونها غنيمة احتياطا)(4) .
وما ذهب إليه صاحب المغني أولى؛ لأنه يعرفها سنة كاملة فإذا جاء صاحبها تبين إن كان مسلما أعطاه إياه، وإن كان حربيا وضعها في الغنيمة، وإن انتهت السنة ولم يعرف صاحبها غَلَّب كونها من مال الحربي ووضعها في الغنيمة احتياطا. والله أعلم.
(1) المغني (8/321) وكشاف القناع (2/404) .
(2)
رحمة الأمة في اختلاف الأئمة ص (363) وفتح الباري (5/106) والمغني (8/299) والمحلى بالآثار (7/110) .
(3)
الحاوي الكبير (14/12) وانظر: شرح السير الكبير (3/148) .
(4)
المغني (13/126) وانظر: كشاف القناع (2/404) .