الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
خروج القاضي للجهاد
السنة أن الإمام هو الذي يخرج مع العسكر إلى الجهاد في سبيل الله، وهو الذي يؤمهم في الصلاة، ويقيم الحدود، ويفصل في المنازعات بينهم، فهو القائد القاضي، وكذلك نائبه، أو من يؤمره.
قال ابن تيمية رحمه الله كانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر خلفائه الراشدين، ومن سلك سبيلهم من ولاة الأمور في الدولة الأموية، والعباسية أن الإمام يكون إمام في الصلاة والجهاد وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استعمل رجلا على غزوة كان أمير الحرب هو الذي يصلي بالناس وهو الذي يقيم الحدود (1) . وجاء في الأحكام السلطانية للماوردي: الأمير إذا فوضت إليه الإمارة على المجاهدين ينظر في أحكامهم ويقيم الحدود عليهم (2) .
ولما تولي قيادة الجيوش من ليس عنده القدرة على الاجتهاد في المسائل الفقهية والقضاء بين العسكر كان القضاة يخرجون مع العسكر.
جاء في مغنى المحتاج: يعطي من الفيء القضاة، والمراد بالقضاة غير قضاة العسكر، أما قضاتهم الذين يحكمون لأهل الفيء في مغزاهم فيرزقون من الأخماس الأربعة (3) . ولا يجوز خروج القاضي إذا لم يكن في البلد غيره لخوف ضياع حقوق الناس وتعطل مصالحهم (4) .
(1) مجموع الفتاوى (35/38) .
(2)
الأحكام السلطانية ص (112) .
(3)
مغني المحتاج (4/147) وفتاوى قاضيخان بهامش الفتاوى الهندية (2/363) .
(4)
حاشية ابن عابدين (6/204) .
المبحث الثاني
مطالبة المجاهد بالدين (1) الحال
سبق بيان أن من عليه دين حال لا يجوز له الخروج إلى الجهاد إذا كان فرض كفاية إلا بإذن صاحب الدين، إلا أن يترك وفاء أو يقيم كفيلا أو يوثق دينه برهن (2) .
فإذا حل الدين على المجاهد وهو في الجهاد فإن لصاحب الدين مطالبته بدينه، ويلزمه الوفاء بالدين مع القدرة على ذلك باتفاق الفقهاء (3) -رحمهم الله تعالى فيما أعلم- جاء في مراتب الإجماع:(أجمعوا على أن كل من لزمه حق في ماله أو ذمته لأحد ففرض عليه أداء الحق لمن هو له عليه إذا أمكنه ذلك)(4) .
يدل على ذلك ما يلي:
1-
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مطل الغني ظلم» (5) فالحديث دليل على تحريم المطل وهو: المدافعة والتسويف بوعد الوفاء مرة بعد مرة فيؤخر ما استحق أداؤه بغير عذر (6) وهذا عام في كل قادر على الوفاء.
(1) الدين: القرض وثمن المبيع. انظر: المصباح المنير ص (205) مادة (دين)
واصطلاحًا: ما وجب في الذمة بعقد أو استهلاك وما صار في ذمته دينا باستقراضه، فهو أعم من القرض. انظر: حاشية ابن عابدين (7/383)) .
(2)
راجع: إذن الدائن في خروج المجاهد ص (289) .
(3)
الحجة على أهل المدينة (2/695) ومختصر اختلاف العلماء (4/280) والمدونة (4/41) وبلغة السالك (2/106) قواعد الأحكام للعز بن بعد السلام (2/24) وعون المعبود
…
(9/139) والمغني (6/585) وحاشية الروض المربع (5/165) وتوضيح الأحكام
…
(4/115) .
(4)
مراتب الإجماع لابن حزم ص (58) .
(5)
أخرجه البخاري مع الفتح، كتاب الاستقراض باب مطل الغني ظلم، ح رقم (2400) ومسلم مع شرح النووي، كتاب المساقاة باب تحريم مطل الغني، ح رقم (1564) .
(6)
سبل السلام (3/126) وفتح الباري (4/586) وشرح صحيح مسلم (10/486) والمصباح المنير ص (205) .
2-
ولأن الشهادة في سبيل الله لا تكفر الدين، فلزم أداؤه لما ثبت عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين» (1) .
أما إذا عجز عن سداد الدين لإعساره فإنه يلزم صاحب الدين إنظاره حتى يوسر ولا تحل مطالبته بالدين باتفاق الفقهاء (2) -رحمهم الله تعالى فيما أعلم-.
يدل على ذلك قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280] .
فإن كان موسرا لكنه لم يتمكن من أداء الدين لانشغاله بالقتال في سبيل الله، فإن له التأخر إلى أن يقدر على الأداء، ولا يدخل ذلك تحت المماطلة المحرمة، لأن له عذرا يمنعه من الأداء (3) والله أعلم.
(1) صحيح مسلم مع شرح النووي، كتاب الإمارة، باب من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه، ح رقم (1886) .
(2)
مختصر اختلاف العلماء (3/393) واللباب في شرح الكتاب (2/74) والتفريع (2/247) والتلقين ص (429) وسبل السلام (3/126) وفتح الباري (4/586) ومغني المحتاج (3/115) وحاشية الروض المربع (5/163) والمغني (6/585) وتوضيح الأحكام (4/116) .
(3)
شرح صحيح مسلم للنووي، (10/486) وحاشية الروض المربع (5/165) .