المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفرع الثالثالفرار من الزحف - أحكام المجاهد بالنفس في سبيل الله عز وجل في الفقه الإسلامي - جـ ٢

[مرعي الشهري]

فهرس الكتاب

- ‌المطلب الثانيفي بدء المعركة والالتحام مع العدو

- ‌الفرع الأولالدعاء والتكبير

- ‌الفرع الثانيعلاقة القادة بالجند واتباع الخطط المرسومة

- ‌الفرع الثالثالفرار من الزحف

- ‌الفرع الرابعقتل المشارك في الحرب من العدو

- ‌الفرع الخامسقتل من لم يشارك في القتال من العدو

- ‌الفرع السادسقتل المجاهد قريبه الكافر

- ‌الفرع السابعقتل العدو إذا تترسوا بالنساء والأطفال منهمأو بأسرى الحرب من المسلمين

- ‌المسألة الأولى: قتل العدو إذا تترسوا بنسائهم وأطفالهم

- ‌المسألة الثانيةقتل العدو إذا تترسوا بأسرى الحرب من المسلمين

- ‌الفرع الثامنالاعتداء على أعراض العدو

- ‌الفرع العاشرإقحام المجاهد نفسه فيما يغلب على ظنه أن فيه الهلكة

- ‌الفرع الحادي عشراستسلام المجاهد للأسر

- ‌المبحث الثالثفيما يستخدمه المجاهد من الأسلحة في مواجهة العدو

- ‌المطلب الأولالتحريق بالنار

- ‌المطلب الثانيالتغريق بالماء

- ‌المطلب الثالثالرمي

- ‌الفرع الأولالرمي بالمنجنيق

- ‌الفرع الثانيالرمي بالمدافع، والطائرات، والدبابات، ونحو ذلك

- ‌الفرع الرابعالرمي بالأسلحة ذات الدمار الشامل

- ‌المسألة الأولى: الرمي بالأسلحة النووية

- ‌المطلب الرابعالتحصينات لردع العدو

- ‌الفرع الأول: حفر الخنادق

- ‌الفرع الثانيوضع الأسلاك الشائكة

- ‌الفرع الثالث:زراعة الألغام

- ‌الفرع الرابعنصب الصواريخ

- ‌المبحث الرابعإتلاف المجاهد لأموال العدو

- ‌المطلب الأولإتلاف مال

- ‌المطلب الثانيإتلاف مال العدو إذا لم يخش استرداده

- ‌المطلب الثالثإحراق المدن والزروع وقطع الأشجار ونحو ذلك

- ‌المطلب الرابعإتلاف الكتب

- ‌الفرع الأول: إتلاف الكتب الضارة

- ‌الفرع الثانيإتلاف الكتب النافعة

- ‌المطلب الخامسقتل الحيوانات

- ‌المطلب السابعإتلاف سلاح العدو

- ‌المبحث الخامسإطلاق المجاهد من الأسر

- ‌المطلب الأولفداء الأسرى

- ‌الفرع الأول: فداء الأسرى بالمال

- ‌الفرع الثانيفداء الأسرى بأسرى من العدو

- ‌المطلب الثانيقتل أسرى العدو إذا قتلوا أسرى المسلمين

- ‌المطلب الثالثهرب المجاهد من الأسر وقتل العدو وأخذ أموالهم

- ‌المطلب الرابعإذا أطلقه العدو على أن يبقى في ديارهم

- ‌المطلب الخامسإذا أطلقه العدو على أن ينفذ لهم في بلاد المسلمين ما يريدون

- ‌الفرع الأول: إذا أطلقه العدو على أن يحمل لهم من بلاد الإسلام الفداء

- ‌المبحث السادسفي أحكام الغنيمة والفيء والنفل

- ‌المطلب الأول: في أحكام الغنيمة

- ‌الفرع الأول: الغلول في الغنيمة

- ‌المسألة الأولىالمراد بالغلول

- ‌المسألة الثالثةعقوبة الغال

- ‌الفرع الثانيما يجوز للمجاهد أخذه من الغنيمة قبل القسمة

- ‌المسألة الأولى: أخذ السلاح من الغنيمة للقتال به، ثم رده بعد القتال

- ‌المسألة الثانيةالأكل من الغنيمة بقدر الحاجة

- ‌المسألة الثالثةتموين المركوب من الغنيمة في أرض العدو

- ‌المسألة الرابعةاستعمال الأدوية من الغنيمة للعلاج

- ‌الفرع الثالثقسمة الغنيمة قبل أن يكون للجند راتب من الدولة

- ‌المسألة الأولى: تخميس الغنيمة

- ‌المسألة الثالثةسهم الراجل

- ‌الفرع الرابعقسمة الغنيمة بعد أن أصبح للجند راتب

- ‌المطلب الثانيفي أحكام الفيء

- ‌الفرع الأول: حكم أخذ الفيء

- ‌المطلب الثالثفي أحكام النفل للمجاهد

- ‌الفرع الأول: حكم النفل

- ‌الفرع الثانيفائدة النفل

- ‌الفرع الثالثالنفل في الماضي والحاضر

- ‌الباب الثانيأحكام المجاهد بالنفس في المعاملات

- ‌الفصل الأولأحكام المجاهد في البيع

- ‌المبحث الثانيشراء المجاهد السلاح من العدو

- ‌المبحث الثالثشراء المجاهد ما يحتاجه من تجار العدو غير السلاح

- ‌المبحث الرابعالتعامل بالربا

- ‌المبحث الخامستصرف المجاهد ببيع شيء من الغنيمة

- ‌المبحث السادسبيع الحربي ولده في دار الحرب على المجاهد

- ‌الفصل الثانيأحكام المجاهد في الإجارة والجعالة

- ‌المبحث الأولفي الإجارة

- ‌المطلب الأول: أخذ الأجرة على الجهاد

- ‌المطلب الثانياستئجار من ينوب عنه في الجهاد

- ‌المطلب الثالثاستئجار آلات الحرب

- ‌المطلب الرابعاستئجار كافر لمساعدته

- ‌المبحث الثانيفي الجُعالة

- ‌المطلب الأول: أخذ الجعل على الجهاد

- ‌المطلب الثانيوقت استحقاق الجعل على الجهاد

- ‌الفصل الثالثأحكام المجاهد في الرهن والضمان

- ‌المبحث الثانيفي الضمان

- ‌المطلب الأول: ضمان المجاهد السلاح المستعار إذا تلف

- ‌المطلب الثانيضمان لقطة دار الحرب

- ‌الباب الثالثأحكام المجاهد بالنفس في فقه الأسرة

- ‌الفصل الأولأحكام المجاهد في الوقف والهبة والوصية والميراث

- ‌المبحث الأولفي الوقف

- ‌المطلب الأول: وقف المجاهد ماله على المجاهدين في سبيل الله

- ‌المطلب الثانينفقة الفرس الموقوف على الجهاد

- ‌المبحث الثالثفي الوصية والميراث

- ‌المطلب الأول: في الوصية

- ‌الفرع الثانيالوصية للمجاهد في سبيل الله

- ‌المطلب الثانيفي الميراث

- ‌الفرع الأول: قسمة مال المفقود في المعركة

- ‌الفرع الثانيإرث المفقود من غيره قبل الحكم بموته

- ‌الفصل الثانيأحكام المجاهد في النكاح

- ‌المبحث الثانينكاح المجاهد في الأسر

- ‌المبحث الرابعأطول مدة يغيب فيها المجاهد عن زوجته

- ‌الفصل الثالثأحكام المجاهد في الإيلاء والرجعة

- ‌المبحث الأولفي الإيلاء

- ‌المطلب الأول: مدة الإيلاء

- ‌المبحث الثانيفي الرجعة

- ‌المطلب الأول: مراجعة المجاهد زوجته وهو في المعركة

- ‌المطلب الثانيإذا لم تعلم الزوجة بمراجعته لها فاعتدت ثم تزوجت

- ‌الفصل الرابعأحكام المجاهد في العدة والنفقات

- ‌المبحث الأولفي العدة

- ‌المطلب الثانيفي عدة زوجة المجاهد إذا فقد في المعركة

- ‌الفرع الأول: مدة الانتظار قبل أن تعتد

- ‌الفرع الثانيعدة زوجة المجاهد بعد مدة الانتظار

- ‌المبحث الثانيفي النفقات

- ‌المطلب الأول: نفقة زوجة المجاهد ونفقة أولاده

- ‌الباب الرابعأحكام المجاهد في الجنايات والدياتوالحدود والقضاء

- ‌الفصل الأولأحكام المجاهد في الجنايات والديات والحدود

- ‌المبحث الأولأحكام المجاهد في الجنايات

- ‌المطلب الأول: أحكام المجاهد في القصاص

- ‌الفرع الثانيالقصاص من المجاهد فيما دون النفس

- ‌المطلب الثانيقتل المجاهد نفسه في المعركة

- ‌المطلب الثالثقتل المجاهد نفسه في الأسر

- ‌المبحث الثانيأحكام المجاهد في الديات

- ‌المطلب الأول: دية الشهيد

- ‌المطلب الثانيدية المقتول خطأ في المعركة

- ‌المطلب الثالثضمان المجاهد قتل من تترس به العدو من المسلمين

- ‌المطلب الرابعضمان المجاهد من قتله خطأ أو عمدا ممن لا يجوز له قتله من العدو

- ‌المبحث الثالثأحكام المجاهد في الحدود

- ‌المطلب الأول: إقامة الحدود على المجاهد في أرض العدو

- ‌المطلب الثانيإقامة الحدود على المجاهد في الثغور

- ‌الفصل الثانيأحكام المجاهد في القضاء

- ‌المبحث الأولخروج القاضي للجهاد

- ‌المبحث الثالثمطالبة المرأة له بالطلاق

- ‌المبحث الخامسقبول شهادة المجاهدين بعضهم لبعض

- ‌خاتمة البحث

- ‌فهرس المراجع

الفصل: ‌الفرع الثالثالفرار من الزحف

‌الفرع الثالث

الفرار من الزحف

(1)

للمجاهدين في سبيل الله مع العدو عند اللقاء حالتان:

الحالة الأولى: أن يكون العدو مثلي عدد المجاهدين أو أقل (2) .

الحالة الثانية: أن يكون العدو أكثر من مثلي عدد المجاهدين.

فأما الحالة الأولى: إذا كان العدو مثلي عدد المجاهدين أو أقل فإنه يجب على المجاهدين في سبيل الله الثبات ويحرم الفرار من العدو إلا في حالة التحرف (3) لقتال أو التحيز (4) إلى فئة من المسلمين، وبهذا قال عامة الفقهاء (5) ونقل بعضهم الاتفاق على ذلك.

(1) الزحف: المشي إليه، والزحف: الجماعة يزحفون إلى العدو، والتزاحف التداني، والتقارب انظر: لسان العرب (9/129) مادة (زحف) وجامع البيان للطبري (6/199) .

(2)

المراد أن يكونوا مثليهم في العدد والسلاح.

(3)

هو: أن يعدل عن القتال إلى موضع هو أصلح للقتال، فينتقل من مضيق إلى سعة، ومن صعب إلى سهل ونحو ذلك. انظر: الحاوي الكبير (14/183) والمغني (13/187) وحاشية الخرشي (4/20) .

(4)

هو: الذي ينحاز إلى طائفة من المسلمين يتقوى بهم. انظر المراجع السابقة.

(5)

شرح السير الكبير (1/89) والفتاوى الهندية (2/193) والكافي في فقه أهل المدينة (1/467) وحاشية الخرشي (4/19) والأم (4/169) والحاوي الكبير (14/181) والمغني (13/186) وكشاف القناع (2/374) والمحلى بالآثار (5/342) .

وحكى عن الحسن البصري، والضحاك، وغيرهما: أن الفرار من الزحف بعد يوم بدر ليس بكبيرة فلا يحرم. واستدلوا بما يلي:

أ - قوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] فقوله تعالى: {يومئذ} يدل على أنه خاص ببدر.

ونوقش الاستدلال: بأن الأمر في الآيات بالثبات مطلق فلا يقيد إلا بدليل. وخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الفرار من الكبائر عام لا يخصص إلا بدليل.

ب- ولأن الناس فروا يوم أحد ويوم حنين فعفا الله عنهم، ولم يعنفوا على ذلك.

ونوقش بأنه يحمل على كثرة العدو، ثم هم قد عنفوا على فرارهم، ثم عفا الله عنهم، انظر: المغني (13/186) وأحكام القرآن للجصاص (3/63) والجامع لأحكام القرآن

(7/334) .

ص: 367

جاء في حاشية الروض المربع: (اتفقوا على أنه إذا التقى الزحفان وجب على المسلمين الحاضرين وحرم عليهم الانصراف والفرار)(1) .

واستدلوا بما يلي:

1-

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 15، 16] .

فالله سبحانه حرم على المؤمنين إذا لقوا العدو الانهزام والإدبار عنهم إلا لتحرف إلى قتال، أو تحيز إلى فئة من المسلمين، فمن أدبر بعد الزحف بغير نية التحريف، أو التحيز فقد استوجب من الله وعيده، إلا أن يعفو عنه (2) .

2-

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الأنفال: 45] .

والمراد: إذا لقيتم جماعة من أهل الكفر فاثبتوا لقتالهم، ولا تنهزموا عنهم ولا تولوهم الأدبار هاربين، وادعوا الله بالنصر عليهم (3) .

3-

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجتنبوا السبع الموبقات (4) وذكر منها التولي يوم الزحف) (5) .

وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم عد الفرار من الزحف من الكبائر (6) فدل على شدة حرمة الفرار من الزحف.

(1) حاشية الروض المربع (4/267) ومشارع الأشواق (1/566) .

(2)

جامع البيان للطبري (6/202) .

(3)

جامع البيان للطبري (6/260) .

(4)

الموبقات: المهلكات انظر: شرح صحيح مسلم للنووي (2/442) .

(5)

صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الحدود، باب رمي المحصنات، ح رقم (6857) وصحيح مسلم بشرح النووي، كتاب الإيمان باب بيان الكبائر ح رقم (89) .

(6)

المغني (13/186) .

ص: 368

الحالة الثانية: أن يكون العدو أكثر من مثلي المجاهدين.

وفي هذه الحالة، إن غلب على ظن المجاهدين في سبيل الله الظفر بالعدو إذا ثبتوا لزمهم الثبات مهما كان عدد العدو للأدلة السابقة من الكتاب والسنة التي توجب الثبات عند لقاء العدو (1) ولما في ذلك من المصلحة للأمة (2) .

وإن غلب على ظنهم الهلاك جاز لهم الفرار، وبهذا قال عامة الفقهاء (3) .

واستدلوا بما يلي:

1-

قوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 65-66] .

وجه الدلالة من الآيات: أنه في أول الإسلام كان فرض على الواحد من المجاهدين قتال عشرة من الكفار ثم خفف فأصبح فرض الواحد اثنين (4) فإن زاد العدو على الضعف لم يعد فرض عليه المصابرة وجاز له الفرار.

2-

قال تعالى: {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] .

(1) انظر الأدلة في الحالة الأولى.

(2)

المغني (13/189) والحاوي الكبير (14/182) .

(3)

شرح السير الكبير (1/89) والفتاوى الهندية (2/193) وحاشية الدسوقي (2/178) والكافي في فقه أهل المدينة (1/467) والأم (4/169) وروضة الطالبين، (10/248) والمغني (13/187) وكشاف القناع (2/374) .

(4)

السنن الكبرى للبيهقي (9/129) والأم (4/169) .

ص: 369

وجه الدلالة من الآية: أن بقاء المجاهدين في وجه العدو مع غلبة الظن أنهم يهلكون مدعاة إلى استئصال المجاهدين وهلاكهم دون تأثير في العدو، فيدخل ذلك تحت عموم النهي عن إلقاء النفس إلى التهلكة.

3-

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إن فر رجل من اثنين فقد فر وإن فر من ثلاثة لم يفر)(1) .

وجه الدلالة: أن الفرار من الضعف لا يجوز فإن زاد عدد العدو على ضعف المجاهدين جاز واستثنى الحنفية (2) والمالكية (3) من جواز الفرار من الزحف ما إذا كان عدد المجاهدين اثنا عشر ألفا فأكثر، فإنه لا يجوز الفرار من الزحف مهما كان عدد العدو على أن تكون كلمة المجاهدين واحدة ومعهم السلاح.

واستدلوا بحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ولن يغلب اثنا عشر ألفا من قلة» (4) .

(1) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب السير، باب تحريم الفرار من الزحف ح رقم

(18081) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات (5/328) .

(2)

شرح السير الكبري (1/89) وأحكام القرآن للجصاص (3/64) والفتاوى الهندية

(2/193) .

(3)

حاشية الدسوقي (2/178) وحاشية الخرشي (4/19) .

(4)

أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الجهاد باب فيما يستحب من الجيوش والرفقاء، والسرايا، ح رقم (2611) وقال: الصحيح أنه مرسل، والترمذي في سننه مع عارضة الأحوذي كتاب السير، باب ما جاء في السرايا، ح رقم (1555) وقال: حديث حسن غريب، لا يسنده كبير أحد غير جرير بن حازم، وإنما روي هذا الحديث عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وأخرجه الدارمي في سننه، كتاب السير، باب في خير الأصحاب، والسرايا والجيوش (2/215) والحاكم في المستدرك كتاب المناسك، ح رقم (1621) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، انظر: التلخيص على هامش المستدرك (1/611) .

ص: 370

والمراد لن يغلب لقلة العدد، وإن كان قد يغلب لأمر آخر، كالعجب بكثرة العدد، كما حصل للمسلمين في حنين (1) .

ونوقش بأن المراد لا يغلب اثنا عشر ألفا من قلة بالنسبة لزمن النبي صلى الله عليه وسلم فاثنا عشر ألفا في ذلك الزمن يعتبرون في حد الكثرة، ولذلك ضمن له النصر إذا صحت النيات (2) .

وذهب ابن حزم إلى أنه لا يجوز الفرار مطلقا ولو كثر العدو إلا أن يكون متحيزا إلى جماعة المسلمين أو ينوى الكر إلى القتال (3) .

واستدل بظاهر قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 15، 16] .

ويمكن مناقشة ما أطلقه ابن حزم، بأن ذلك مقيد بما استدل به الجمهور من كون فرض المجاهد أن يصابر مثليه من العدو، فإن زادوا عن الضعف وظن الهلاك فله الفرار.

الترجيح

الذي يظهر أن الراجح قول عامة الفقهاء أنه يجوز الفرار من الزحف إذا كان العدو أكثر من مثلي المجاهدين سواء كان عدد المجاهدين اثنا عشر ألفا أو أكثر أو أقل إذا غلب على ظنهم إن ثبتوا الهلاك دون تأثير في العدو، وكان ذلك في جهاد الطلب، وإن ثبتوا جاز لهم ذلك لنيل الشهادة في سبيل الله مقبلين غير مدبرين، ولربما انتصروا، قال تعالى:{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249] . والله أعلم.

(1) عون المعبود شرح سنن أبي داود (7/193) .

(2)

عارضة الأحوذي شرح سنن الترمذي (7/36) .

(3)

المحلى بالآثار (5/342) .

ص: 371