الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث
أحكام المجاهد في الرهن والضمان
ويشتمل على مبحثين:
المبحث الأول: رهن المجاهد سلاحه للعدو في شراء الطعام ونحوه.
المبحث الثاني: في الضمان.
المبحث الأول
رهن (1) المجاهد سلاحه للعدو في شراء الطعام، ونحوه
لم أجد من الفقهاء -رحمهم الله تعالى- من أجاز للمجاهد رهن سلاحه عند الحربي الذي لا عهد له ولا أمان، على -حسب ما اطلعت عليه-؛ لأنه يجوز للمجاهد قتل الحربي الذي لا أمان له ولا عهد واغتنام ماله والأكل منه بقدر الحاجة (2) ؛ ولأن الفقهاء اتفقوا على عدم جواز بيع السلاح للحربي (3) فكذلك رهنه؛ لأن ما لا يصح بيعه لا يصح رهنه (4) .
إذا تقرر هذا فما جاء في رهن السلاح عند العدو محمول على من له ذمة منهم، أو له أمان وعهد.
يدل على ذلك ما يلي:
1-
عن عائشة رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما إلى أجل ورهنه درعه)(5) .
جاء في فتح الباري في السلاح (وإنما يجوز بيعه ورهنه عند من تكون له ذمة أو عهد باتفاق)(6) .
(1) الرهن في اللغة: الدوام والثبوت، انظر لسان (13/190) مادة (رهن) والمصباح المنير ص (242) مادة (رهن)، وشرعًا: توثيق دين بعين يمكن أخذه أو بعضه منها أو من ثمنها: انظر: معونة أولي النهى شرح المنتهى (4/316) .
(2)
راجع: ص (372، 458) .
(3)
راجع: ص (484) .
(4)
هذا ضابط في باب الرهن. انظر: المغني (6/466) وتحفة الفقهاء (3/40) .
(5)
صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الرهن، باب من رهن درعه ح رقم (2509) وصحيح مسلم بشرح النووي، كتاب المسافاة، باب الرهن وجوازه ح رقم (1603) .
(6)
فتح الباري (5/179) .
2-
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من لكعب بن الأشرف؟ فإنه آذى الله ورسوله» فقال محمد بن مسلمة (1) : أنا، فأتاه، فقال:«أردنا أن تسلفنا وسقا (2) أو وسقين» فقال: ارهنوني نساءكم، قالوا: كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب؟ قال: فارهنوني أبناءكم، قالوا: كيف نرهن أبناءنا فَيسَب أحدهم، فيقال: رهن بوسق أو وسقين؟ هذا عار علينا، ولكنا نرهنك اللامة (3) ، فوعده أن يأتيه فقتلوه، ثم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه (4) .
وجه الدلالة من الحديث:
أن رهن السلاح كان معتادا عندهم لأهل العهد ولو لم يكن كذلك لما عرضوا عليه رهن السلاح، ولو لم تجر العادة برهنه لاستراب منهم، وفاتهم ما أرادوا من قتله (5) .
3-
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة بعشرين صاعا (6) من الطعام أخذه لأهله) (7) .
(1) هو: محمد بن مسلمة بن سلمة بن خالد بن عدي، الخزرجي الأنصاري الأوسي، أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو عبد الله ولد قبل البعثة بثنتين وعشرين سنة، أسلم على يد مصعب بن عمير، وشهد بدرا وما بعدها إلا تبوك. أقام في المدينة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ممن ذهب لقتل كعب بن الأشرف. توفي بالمدينة سنة 46 هـ وقيل غير ذلك.
انظر: الإصابة (6/28) ت رقم (7822) وأسد الغابة (4/336) ت رقم (4761) .
(2)
الوسق: وحدة كيل، وهو ستون صاعا بالصاع النبوي. انظر: المصباح المنير ص (660) مادة وسق والمعجم الاقتصادي ص (478) .
(3)
بتشديد اللام وسكون الهمزة قال سفيان: يعني السلاح وقال غيره اللامة الدرع، فعلى هذا إطلاق السلاح عليها من باب إطلاق اسم الكل على البعض، انظر: فتح الباري
…
(7/430) .
(4)
صحيح البخاري مع الفتح كتاب الرهن باب رهن السلاح ح رقم (2510) .
(5)
فتح الباري (5/179) .
(6)
الصاع: أربعة أمداد، وهو مكيال لأهل المدينة، انظر: المعجم الاقتصادي الإسلامي ص (259) .
(7)
أخرجه الترمذي مع عارضة الأحوذي كتاب البيوع، باب ما جاء في الرخصة في الشراء إلى أجل ح رقم (1214) .
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجة في سننه مع شرح السندي كتاب الرهون، باب الرهون، ح رقم (2436) .
قال ابن العربي:
رهنه درعه دليل على جواز رهن آلة الحرب في زمن الجهاد عند الحاجة إلى الطعام، ويقدم ذلك على الحاجة إلى آلة الحرب؛ لأنه إذا تعارض أمران قدم الأهم والحاجة إلى القوت أهم (1) .
وبما تقدم يتضح جواز رهن السلاح في الطعام لمن له عهد أو ذمة من الكفار، ولا يجوز رهن السلاح عند الحربي الذي لا أمان له ولا عهد، وما جاء عن الشافعية (2) من جواز رهن السلاح للحربي، محمول على الحربي الذي له عهد أو أمان.
قال النووي رحمه الله عند شرح حديث عائشة رضي الله عنها المتقدم ذكره: (وفيه جواز رهن آلة الحرب عند أهل الذمة)(3) .
فالنووي يقرر أن رهن آلة الحرب يجوز عند أهل الذمة، أو من له عهد دون غيرهم من الكفار. والله أعلم.
(1) عارضة الأحوذي (5/175) .
(2)
المجموع مع التكملة (12/349) وروضة الطالين (4/390) .
(3)
شرح صحيح مسلم (11/43) وانظر: الوسيط في المذهب (3/470) .