الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فدل على أن من شارك في القتال من العدو ولو بالرأي يجوز قتله، لأن الرأي من أعظم المعونة في الحرب (1) .
2-
أن النبي صلى الله عليه وسلم (أمر بقتل امرأة (2) من بني قريظة ألقت رحا على خلاد بن سويد (3) فقتلته) (4) .
الفرع الخامس
قتل من لم يشارك في القتال من العدو
الذي لا يشارك في القتال من العدو، له حالتان:
الحالة الأولى:
أن يكون من أهل القتال، وهم الرجال، البالغون القادرون على القتال، وقد سبق بيان أنهم يقتلون مطلقا ولو لم يشاركوا، لعموم الأدلة من الكتاب والسنة على جواز قتلهم، واتفاق الفقهاء على ذلك (5) .
الحالة الثانية:
أن يكون من غير أهل القتال كالنساء، والصبيان، والعجزة ومن في حكمهم.
(1) المغني (13/179) والحاوي الكبير (14/192) .
(2)
قيل: اسمها بنانة. انظر أسد الغابة (1/619) .
(3)
هو: خلاد بن سويد بن ثعلبة، الأنصاري الخزرجي، شهد العقبة، وبدرا واستشهد يوم قريظة ألقت عليه امرأة منهم رحا فخدشته، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل المرأة ولم يقتل امرأة غيرها. انظر: الإصابة (1/286) ت رقم (2283) وأسد الغابة (1/619) ت رقم (1471) .
(4)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الجهاد باب في قتل النساء، ح رقم (6671) قال في عون المعبود: الحديث سكت عنه المنذري. وانظر السيرة النبوية لابن هشام (3/242) . وعيون الأثر (2/110) .
(5)
راجع: الفرع الرابع.
فأما النساء والصبيان فلا خلاف فيما أعلم على أنه لا يجوز قتلهم إذا لم يشاركوا في القتال (1) .
جاء في بداية المجتهد: (ولا خلاف بين المسلمين أنه لا يجوز قتل نسائهم ولا صبيانهم ما لم يقاتل الصبي والمرأة)(2) .
وقال النووي: (أجمع العلماء على تحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا)(3) .
يدل على ذلك ما يلي:
1-
قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [البقرة: 190] .
وجه الدلالة: أن النساء والصبيان ليسوا من أهل القتال فلا يقاتلون إذا لم يقاتلوا (4) .
2-
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء، والصبيان)(5) .
وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا والنهي يقتضي التحريم.
(1) فتح القدير (5/202) والمبسوط (10/5) والمدونة (2/6) والمعونة (1/624) والحاوي الكبير (14/193) وروضة الطالبين (10/243) والمغني (13/ 175-177) وكشاف القناع (2/377) والمحلى بالآثار (5/347) .
(2)
بداية المجتهد لابن رشد (1/386) .
(3)
شرح صحيح مسلم (11/292) .
(4)
بدائع الصنائع (6/63) .
(5)
صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الجهاد والسير، باب قتل الصبيان في الحرب، وباب قتل النساء في الحرب، ح رقم (3014) و (3015) وصحيح مسلم بشرح النووي، كتاب الجهاد والسير، باب تحريم قتل النساء والصبيان في الحرب، ح رقم (1744) قد يعارض هذا الحديث مارواه الصعب بن جثامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من ذراريهم ونسائهم فقال صلى الله عليه وسلم (هم منهم) .
فتندفع المعارضة بأن حديث الصعب بن جثامة محمول على مورد السؤال وهم المبيتون، وذلك أن فيه ضرورة عدم العلم والقصد إلى الصغار والنساء بأنفسهم، لأن التبييت يكون معه ذلك، انظر: فتح القدير (5/202) وعون المعبود (7/237) .
3-
عن بريدة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال:(اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا)(1) .
الشاهد في الحديث قوله (ولا تقتلوا وليدا) فهذا نهى عن قتل الصبيان والنهى يقتضي تحريم ذلك إذا لم يشاركوا في القتال.
وأما غير النساء والصبيان ممن ليس أهلا للقتال من العدو ولم يشارك في القتال. كالشيخ الفاني (2) والراهب (3) وأقطع اليد والرجل، والزمن (4) والأجير وصاحب الحرفة (5) فقد اختلف الفقهاء رحمهم الله تعالى في جواز قتلهم إلى قولين:
القول الأول: لا يجوز قتلهم وبه قال جمهور الفقهاء (6) .
واستدلوا بما يلي:
(1) سبق تخريجه.
(2)
المراد به: من لا يقدر على القتال ولا الصياح عند التقاء الصفين ولا قدرة له على إحبال المرأة انظر: فتح القدير (5/203) .
(3)
هو: المتعبد في الصومعة واحد رهبان النصارى. انظر: لسان العرب (1/437) مادة (رهب) .
(4)
الزمن هو الذي مرض مرضا يدوم زمنا طويلا. انظر: المعجم الوسيط ص 401 مادة (زمن) والمصباح المنير ص 256 مادة (زمن) .
(5)
كالصانع والتاجر والفلاح.
(6)
بدائع الصنائع (6/63) والبحر الرائق (5/131) وشرح السير الكبير (4/186) والمدونة (2/6) والكافي في فقه أهل المدينة (1/466) والمعونة (1/624) والحاوي الكبير (14/193) وروضة الطالبين (10/243) والوسيط في المذهب (7/20) والمغني (13/178) والإنصاف (10/87) .
1-
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله، ولا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا ولا صغيرا ولا امرأة..)(1) .
فقوله صلى الله عليه وسلم (ولا تقتلوا شيخا فانيا) فيه نهي عن قتله والنهي يقتضي التحريم، والمقعد، والزمن ومقطوع اليدين والرجلين في معنى الشيخ الفاني، لأنه لا ضرر منهم على المسلمين فهم كالنساء والصبيان وليس لهم قدرة على القتال (2) .
2-
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيوشه قال: (اخرجوا بسم الله، تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله، ولا تغدروا.. ولا تقتلوا الولدان، ولا أصحاب الصوامع)(3) .
ففي الحديث نهى عن قتل أصحاب الصوامع، وهم: الرهبان لأنهم قصروا أنفسهم على العبادة ولم يحاربوا بفعل ولا رأي ولا تحريض ولا مال (4) .
وشرط الحنفية في عدم قتلهم أن لا يخالطوا الناس، فإن خالطوا الناس فلا بأس بقتلهم (5) .
(1) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الجهاد باب في دعاء المشركين، ح رقم (2614) والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب السير، باب ترك قتل من لا قتال فيه، ح رقم
…
(18153) وفي هذا الحديث خالد بن الفرز البصري، قال ابن معين: ليس بذاك، وقال أبو حاتم: شيخ وذكره ابن حبان في الثقات، انظر: تهذيب التهذيب لابن حجر (3/97) ت (208) وميزان الاعتدال (1/637) ت رقم (2450) وكتاب الجرح والتعديل لأبي حاتم (3/346) ت رقم (1563) .
(2)
المعونة (1/624) وحاشية الدسوقي (2/157) وفتح القدير (5/202) ونيل الأوطار (7/248) .
(3)
أخرجه أحمد في المسند (3/218) ح رقم (2728) قال أحمد شاكر: إسناده حسن، والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب السير، باب ترك قتل من لا قتال فيه، ح رقم
…
(18154) وقال البيهقي: حديث إبراهيم بن إسماعيل بن حبيبة لم يذكره الشافعي وهو ضعيف بالجهالة (9/159) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني في الكبير والأوسط، وفي رجال البزار إبراهيم بن إسماعيل بن حبيبة، وثقة أحمد وضعفه الجمهور وبقية رجال البزار رجال الصحيح (5/316) .
(4)
شرح السير الكبير (4/196) .
(5)
بدائع الصنائع (6/63) والبحر الرائق (5/131) وشرح السير الكبير (4/197) .
3-
عن حنظلة الكاتب (1) رضي الله عنه قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمررنا على امرأة مقتولة قد اجتمع عليها الناس، فأفرجوا له فقال:(ما كانت هذه تقاتل فيمن يقاتل) ثم قال لرجل: انطلق إلى خالد بن الوليد فقل له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرك يقول: «لا تقتلن ذرية ولا عسيفا» (2) .
ففي هذه الحديث نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن قتل العسيف وهو الأجير على حفظ الدواب لأنه من المستضعفين لا الأجير على القتال (3) .
4-
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «اتقوا الله في الفلاحين فلا تقتلوهم إلا أن ينصبوا لكم الحرب» (4) .
5-
وعن جابر رضي الله عنه قال: (كانوا لا يقتلون تجار المشركين)(5) .
(1) هو: حنظلة بن الربيع بن صيفي بن رياح بن الحارث، يقال له: حنظلة الكاتب، لأنه يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف شهد القادسية ونزل الكوفة توفي في خلافة معاوية انظر: الإصابة (2/117) ت رقم (1864) وأسد الغابة (1/542) ت رقم
…
(1280) .
(2)
أخرجه ابن ماجة مع شرح السندي، كتاب الجهاد باب الغارة والبيات وقتل النساء والصبيان، ح رقم (2842) والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب السير، باب ترك قتال من لا قتال فيه، ح رقم (18157) وقال: ضعفه الشافعي، وأخرجه أبو داود في سننه كتاب الجهاد باب في قتل النساء، ح رقم (2669) وصححه ابن حبان. انظر: الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان كتاب الجهاد ح رقم (4769) وصححه الحاكم في المستدرك كتاب الجهاد ح رقم (2565) ووافقه الذهبي انظر: التلخيص بهامش المستدرك (3/133) وأخرجه الإمام أحمد في مسنده (13/434) ح رقم (17542) .
(3)
شرح السندي على سنن ابن ماجة (3/381) ونيل الأوطار (7/248) .
(4)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب السير باب ترك قتل من لا قتال فيه، ح رقم (18159) وابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الجهاد باب من ينهى عن قتله في دار الحرب ج (7/655) .
(5)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب السير باب ترك قتل من لا قتال فيه، ح رقم
…
(18160) وابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الجهاد، باب من ينهى عن قتله في دار الحرب ج (7/656) .
القول الثاني: أنه يجوز قتلهم.
وهذا الأظهر عند الشافعية (1) وقول ابن حزم (2) .
واستدلوا بما يلي:
1-
عموم قوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} [التوبة: 5] .
وجه الدلالة: أن قوله تعالى: {فاقتلوا المشركين} عام في كل مشرك (3) والراهب، والأجير ونحوه ممن ذكر لا يخرجون عن المشركين فيجوز قتلهم.
ونوقش هذا الاستدلال: بأن هذا العموم مخصوص بما ذكر من السنة في النهي عن قتل الراهب، والشيخ الفاني، والعسيف والمرأة والصبي ونحو ذلك (4) .
2-
عن سمرة بن جندب (5) رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم (6) » (7) .
(1) الحاوي الكبير (14/193) وروضة الطالبين (10/243) ومغني المحتاج (6/30) .
(2)
المحلى بالآثار (5/348) .
(3)
الحاوي الكبير (14/193) .
(4)
المغني لابن قدامة (13/178) وأحكام القرآن لابن العربي (2/456) .
(5)
هو: سمرة بن جندب بن هلال الفزاري، قدمت به أمه بعد موت أبيه إلى المدينة، وهو صغير: حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم وغزا معه، نزل البصرة، وكان شديدا على الخوارج توفي سنة 58 هـ، وقيل: غير ذلك، انظر: الإصابة (3/150) ت رقم (3488) وأسد الغابة (2/302) ت رقم (2241) .
(6)
الشرخ: الصغار الذين لم يدركوا، وقيل: الشباب الذين ينتفع بهم في الخدمة، وشرخ الشباب أوله، وقيل: نضارته وقوته: انظر: النهاية في غريب الحديث (2/409) ولسان العرب (3/29) مادة شرخ.
(7)
أخرجه الترمذي مع عارضة الأحوذي كتاب السير، باب ما جاء في النزول على الحكم، ح رقم (1583) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وأبو داود في سننه مع عون المعبود، كتاب الجهاد، باب في قتل النساء، ح رقم (2667) وأحمد في المسند، ح رقم (20107) ج (15/156) وابن أبي شيبة في مصنفة، كتاب الجهاد باب من رخص في قتل الولدان والشيوخ ج (7/657) .