الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولد الفضيل بسمرقند «1» ، ونشأ بأبيورد، وتوفي بمكة سنة سبع وثمانين ومائة.
ومنهم:
7- داود بن نصير الطّائيّ
«13»
وصل إلى الغاية وبلغها، وتجنّب الغواية ومبلغها، تفقّه ثم اعتزل، وتنبّه ثم لم يزل، وقطع مدة البقاء على فرد قدم، وفرّ من الدنيا ولم يداخله ندم، وكان وشبابه غربيب «2» ، وجلبابه ما علق بريح حبيبة ولا حبيب، مجدّ في العلم وطلبه، مجدد بما يعلم دواعي طربه، يسعى إليه ولا يتكبّر، ويرعى ما يرد عليه ويتدبّر، ثم لما اضطلع من ذلك البحر الرواء، انخلع من ذلك الرداء، ولبس رتق الفقراء المبرّأ من الرياء، وطمّ طمعه فانفطم، وأحب الخلوة فكان لا يفارق ظلّ أطم. «3»
قال أبو علي الدقاق: كان سبب زهد داود: أنه كان يمرّ ببغداد يوما، فنحّاه «1» المطرّقون «2» بين يدي حميد الطوسي، فالتفت داود، فرأى حميدا، فقال داود: أفّ لدنيا سبقك بها حميد!. فلزم البيت، وأخذ في الجهد والعبادة.
وقال القشيري: سمعت ببغداد بعض الفقراء يقول: إن سبب زهده أنه سمع نائحة تنوح وتقول:
بأي خدّيك تبدّى البلى
…
وأي عينيك إذا سالا
وقيل: كان سبب زهده: أنه كان يجالس أبا حنيفة رضي الله عنه، فقال له أبو حنيفة يوما:
يا أبا سليمان! أما الأداة «3» فقد أحكمناها. فقال له داود: فأي شيء بقي؟. فقال: العمل به.
قال داود: فنازعتني نفسي إلى العزلة، فقلت لنفسي: حتى تجالسهم ولا تتكلم في مسألة. قال: فجالستهم سنة لا أتكلم في مسألة، وكانت المسألة تمرّ بي، وأنا إلى الكلام فيها أشدّ نزاعا من العطشان إلى الماء البارد ولا أتكلم. ثم صار أمره إلى ما صار. «4»
وقيل: حجم" جنيد الحجام" داود الطائي، فأعطاه دينارا، فقيل له: هذا إسراف. فقال:
" لا عبادة لمن لا مروءة له."«5»
وكان يقول بالليل:" إلهي! همّك عطّل علي الهموم الدنيوية، وحال بيني وبين الرقاد".
وقالت داية «6» داود الطائي له: أما تشتهي الخبز؟. فقال: بين مضغ الخبز وشرب الفتيت قراءة خمسين آية!.
ولما توفي، رآه بعض الصالحين في المنام، وهو يعدو، فقال له: مالك؟. فقال:" الساعة تخلّصت من السجن". فاستيقظ الرجل [من منامه]، وارتفع الصّياح [يقول الناس:] مات داود الطّائي.
وقال له رجل: أوصني.
فقال له:" عسكر الموت ينتظرونك".
ودخل عليه بعضهم، فرأى جرّة ماء انبسطت عليها الشمس، فقال له: ألا تحوّلها إلى الظلّ؟.
فقال:" حين وضعتها لم يكن شمس، وأنا أستحي أن يراني الله أمشي لما فيه حظّ نفسي «1» ".
ودخل عليه بعضهم، فجعل ينظر إليه، فقال: أما علمت أنهم كانوا يكرهون فضول النظر كما يكرهون فضول الكلام؟.
وقال أبو الربيع الواسطي: قلت لداود الطائي: أوصني. فقال:" صم عن الدنيا، واجعل فطرك الموت، وفرّ من الناس كفرارك من الأسد «2» ".
قال ابن خبيق: ورث داود الطائي عشرين دينارا، فأكلها في عشرين سنة. «1»
وقال- رضي الله عنه:" صاحب أهل التقوى فإنهم أقلّ مؤونة، وأكثر معونة".
وقيل له يوما: لو تنحّيت عن الشمس إلى الظل؟. فقال: هذه خطى لا أدري كيف تكتب؟. «2»
توفي داود الطائي- رضي الله عنه سنة ستين ومائة. «3»